اليمن الحر الأخباري

ترميم البيئة الصحية والنفسية

موزة آل إسحاق*
يمر العالم بسلسلة من الأزمات الصحية والاقتصادية والسياسية، خلقت ضغوطات نفسية مختلفة بين شرائح المجتمع، وتركت آثارًا وخيمة نتيجة الظروف المصاحبة لها، وتختلف من دولة لأخرى وفقًا للتحديات الأساسية لها من الأزمات بالدرجة الأولى، سواء كانت سياسية واقتصادية والآن صحيّة مع جائحة كورونا.

وربما نرى مشاهد مختلفة عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، وحجم المشاحنات والضغوطات النفسية بين العاملين ببيئة العمل، سواء كانوا مسؤولين أو موظفين وعلى أعلى درجة وظيفية إلى أقل درجة، بمزيد من العبارات السلبية، مع وجود نوع من التذمّر النفسي والمهنى، والبعض مهتم والآخر غير مهتم، وهذا يريد العمل عن بُعد، رغم أن الأزمة انتهت إلا أنه لا يريد العودة إلى العمل بشكل مباشر لعدم الراحة النفسية، والمكان لا يستحق الجهد والعمل والإتقان، والآخر يبحث عن إجازة مرضية مُستمرة أو يسعى بكل الطرق لإثبات أنه من المرضى النفسيين حتى لا يعود للعمل، وما يصاحب ذلك من الشعور بعدم الرضا أو الرغبة بالعمل، ولا يوجد تقدير سواء عملت أم لم تعمل، وغيرها من العبارات والأعذار التي خلفتها الأزمة الراهنة، وأصبحت أجواء العمل شعلة من المشاحنات والضغوطات النفسية بين الجميع، حتى عندما تلتقي مع الزملاء من مؤسسات ووزارات أخرى تسمع نفس العبارات والمشاحنات وربما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى بوابة لتصفية المشاحنات والحسابات عبر التغريدات والعبارات، والأجمل أن ترى مسؤولين كبارًا على درجات علمية مرموقة، ويُعدّون من أصحاب القرار والمؤثرين، يستخدمون ويرددون هذه العبارات السلبية.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف ستكون جودة العمل المُنتظرة في هذه الأجواء المهنية، وكيف سيتم تقديم الخدمات المهنية على أكمل وجه للمُجتمع والفئات المستهدفة، وكيف تنهض هذه المؤسسات والوزارات بعد الأزمة الراهنة، وكيف سيكون هؤلاء المسؤولون والموظفون قادرين على العمل والإتقان والمسؤولية المهنية والمجتمعية بعد الأزمة، وما مدى القدرة على استقبال أي أزمات قادمة بالمُستقبل.

في حين نجد دعم الدولة والقيادة للمؤسسات والوزارات والقائمين عليها من القوانين والاستراتيجيات وتوفير كل الإمكانات الاقتصادية رغم كل التحديات والأزمات الراهنة، ولم يشعر الكثير منا بحجم الآثار الوخيمة كما مرّت بها دول أخرى، وكل ذلك من أجل رؤية قطر التنمويّة ٢٠٣٠، التي تتطلع دائمًا للعالمية وفق معايير دوليّة في شتى القطاعات ولم تعرقلها أي تحديات وأزمات.

ولذا نحن بحاجة ماسة إلى ترميم البيئة الصحية والنفسية بداخل بيئة العمل بالدرجة الأولى، وسرعة النظر فيها ومراعاة مخلفات الأزمة الراهنة من آثار نفسيه قوية على الكثير، ونحتاج إدارات حقيقية مُختصة بالدعم النفسي للموظف وتعزيز القيم الدينية والنفسية والمهنية بصورة واقعية وليست من خلال شعارات شفوية واستبانات لا يهتم بها الكثير، وأن يكون من يتولون مهام هذه الإدارات مسؤولين على كفاءة مهنية ونفسية حقيقية وفق معايير معينة قادرة على خلق البيئة المُحفزة للعمل، ومعالجة كثير من المشاحنات النفسية وأسبابها وطرق علاجها بشكل مباشر وسريع، حتى لا ينتقل الفيروس لشريحة أكبر بالعمل.

وهناك حاجة إلى تعزيز القيم المهنية والمسؤولية المجتمعية وتصل بشكل مرئي ورسالة حقيقيّة لكل موظف بثقافته المهنية والفكرية والنفسية بصورة واقعية.

ونأمل بإعادة النظر بشهادات الشكر والتقدير، والمساواة في بيئة العمل ونأمل بوجود مسؤول حقيقى قادر على إدارة الأزمات، وخبرات كبيرة وقادرة على التفكير والتخطيط وخلق بيئة صحية بين جميع العاملين وتبرز الإنجازات السنوية بالإدارة، ويتم التقييم من كافة الجوانب كما يقيّم الموظف العادي، وبناءً عليه يتم استمراره، أو توضع كفاءات حقيقية قادرة على خلق أجواء بيئية مُحفزة ذات جودة عالية للعمل والمجتمع.

ولا بدّ أن يكون هناك اهتمام أكبر بالدعم النفسى مع إدارة الأزمات من المسؤول لأصغر موظف، وتكون هناك دراسات علمية للتحديات المهنية مع ما بعد الأزمات وكيفية التعامل مع الأزمات التي يفتقرها الكثير من السادة المسؤولين، لأن لها آثارًا كبيرة على عدد من العاملين المطالَبين بإنتاجية أكبر.

ومطلوب أيضًا تأهيل الأجيال القادمة للتعامل مع الأزمات ببيئة العمل، خاصة من يفتقر للخبرة بمؤهلات علمية عالية ويحدث الصدام مع المسؤولين وبيئة العمل، ما يخلق أجواء نفسية غير صحيّة.

والتركيز على أهم التحديات التي تواجه العاملين وإبراز أهم العقول والكفاءات بكل الإدارات بالمؤسسات والوزارات واختيارهم كمُستشارين في علاج الثغرات ومواجهتها، وهناك الكثير من الحلول من خلال العاملين بالمؤسسات من أجل الشعور بالرضا الوظيفي وتحسين بيئة عمل صحية أفضل وأقوى قادرة على الإنتاجيّة.
*كاتبة وناشطة قطرية

Exit mobile version