اليمن الحر الأخباري

التنمية والحكم الرشيد

روضة القبيسي*
التنمية بمفهومها العميق قد مرت في مراحل متعددة مع مرورها بالتطور الإنساني ونظرة المجتمع للرفاهية البشرية، ومع تواكب التطور الحادث في التنمية البشرية المستدامة وفقًا لتطور مناظر التنمية التي تساهم في نهضة الدولة، قد توصلت الدراسات إلى أن من أهم مقومات تحقيق التنمية البشرية المستدامة توفّر مقومات حقيقية تحقق من خلالها النظام المتين للحكم الرشيد، ما يجعل من الضرورة التعرف على الجوانب المختلفة للتنمية البشرية المستدامة، وتساهم إدارة الحكم الرشيد في تحقيقها، مع إعطاء لمحة سريعة عن الأوضاع بالدول العربية في ذلك الصدد، وهذا ما جعل التطور ملحوظًا في مفهوم التنمية من مفهوم نظري يعبر عن النمو الاقتصادي مرورًا بالتنمية الشاملة ووصولًا إلى التنمية المستدامة، والتي تُعرف بأنها – تنمية اقتصادية دائمة بيئيًا، مستدامة اجتماعيًا وعادلة، تستجيب إلى احتياجات الجيل الحاضر دون تعريض احتياجات الأجيال المستقبلية للخطر.

خمسة جوانب أساسية تعبّر عن مفهوم التنمية البشرية المستدامة، التي تؤثر على حياة الفقراء والفئات الضعيفة منها كالتمكين التي تعمل على توسيع القدرات والخيارات المتاحة للرجال والنساء، ما يزيد من قدرتهم على ممارسة تلك الخيارات وهم متحررون من الجوع والحاجة والحرمان، كما أنه يزيد من الفرص المتاحة لهم للمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم، أو الموافقة عليها. الجانب الثاني يعبر عن التعاون في إبراز أهمية الشعور بالانتماء والسعادة والإحساس بوجود هدف ومعنى للحياة، بالنسبة لتحقيق الذات بشكل كامل من الاكتفاء، لذا تهتم التنمية البشرية بالطرق التي يعمل بها الناس معًا بشكل تفاعلي. الجانب الثالث وهو المعبر عن الإنصاف من خلال توسيع الإمكانيات والفرص، يعني ما هو أكثر من مجرد زيادة الدخل إذ يعني أيضًا أن من الإنصاف وجود نظام تعليمي يمكِن للجميع الالتحاق به، الجانب الرابع يكمن في تحقيق الاستدامة من خلال تلبية احتياجات هذا الجيل دون المساس بحق الأجيال المقبلة في التحرر من الفقر والحرمان، وفي ممارسة قدراتها الأساسية. الجانب الخامس يكمن في توفير معايير الأمن والأمان: وبخاصة أمن المعيشة. فالناس بحاجة لأن يتحرروا من الظواهر التي تهدد معيشتهم، مثل المرض أو القمع، ومن التقلبات الضارة المفاجئة في حياتهم.

مما سبق نستطيع القول: إن للحكم الرشيد ثلاثة أضلاع أساسية منها السياسي والاقتصادي والإداري، فالحكم الاقتصادي يشمل عمليات صنع القرارات التي تؤثر على الأنشطة الاقتصادية لبلد ما وعلى علاقته بالاقتصادات الأخرى، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الأبعاد المتعلقة بالفقر والعدالة ونوعية الحياة، كما أن الحكم السياسي يتناول عملية صنع القرارات من أجل صياغة السياسات، وأما الحكم الإداري وهو نظام أو أداة وضع السياسات موضوع التنفيذ. ومن هنا ندرك أن الحكم الرشيد هو الذي يقوم على الأضلاع الثلاثة: العمليات والهياكل التي توجه العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أما الحكم الرشيد من وجهة نظر التنمية البشرية فهو الحكم الذي يعزز رفاه الإنسان ويدعمه ويصونه، ويقوم على توسيع قدرات البشر، وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على كل المستويات لاسيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع تهميشًا وفقرًا.

*خبير التنمية البشرية

Exit mobile version