اليمن الحر الأخباري

المبادرة الروسية

مايا التلاوي*
حديثٌ لافتٌ لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن مسار بديل لتأمين مُبادرة الحزام والطريق الصينية.
هذا الحديث ليس متغيراً سياسياً بقدر كونه صناعةً استراتيجيةً جديدةً وتعريفً جديداً للجيوبوليتيك المُعاصر لذلك يجب الغوص عميقاً في هذه التفاصيل.
مبادرة الممر السيبيري الذي طرحتهُ وزارة الدفاع الروسية
وفي التفاصيل فقد تحدث وزير الدفاع الروسي شويغو عن قدرة روسيا الإبحار على مدار العام في ممر الملاحة الشمالي في غضون خمس سنوات عبرَ بناء أسطول من كاسحات الجليد ضمن نشاط الملاحة البحرية عبرَ ربط المحيطين الأطلسي والهادىء ثم القطب المتجد الشمالي ليتم ربط آسيا بأوروبا تعويضاً عن مُبادرة حزام وطريق التي طرحها الرئيس الصيني تشي جي بينغ عام ٢٠١٣
لم يكن الحدث الذي جرىَ في أفغانستان حدثاً سياسياً عابراً ، بل كان زلزالاً جيوبوليتيكياً أرادَ منه الغرب بالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية بعد اجتماع الناتو الذي حصل في حزيران الماضي واجتماع السبعة الكبار تغيير معالم العالم .
كان البعض يظن أن الجيوبوليتيك بمفهومه القديم قد زال مع التحولات الاقتصادية التي جرت منذُ منتصف السبعينيات من القرن الماضي ، وانتقل الجيوبوليتيك إلى الجيوعولمة ، ولكن التطورات الراهنة تُفيد بأن هناك عودة إلى الجيوبوليتيك القديم بالمعنى القديم لهذا الجيوبوليتيك ، والعودة إلى المفاهيم التي كانت تسود عن الممرات المائية وأهميتها ، وعن القوى البرية والبحرية ، وبالتالي هُناك إعادة تعريف بعض الدول لنفسها ، فروسيا مثلاً تُعيد تعريف نفسها كقوة برية ، والصين كقوة قارية ، وبالتالي فإن مايُطرح اليوم من الجانب الروسي من خلال الممر السيبيري الجديد هو تعريف روسيا لنفسها بأنها قوة برية قادرة على توفير ملاذات آمنة للمشاريع الدولية الحليفة لها .
وفي سياق ماسبق فقد تحدث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن تأييد روسيا لمُبادرة ( الممر السيبيري ) الذي سيربط أوروبا والصين وليكون آمناً وفعالاً وبديلاً عن مُبادرة حزام وطريق الصينية التي هُددت بعد أحداث أفغانستان وسقوط كابل تحت سيطرة حكم طالبان .
ماهي دلالات طرح هذه المُبادرة في هذا التوقيت ؟ وماذا عن الأبعاد ؟ وكيف تبدو الأهداف ؟
طرحت وزارة الدفاع الروسية تقدير استراتيجي وهو تحويل مسار طريق الحرير من حزام وطريق البري عبّرَ أفغانستان وباكستان ( آسيا الوسطى ) إلى المسار البحري عبّرَ المحيط الهندي إلى الممر السيبيري .
الأبعاد من هذه المُبادرة :
هي خلق فرصة أمامَ الصين لعدم التعرض للضغوط الأمريكية ، والحفاظ على التوازن الروسي الاستراتيجي مع الصين كما أنها سوف تخلق بديل جيوسياسي عن حزام وطريق الذي سيعبر في أفغانستان وباكستان ، وبالتالي فإن المشروع الروسي هو استباق للاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى كما أن أكثر مايُقلق الولايات المتحدة الأمريكية هي الاتفاقية المُوقعة بين الصين وأوروبا في عام ٢٠٢٠ الاتفاقية الصينية – الأوروبية شراكة اقتصادية شاملة .
كما أن هناك ترحيب أوروبي لهذه المُبادرة لأنها ستكون أكثر آمناً عن الممر البري الذي سيكون عبر أفغانستان وباكستان ولكن أصبحت هذه المنطقة الجغرافية أكثر خطراً بعد الفوضى التي أحدثتها القوات الأمريكية فور انسحابها من أفغانستان ، كما أن هذه المُبادرة تبدو أكثر آمناً بالنسبة لأوروبا بعدَ حادثة سفينة ( إيڤر غرين ) التي عطلت الملاحة البحرية في قناة السويس حوالي شهر .
إفشال المخطط الأمريكي بعد محاولته قطع الطريق البري عبر خلق الفوضى والإرهاب على طول الممر الصيني الباكستاني وهذا مايُفسر ظهور خرسان على الحدود الشرقية لأفغانستان أي بالمنطقة التي يُفترض أن تُحاذي الممر الباكستاني الذي يُعد العمود الفقري للمُبادرة الصينية كما أن من ضمن المخطط قطع الطريق البحري عن طريق قناة ملقة التي تصل بحر الصين بالمحيط الهندي .
الأهداف التي ستحققها روسيا بعد طرح مُبادرة الممر الشمالي :
أولاً : العوائد الاقتصادية التي ستوفرها روسيا
ثانياً : إعادة إنشاء البنية التحتية في سيبيريا من جسور وطرق حديدية .
ثالثاً : عدم خضوع الصين لأمريكا في أي مُفاوضات استراتيجية مُقبلة بين البلدين .
رابعاً : تعريف الأمن القومي الصيني كجزء من المظلة الأوراسية الجديدة وبهذا تشبيك بين المشروعين الأوراسي والصيني ( شنغهاي ) .
خامساً : إن خلق ممر بديل للصين قد يؤدي إلى تراجع السياسة الأمريكية في آسيا الوسطى وهذا مكسب روسي .
في الختام يبقى الممر السيبيري هو طرحٌ نظريٌ وعمليٌ في آن ولكنهُ يُخفي في دلالاته مخاوفَ عميقة روسية من ماقد يحدث في آسيا الوسطى ومن احتمالات التقارب الصيني الأمريكي في تلك المنطقة على خلفية الضغط الأمريكي والتخوف الصيني من انهيار مبادرتها الاستراتيجية ( حزام وطريق ) لذلك هذا الممر يحمل في طياتهِ الكثير من العناوين لمُتغيرات سياسية قادمة ولكن الثابت أن الصين ستكون أقرب إلى روسيا في تعاطيها مع ملف الممر السيبيري دون أن تبحث نهائياً في تعديل المسار الذي اقترحته في عام ٢٠١٣ وبالتالي يبقى في إطار الممر البديل ، ولكن الصين قد تتجه مستقبلاً إلى الاستثمار في البنية التحتية لهذا الممر الإستراتيجي بالنسبة لها وسوف يمنع الإدارة الأمريكية من ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في أي مفاوضات قادمة بين الجانبين .
*كاتبة وباحثة سياسية سورية

Exit mobile version