اليمن الحر الأخباري

تحليل..السباق نحو البيت الأبيض ومصير الحرب على غزة.. بايدن وترامب… أمران أحلاهما مرُّ

د.رجب السقيري*
قبل ثلاثة أشهر من موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية تلقى الرئيس الأمريكي جو بايدن ضربة سياسية قاصمة عندما شاءت الأقدار أن يتعرض منافسه الجمهوري العنيد دونالد ترامب لمحاولة اغتيال فاشلة وينجو منها ، الأمر الذي رفع أسهم الأخير بين مؤيديه وزاد من فرصه في الفوز وأضعف من فرص بايدن الذي تقهقر وتراجعت فرصه إلى الحضيض حتى قبل محاولة اغتيال ترامب ، وذلك بسبب ضعف أدائه في المناظرة التلفزيونية بينه وبين دونالد ترامب.
ورغم أن العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين قد نصحوا بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي ومن بينهم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة وحليفة بايدن لفترة طويلة من الزمن ، إضافة إلى العديد من الأعضاء الديمقراطيين البارزين في مجلسي الشيوخ والنواب وعدد من أفراد أسرة بايدن وبعض المشاركين والنشطاء في حملته الانتخابية ومن بينهم الممثل الهوليودي الشهير جورج كلوني ، الناشط في جمع المال لتغطية نفقات الحملات الانتخابية للديمقراطيين ، لكن بايدن مازال يكابر ويصر على الاستمرار في حملته الانتخابية على أمل أن يختم حياته السياسية بفترة رئاسية ثانية شأنه في ذلك شأن معظم رؤساء الولايات المتحدة السابقين . ولكن مقابل من يشجعون بايدن على الانسحاب من السباق الرئاسي هناك من يشجعه على الاستمرار في حملته الانتخابية ، وبالذات اللوبي الإسرائيلي الذي يرى في بقاء بايدن منافساً لترامب فرصةً ذهبية لفوز الأخير بالرئاسة حيث أن بايدن أضعف من أي مرشح ديمقراطي آخر قد يشكل تحدياً كبيراً لعودة ترامب .
أما ترامب فمنذ فشله (الذي لم يعترف به) في الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت عام 2020 وهو مصمم على العودة إلى البيت الأبيض ، ولم يفت في عضده أو يضعف عزمه على المضي في ذلك حتى وهو يواجه ما يقارب أربعين تهمة جنائية تمت إدانته في بعضها وما زال بعضها الآخر قيد البحث في المحاكم . ومع ذلك تمكن ترامب بعد يومين من محاولة اغتياله من الحصول على ترشيح المؤتمر العام للحزب الجمهوري .
بايدن وترامب والحرب على غزة
السؤال الجوهري في هذا المقال هو : أي المرشحين بايدن أم ترامب أفضل من أجل وقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة ؟
كنت أود أن أجيب على هذا السؤال بإيجاز شديد مردداً المثل الشعبي الشائع أن “الخل أخُوالخردل” ، ولكن نظراً لأهمية وقف حرب الإبادة الفاشية على غزة لابد من إجابة شافية أكثر تفصيلاً على هذا السؤال .
حتى الآن وبعد أكثر من تسعة أشهر من بدء حرب الإبادة على غزة فشل بايدن فشلاً ذريعاً في ممارسة أي ضغط على نتنياهو وحكومته المتطرفة لوقف الحرب على غزة ، وبدا بايدن أكثر ضعفاً أمام نتنياهو عندما حاول تأجيل (لاحظوا مجرد تأجيل وليس وقف) تزويد إسرائيل ببعض أنواع الذخائر الفتاكة ، ولا يتوقع أن يكون أقوى من ذلك في حال فوزه بالانتخابات حيث أن نتنياهو هو الذي يمارس ضغوطا على بايدن من خلال الأغلبية الساحقة من أعضاء الكونغرس الداعمين لإسرائيل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري .
