كمال خلف*
اطالع عناوين الاخبار كما هي العادة يوميا . تدفق الاخبار الهائل ينمي لدينا حس الانتقاء والاختيار والوقوف عند الهام منها . يوم امس مر امام ناظري وانا اقلب العناوين خبرا يتحدث عن تدشين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل واسم الشركة “مصدر” محطة اسمها “نور نافوي” للطاقة الشمسية في دولة أوزبكستان.
يقول المسؤول الاماراتي “إن هذا المشروع وغيره من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تقوم الشركة بتطويرها في مناطق متعددة بأوزبكستان، تسهم في نمو القطاع الصناعي وخلق فرص عمل تسهم في النمو الاقتصادي والاجتماعي، بما يعزز التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. الخبر قد يبدو في الظاهر اقل أهمية مقارنة بالاخبار الساخنة وعناوين التوترات في الإقليم والعالم . ولكن دفعني الفضول للبحث عن هذه المشاريع وعن جدواها ، خاصة مع انتشارها على مستوى الافراد في المنازل والمحلات ، كحل لمشكلة انعدام الوقود والكهرباء في لبنان وسورية .
وحال الناس المنبهرين بإمكانية الحصول على كهرباء في منازلهم عبر الواح زجاجية على اسطح البنايات ذكرني بمشهد في المسلسل التركي الشهير الذي يتحدث عن سيرة السلطان “عبد الحميد الثاني” ، وكيف كان الناس في بلادنا العربية في ذاك العصر منبهرين بضوء الكاز ، واعتبارهم مادة الكاز ثورة في عالم الانارة . فكأن التاريخ يعيد نفسه وحالة التجربة والانبهار لاجدادنا بسائل الكاز في انارة المصباح ، هي ذاتها حالة انبهارنا بالواح الشمس تنير المنازل .
منذ ظهور النفط بات التنافس على موارد الطاقة احد الغايات الرئيسة للدول الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها وتأمين احتياجاتها من النفط الخام والغاز. ومنذ اكتشافه العام 1859 وحتى اليوم , يشكل النفط أحد أهم أسباب الصراع في العالم، وقد شغلت هذه الطاقة مساحة كبيرة من خريطة الصراع العالمي طوال القرن الماضي . ما تسبب بحروب وغزو بلدان وتدميرها وتمزيقها . ونال البلاد العربية النصيب الأكبر من انهار الدماء بسبب وقعها فوق بحر من البترول . حتى صارت معادلة النفط والدم جزء من تاريخ هذه المنطقة .
لكن ثمة الكثير من التقارير والمعطيات حسب ما اطلعت عليه ” كوني لست خبيرا في علوم الطاقة” تشير الى بدء عصر نضوب النفط وتراجع أهميته امام بدائل من الطاقة النظيفة التي تتوافق مع متطلبات العصر وتحديات التغير المناخي والاحتباس الحراري والتلوث البيئي والحياة على الأرض . فالحكومات التزمت في اتفاقية باريس للمناخ بسنّ قوانين مثل منع بيع سيارات البنزين والديزل ابتداءً من عام 2025 (بريطانيا) وحتى 2050 (أوروبا) و2060 (الصين). والولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن بصدد اتخاذ قرار حول الأمر بعد تأجيله من قبل الرئيس ترمب.
اضف الى ذلك اتفاق كل من شركتي «بريتش بتروليوم» ومجموعة «فولكسفاغن للسيارات الكهربائية» على العمل سوية في تشييد الوسائل والإمكانات والمحطات للسيارات الكهربائية في بريطانيا وألمانيا ودول أوروبية أخرى. حتى المحطات النووية لتوليد الطاقة باتت خطرا على الانسان وبدات الدول تسن قوانين بالاستغناء عنها حال انتهاء مدة صلاحيتها .
الى ماذا يحتاج هذا التحول العالمي في استخدام الطاقة؟ وتحويل الاعتماد الدولي على الطاقة النظيفة ” ، والتوجه نحو الكهرباء بدلا من الوقود السائل ؟ لا شك انه يحتاج الى مصادر للطاقة ، واهم مصدر للطاقة البديلة هي الشمس وطبعا الرياح بدرجة اقل . ومن نافل القول اننا في البلاد العربية نشكل قلب قوس الشمس مصدر الطاقة الجديدة . حيث تفتقد غالبية الدول العظمى ذات البلاد الباردة لميزة استمرار سطوع الشمس على مدار العام .
فهل سيكون صراع القوى الكبرى الجديد في منطقتنا هو صراع على قوس الشمس ، بعد ان كان على منابع النفط ؟ وهل هذا الصراع باتت تلوح معالمه ؟
في صحراء الجزائر وعلى سبيل ضرب المثال ، شهد هذا المضمار بروز أولى بوادر التنافس الدولي على الشمس اذ كانت قررت حكومة الجزائر بشكل مفاجئ إسقاط مشروع “ديزرتيك” للطاقة الشمسية مع ألمانيا من حساباتها، بعد أن أعادته إلى صدارة اهتماماتها سابقا . وقيل حينها ان فرنسا وقفت وراء الغاء المشروع خوفا من النفوذ الألماني في الجزائر وشمال أفريقيا”. وقيل كذلك ان سبب وقف المشروع هو اقتراح قدمه الالمان أغضب الجزائر، وهو “تكوين لوبيات صناعية وعلمية خارجة عن سيادة الدولة ، لتسهيل إقامة المشروع وإنشاء محطات شمسية عملاقة على طول الحزام الصحراوي، وهو ما يعني فقدان الحكومات السيادة على حق استغلال المساحة الجغرافية التي توضع فيها معدات النقل والإنتاج أو حتى تسييرها والدخول إليها . الصين اليوم كما علمت تبحث مع الجزائريين احياء مشروع توليد الطاقة من الشمس في الصحراء الجزائرية . لا اعلم ان كانت ستحوذ بكين على هذا المشروع ام لا .
يحاكي هذا المثال الجزائري صراعا تقليديا في الزمن الماضي على موارد النفط ، ومحاولة القوى الكبرى مد نفوذها عبر الشركات والحصول على امتيازات على حساب السيادة الوطنية .
بدات دول عربية وعلى راسها الدول النفطية في ولوج مشاريع الطاقة الشمسية ، ومن غير المعروف مدى هيمنة الدول الكبرى على هذه المشاريع . اذ بادرت كل من السعودية والعراق، حيث الصحاري والشمس في إطلاق مشاريع الطاقة الشمسية . وكذلك المغرب ومصر والأردن .
نحن في قوس الشمس، الطاقة المكتشفة الجديدة التي لا تنضب ، وقد نكون محط انظار الدول الكبرى للاستفادة من هذه الطاقة ، وقد نعيد سيرتنا الأولى في معادلة النفط والدم . بمعادلة الشمس والدم .
*كاتب واعلامي فلسطيني