اليمن الحر الأخباري

ايران بين الحوار ومستجدات المرحلة

عوض بن سعيد باقوير*
انتهت الانتخابات الإيرانية وفاز إبراهيم رئيسي برئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمدة أربع سنوات وفق مؤشرات تقترب من نصف الناخبين الإيرانيين.

كما شهدت إيران انتخابات أخرى وهي الانتخابات البلدية وعدد من مقاعد البرلمان الشاغرة وأيضا أعضاء في مصلحة تشخيص النظام إيران دولة هامة حضاريا وتاريخيا وبشريا.

وفي مجال التنمية والتصنيع وهي جارة لدول مجلس التعاون الخليجي وأيضا دول آسيا الوسطي وروسيا وأفغانستان والعراق وتركيا ومن هنا تأتي أهمية المرحلة ما بعد الانتخابات في ظل تصريحات أولية للرئيس الجديد حول التطلعات الجديدة منها استمرار المفاوضات حول رجوع الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق النووي وأيضا إيجاد مقاربة سياسية من خلال عودة العلاقات الدبلوماسية مع دولة هامة وذات ثقل إسلامي كبير وأيضا اقتصادي وهي المملكة العربية السعودية الشقيقة خاصة وان الفترة الماضية شهدت حوارا غير علني بين طهران والرياض في العاصمة العراقية بغداد.

الحوار أساس الحل

نؤكد دوما وفي مقالات عديدة نشرت في هذه الصفحة على أهمية الحوار بين ضفتي الخليج خاصة بين السعودية وإيران ولا شك أن الحديث عن تواصل الحوار بل والإشارات حول استعداد إيران لفتح السفارات بين البلدين يعد إشارة في غاية الأهمية في تصريحات الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي كما أن عودة الحوار بين طهران والرياض ونقله إلى عاصمه أخرى كما أشارت مقالة في إحدى الصحف الروسية هو مؤشر آخر على أن هناك قناعات بان الحوار هو الخيار الذي من خلاله تحل المشكلات بين الدول.

إن منطقة الخليج العربي مرت بحروب وصراعات طوال أربعة عقود وخرج الجميع خاسرا على كل المستويات. ومن هنا فان نؤكد دوما على نموذج دول جنوب شرق آسيا التي خرجت من حروب طاحنة واستفادت من دروس الماضي والتدخلات الخارجية وأصبحت هذه الدول مستقرة ومزدهرة اقتصاديا تحت منظمة نشطة وهي رابطة الآسيان.

إن الوصول إلى علاقات طبيعية بين دول الإقليم خاصة إيران والسعودية علاوة علي بقية دول المنطقة سوف يخلق زخما كبيرا من التعاون الاقتصادي والتقني وتدفق رؤوس الأموال وفي مجال السياحة في ظل وجود كتلة بشرية كبيرة. كما أن ذلك التوافق السياسي سوف يخلق مناخا إيجابيا تستعيد معه المنطقة مرحلتها الإيجابية.

وعلى ضوء ذلك فان المستجدات الأخيرة في إيران سوف تدفع بالحوار إلى مزيد من تحقيق الأهداف لان الجلوس على طاولة الحوار وبنوايا صادقة هي مفتاح الحل من خلال عرض المشكلات بشكل شفاف وهذا منطق سياسي واقعي الحوار الذي انطلق في بغداد بين طهران والرياض ولو كان غير علني يعد بداية إيجابية ويعطي إشارات بان الحوار ممكن وان الخلافات تحدث بين الدول. ورأينا مؤخرا في جنيف القمة الأمريكية ـ الروسية بين بوتين وبايدن رغم كم المشكلات الكبرى والاستراتيجية بين اهم دولتين في المجال العسكري في العالم، إن الحوار على ضفتي الخليج هو الأسلوب الصحيح ونحن ندرك أن هناك قضايا مهمة وهناك تحفظ سعودي على عدد من السياسات الإيرانية وهناك قضايا تهم إيران. وهذا شيء طبيعي في العلاقات الدولية ومع ذلك فانه طرح كل تلك القضايا على طاولة الحوار وهو الأمر الذي بدأ في بغداد وسوف يستمر مع تلك الإشارات الإيجابية التي صدرت من الرئيس الإيراني المنتخب.

