نادية حرحش*
قبل أيام زار ممثلي مسلسل لا كازا دي بابيل (بيت من ورق وبيت المال) الاسباني واسع الشهرة “إسرائيل”، للترويج للجزء الجديد من المسلسل. أشاد الممثلون بالتجربة الاستثنائية لما شاهدوه من تعامل ” لطف الشرطة” و”سهولة التفتيش” و”ود الشرطة” الذين طلبوا ان يتصوروا معهم، ونصحوا بمشاهدة مسلسل “فوضى” الإسرائيلي.
بين شخصيات المسلسل التي ارتدت الأقنعة وباتت رمزا للتمرد على ظلم البنوك واحلال سرقتها ومغامرات الهروب المستمرة، وبين مسلسل فوضى الذي يظهر قوات المستعربين وعقولهم الاستخباراتية ضد “فوضى” الفلسطينيين و”ارهابهم”، حدث اليوم ما لم يتخيله عقل انتاجي بنتفلكس ولا هوليوود بعد.
او ربما رأيناه… رأيناه في فيلم “خلاص شاوشانك”، الذي يعتبر من أفضل الأفلام التي صنعتها السينما على الاطلاق، والذي يحاكي قصة معتقلين….. لا تهم القصة…. قصة شبيهة بنهايتها بقصة اليوم.
رأينا اليوم خلاص الجلبوع، في عملية تحرر خرجت من أنقاض الأرض نحو الشمس.
يبدو المشهد مهيبا، لذلك العسكري الإسرائيلي متأملا مذهولا في تلك الحفرة وراءه مجموعة من العساكر والشمس تشرق خلفهم عنوة. لا بد لليل ان ينجلي…. كما لذلك القيد الذي لابد استطاع ابطاله كسره. انجلى ليل ستة أسري حرروا أنفسهم من مؤبدات ظالمة وسط ظلمات سجون لم تكن لتنتهي الا بحفرة تتسع لموت. حفروا بمعالقهم خندق حريتهم وتحرروا.
يقف كل الكلام امام هذا المشهد. لا يمكن لمخيلتنا التي اجتاحتها مسلسلات نتفلكس وافلام هوليوود الا تخيل صناعة هذا الخيال. ولكن هؤلاء صنعوا فلمهم، بلا التأثر بفيلم او مسلسل صنعه خيال كاتب. هؤلاء صنعوا مصيرهم وكتبوا للتاريخ قصص بطولة تفوقت على خيال المبدعين.
لا يهم ان كانت إسرائيل بعتادها وعقولها تشق الأرض وتجول السماء حتى اللحظة لتجد الابطال الستة، وتجدهم. فما الذي يمكن ان يحصل لمحكومين بالمؤبدات أكثر؟ مؤبد اخر؟ ام قتل؟ من شق هذا النفق ومشى فيه وخرج منه لم يكن ليخيفه موت. لا بد ان سيناريو الموت كان محتملا منذ اللحظة الأولى حتى الأخيرة.
ما يهم هو اهتزاز هذه المنظومة والكشف عن حقيقة وهنها. فما جرى اذلال حقيقي للتعنت والجبروت الإسرائيلي في جهازه الاستخباراتي والأمني والعسكري الذي لا يهزم. هزمه ستة ابطال بحوزتهم معالق طعام، وسط تشديد أمنى مكثف، وإجراءات تعجيزية تنكيليه لا تتوقف.
تبين ان هذه لم تكن المحاولة الأولى للهروب، ومن نفس المكان ومن نفس الحفرة، تحت برج مراقبة يعتليها حارس دائم. وبين ما أطلق عليه زكريا الزبيدي بدراسته بمطاردة التنين والصياد التي تناول بها تجربة الملاحقة التي كانت حياته جزء منها.
لا يهم ان كان هذا السجن عصيا، والأكثر احكاما وتحكما. لا يهم ان كان تشبيهه بالكاتراز او شاوشانك، او جوانتانامو ولا ايهم ان كان الأكثر تعقيدا في المنظومة الأمنية الإسرائيلية وغيرها من التفسيرات والتبريرات وتعظيم الحدث.
الحدث جلل.
فلقد تمخض من هذا الظلام خلاص ستة احرار رغم انف الاحتلال، وظلامه، وظلمه وظلماته.
قضية الاسرى التي يغيب عنها الحق وينهزم فيها الدفاع وتتهاون فيها السلطة الفلسطينية لتترك الاسرى وعائلاتهم بين فكي الاحتلال، وغطرسته وظلمه وجبروته. فصارت أكبر مشاكل السلطة هي أموال تقتطع منها مستحقات عائلات الاسرى من رواتب شهرية.
مؤبدات تطلق على أصحابها تتراوح بين المؤبد والاثنين والثلاثة والاربعة وتتصاعد. وكأن المؤبد سنة يمضيها وتنتهي.
ما الذي يتوقعه السجان والجلاد من اسير يقضي عمره بالمعتقلات والزنازين من اجل حرية شعب؟
يحفرون الأرض ويشقونها ويخرجون منها.
جنين تلو جنين يشق رحم الأرض الشقية القاسية العصية في مخاض كان عسيرا ومستحيلا…الا على ابطال ستة خرجوا نحو خلاصهم وتحرروا.
ليسجل التاريخ خلاصا فلسطينيا من “مسرح وسينما الحرية” بأبطاله الستة: مناضل نفيعات (يعبد- جنين)، يعقوب قادري (مؤبدين و٣٥ سنة بير الباشا-جنين)، ايهم فؤاد كمامجي (مدى الحياة- كفردان- جنين)، محمود عبد الله عارضة (مؤبد و١٥ سنة عرابة-جنين)، محمد قاسم العارضة (ثلاث مؤبدات و٢٠ سنة عرابة- جنين) وزكريا الزبيدي (مسرح الحرية- مخيم جنين).
الخلاص الفلسطيني الذي يتمخض عند وحدته “جنين”.
من جنين العصية والى جنين الخلاص الفلسطيني في لوحة بطولية رفعت رؤوسنا المهزومة باليأس نحو شروق حرية لمن يبتغيها…. وينتزعها بعد ان يحفر الأرض بيديه ويشق طريقه اليها.
*كاتبة فلسطينية