حتى عندما قدم بايدن اقتراحاً بعقد صفقة على ثلاث مراحل لتبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قام نتنياهو بوضع العراقيل أمامها موقناً أنه مهما فعل فلن يجرؤ بايدن أو أي مسؤول في إدارته على اتهام إسرائيل بعرقلة الصفقة وأن الاتهامات توجه دائماً إلى الجانب الفلسطيني . كذلك فقد فشل بايدن في ثني نتنياهو عن دخول رفح واحتلال محور فيلادلفيا وفشل أيضاً في إقناعه بخفض عدد الضحايا المدنيين و السماح بعبور كميات كافية من مواد الإغاثة الإنسانية . وسيبدو بايدن أكثر ضعفاً عندما يزور نتنياهو واشنطن الأسبوع القادم لمخاطبة الكونغرس ، وهي الزيارة التي رتبها نتنياهو دون إذنٍ من الرئيس بايدن (كما فعل سابقاً خلال رئاسة باراك أوباما) وسيعود إلى تل أبيب وهو أكثر تحدياً لبايدن متسلحاً بالدعم غير المحدود الذي سيجده في الكونغرس .
ماذا إذا فاز ترامب ؟
قبل أن نخوض في المقارنة بين بايدن وترامب حول المسألة الفلسطينية لا بد أن نستذكر ما فعله دونالد ترامب خلال رئاسته الأولى وما يمكن أن يفعله في الشأن الفلسطيني إذا فاز في الانتخابات القادمة . شكل اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية وألحق ضرراً كبيراً بثوابت القضية الفلسطينية وضرب بعرض الحائط كل القوانين والشرائع الدولية ، كما شكلت صفقة القرن التي ابتدعها هو وصهره جاريد كوشنر بداية مشروع خطير لإنهاء القضية الفلسطينية ودمج إسرائيل في المجموعة العربية وخلق ما سمي بالشرق الأوسط الجديد .
يبقى السؤال ماذا أيضاً يمكن أن يفعل ترامب إذا فاز في الانتخابات القادمة أكثر مما فعل في رئاسته الأولى ؟ الجواب بسيط ويمكن استنتاجه بسهولة . من حيث حرب الإبادة على غزة تشير كل التوقعات أن ترامب سيطلق يد نتنياهو تماماً لتحقيق ما يمكن له تحقيقه من أهداف إسرائيل من الحرب بما في ذلك تفريغ قطاع غزة وتهجير سكانه بشتى الطرق الممكنة عن طريق الاستمرار في حرب الإبادة وارتكاب المجازر والتجويع ، علماً بأن ترامب ومثله نتنياهو لا يولي أية أهمية لعزلة إسرائيل أو الولايات المتحدة أو كليهما نتيجةً لتحدي القوانين والمعاهدات وقرارات المنظمات الدولية . كذلك فإن ترامب لا يعطي أية أهمية لمواقف حلفائه سواءً العرب أو الأوروبيين فيما يخص الشأن الفلسطيني .
خلاصة القول أن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة قد لا يغير كثيراً من الأوضاع الراهنة في قطاع غزة ولكنه يترك الباب مفتوحاً أمام الضغوط التي تشكلها المقاومة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والذي سيؤدي حتماً إلى تراجع إسرائيل عن الاستمرار في عرقلة مساعي التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى قد تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار ونهاية الحرب .
أما فوز ترامب فقد يشكل نقلةً نوعية في تعامل واشنطن مع القضية الفلسطينية خاصةً إذا صدقت الأنباء عن عرض المليارديرة الأمريكية الإسرائيلية مريام أديلسون بتمويل حملة ترامب الانتخابية بمائة مليون دولار شريطة اعترافه بضم الضفة الغربية لإسرائيل في حالة فوزه . كذلك قد يشكل فوز ترامب فرصةً ذهبية لنتنياهو للإفلات من مصيره المحتوم الذي قد يقود إلى نهاية حياته السياسية كما قد ينقذه ويبعد عنه شبح مذكرة التوقيف الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية ويطلق يده في الاستمرار في حرب الإبادة على غزة .
وعليه فبالنسبة للشأن الفلسطيني كلا المرشحين للرئاسة الأمريكية جو بايدن ودونالد ترامب يحملان ضرراً كبيراً على القضية الفلسطينية وبالذات على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ، ولكن المقارنة بينهما ليست على أساس من هو الأفضل ومن الأسوأ بل على أساس من هو الأقل ضرراً ، أي أنهما “أمران أحلاهما مرُّ” .
والله من وراء القصد .
*باحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية

Exit mobile version