الدور العماني المرتقب

هناك تحركات دبلوماسية وزيارات متواصلة بين كبار المسؤولين في السلطنة والمملكة العربية السعودية الشقيقة وهي مسألة تم رصدها رسميا وشعبيا وتشهد العلاقات بين مسقط والرياض المزيد من التطور والتنسيق في عدد من الملفات الاستراتيجية التي تهم المنطقة في مقدمتها البحث عن حل ينهي الحرب الكارثية في اليمن. ومن خلال التنسيق مع الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله الحوثية وهناك تحركات متواصلة بين الجانبين العماني والسعودي هذا الملف اليمني ليس ببعيد عن إيران وهذا شيء معروف ولا يحتاج إلى اجتهاد سياسي وفي تصوري أن حل الأزمة اليمنية سوف يؤدي إلى تحرك ملفات أخرى وفي مقدمتها ملف العلاقات السعودية الإيرانية.

ومن هنا يأتي الدور الأهم للدبلوماسية العمانية النشطة ذات المصداقية العالية على الصعيدين الإقليمي والدولي ولعل الزخم الذي شهدته عاصمة الوطن مسقط من خلال الوفود العربية والدولية يعطي إشارة واقعية إلى أن مسقط تواصل نهجها الواقعي في إيجاد حلول وحرص كبير من السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ بضرورة جعل المنطقة تعيش بسلام واستقرار كما أشار إلى ذلك جلالته في خطاباته الثلاثة منذ توليه الحكم.

ومن هنا فان بلادنا تواصل جهودها ومساعيها الخيرة لإيجاد مقاربات سياسية بين الأشقاء والأصدقاء على حد سواء خاصة وان السلطنة ترتبط بعلاقات تاريخية مع المملكة العربية السعودية الشقيقة وأيضا مع الجمهورية الإسلامية الصديقة نشعر بتفاؤل كبير في حلحلة قضايا المنطقة مع رصد تطورات إستراتيجية كبيرة منها انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وفي المستقبل من العراق وهذا يعني أن إيجاد تعاون امني وسياسي واقتصادي بين دول المنطقة اصبح أمرا حتميا وان الاستراتيجية في المنطقة لابد أن تتغير في ظل أجواء من المصالحة في ظل تطور العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد قمة العلا السعودية وانتهاء الأزمة الخليجية في ظل عودة العلاقات بين الرياض والدوحة وتحسن العلاقات بين القاهرة والدوحة.

إن المنطقة تشهد أجواء إيجابية حتى في إطار العلاقات بين القاهرة وأنقرة وهذا شيء مهم لعودة العلاقات الإيجابية بين دول الشرق الأوسط بما فيها إيران وتركيا مع الدول العربية لان ذلك يقلل من مناخ التوتر وعدم الاستقرار ولا شك أن الدبلوماسية العمانية تلعب دورا محوريا كما لعبته طول نصف قرن مع مستجدات المنطقة رغم الخلافات بين عدد من دول المنطقة إلا أن المراجعات السياسية تبدو أمرا واقعيا وان المصالح المتبادلة وعلاقات الشعوب تحتم وجود مناخ مختلف ومع وجود استعداد إيراني وفي ظل مستجدات المنطقة فان عودة الحوار الإيراني السعودي هو أمر مهم.

هناك تحديات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولعل الكيان الصهيوني وسياسته العدوانية تجاه القضية الفلسطينية وانتهاكاته المستمرة ضد الشعب الفلسطيني هو احد منطلقات الأمن القومي العربي.

إن السلام الشامل والعادل هو مطلب عربي تمثل في المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢ ودون حل الدولتين فان الكيان الصهيوني سيظل احتلالا منبوذا من الدول العربية وشعوبها بصرف النظر عن تطبيع هنا أو هناك ومن هنا فان المرتكز الأساسي هو العلاقات العربية العربية والعلاقات العربية الإسلامية لان ذلك المرتكز هو الذي يحرك قضية العرب المركزية وهي قضية فلسطين وفي القلب منها مدينة القدس المحتلة ومسجدها الأقصى المبارك.

هناك شعور متزايد بان مستجدات المنطقة تتجه نحو منطق التفاؤل وهناك إحساس متبادل بان حل الخلافات هو افضل من بقائها دون حل لان المتضرر الأساسي هي الشعوب وهذا متغير أساسي كبير ولعل نموذج الأزمة الخليجية وما خلقته من متاعب لشعوب المنطقة هو نموذج لا تزال بعض أثاره باقية وهي في طريقها للتلاشي تدريجيا ومن هنا نشدد على أهمية الحوار وعلى الأصوات الإيجابية القادمة من طهران والرياض ومن خلال الجهود العمانية المخلصة التي تقوم بها الدبلوماسية النشطة التي تقوم على المصداقية والرغبة الصادقة في حل المشكلات والاتجاه بالمنطقة وشعوبها ومقدراتها إلى مناخ افضل يسوده السلام والمحبة والتعاون والمصالح المشتركة.

* صحفي ومحلل سياسي عماني

Exit mobile version