الهام زارعي
من المؤسف حينما نرى مجتمعنا يفتقر إلى ثقافة النجاح، وتطغى عليه ثقافة التنافس الأقرب إلى الافتراس، أو النجاح الفردي على حساب النجاح الجماعي. وفي الحقيقة لن تتقدم مجتمعاتنا وتتكاتف إلا بترسيخ ثقافة النجاح، فهي الأرضية الصلبة لأي تطور أو إصلاح منشود. فالنجاح الحقيقي هو أن يكون كل من يتعامل معك ناجحاً مثلك، أي بمثابة رحلة يومية جماعية في الحياة نحو خلق الإبداع والجمال والرقي في المجتمع.
تخيل النجاح رحلة جماعية لاكتشاف مكان جديد مختلف مدهش، يتعلم الجميع في هذه الرحلة معالم هذا المكان، يتعاونون في بناء وإعمار مرافق جديدة فيه. بالتأكيد ستكون هذه الرحلة متعة روحية لكل المشاركين فيها خاصة إذا وضع كل مشارك مصلحته الشخصية جانباً وتمسك بمصلحة العموم، ورأى الخير في التعاون لا في التنافس، واعتبر المحبة المتبادلة بين المجموعة أهم من حبه لنفسه. وآمن بأن النجاح الجماعي أعظم من نجاحه الفردي.
صحيح أن النجاح الفردي مطلوب ولكن النجاح الجماعي هو ما يعول عليه في بناء المجتمعات والارتقاء بها، وإن لم يكن النجاح الفردي جزءاً من النجاح العام أو مكملاً له، فقد يكون حجر عثرة وعائقاً في طريقه وضرره أكبر من نفعه.
هناك قصة جميلة عن نجاح المجموعة عبر التناغم مع نجاح الفرد تقول:
كان هناك مزارع يشارك في كل سنة بمسابقة أفضل حبوب ذرة ويفوز بالجائزة الأولى لحبوب الذرة الفاخرة التي يزرعها في حقله. بعد مرور سنوات أثار هذا الفوز فضول مراسل جريدة معروف، ليعرف السبب وراء ذلك. اتضح حين اللقاء الصحفي، أن المزارع كان يشارك تلك البذور الجيدة مع جيرانه. فسأله المراسل: كيف تشارك جيرانك ببذور الذرة الجيدة وهم يدخلون معك السباق في كل عام؟
إجاب المزارع: ألا تعلم يا سيدي أن الرياح تنقل حبوب الطلع من الذرة الناضجة وتقذفها من حقل لآخر؟ إذا كانت الذرة عند جيراني سيئة فهذا سيؤثر على نوعية الذرة في حقلي، ولكي تنمو عندي ذرة جيدة يجب عليّ مساعدة جيراني على زراعة ذرة عالية الجودة أيضاً في حقولهم.
إن هذا المزارع كان مدركاً لثقافة الفوز الحقيقي في الحياة، حيث أن الفوز والنجاح ليس حكراً على أحد والإنسان الناجح تكون حياته كلها مسيرة متواصلة من النجاح، فالنجاح لا قمة ولا نهاية له والنجاح الحقيقي لا يؤمن بالقمم لأن الوصول للقمة يعني بداية الانحدار، بالإضافة لكونه أنانية وفردانية لا تحتمل الشراكة، بل النجاح درجات رحبة تتسع للجميع، وتمتلك خاصية المرونة إذ تكبر وتتمدد كلما كثر دائرة الناجحين.
نشر ثقافة النجاح هو مسؤوليتنا جميعاً، لأن من شأنه أن يشكل وعياً مجتمعياً كبيراً، يساهم في تغيير مجتمعنا نحو الافضل ويُحَسِّن نوعية سلوكيات الناس. إنه تدريب عملي لممارسة مختلف فضائل الأخلاق. فيتحول المجتمع من التنافسية والتسابقية والانانية، إلى التعاونية والتشاركية الداعمة، فيغدو نجاح كل فرد فيه نجاح الجميع، وكل قصة نجاح مصدر الهام وتحفيز.