اليمن الحر الأخباري

المغرب.. سقط المطبعون فهل يسقط التطبيع؟

سفيان بن مصطفى بنحسين
عصفت نتائج الإنتخابات البرلمانية المغربية بحزب العدالة والتنمية ولم يتمكن رئيس الحكومة سعدالدين عثماني من الحفاظ على مقعده النيابي فضلا عن عشرات المقاعد الأخرى لنواب باتوا سابقين، وفقد الحزب تسعين بالمائة من عدد مقاعده كأن كل قواعده في الشارع قد عزمت على أن تقلب له ظهر المجن جزاء تنكره لوعوده وللمبادئ التي كان يتبناها قبل وصوله إلى رئاسة الحكومة. إستقالات في صفوف قيادات الحزب توحي بإندثاره أو بغيابه عن الساحة لفترة قادمة غير قصيرة كأنه كوكب حوّله الإنفجار الأخير إلى سديم متطاير لا وزن ولا تأثير له، ولن يذكر التاريخ عن هذا الحزب سوى تلك الصورة المخزية لزعيمه عثماني وهو يوقع بيان التطبيع بحضور جاريد كوشنر صهر ترامب والصهيوني مائير بن شبات، سيظل ذلك المشهد يطارد العدالة والتنمية وفلول أنصاره حتى الزوال الأخير مقدما للناس آية مفادها أن وقفة العز فرصة واحدة لا تتكرر إن أضعتها فقد أضعت نفسك ومبادئك ومستقبل الحزب الذي تقاتل من أجله.
إن الحياة السياسية على سعتها لتضيق بأصحاب المواقف المتقلبة، كان العثماني قبيل قرار المخزن بتطبيع العلاقات مع العدو يحاضر عن خطر التطبيع قبل أن ينقلب على نفسه ويتحول إلى عراب ما حذر منه بالأمس، كأن هاجسه الأكبر كان الذود عن منصبه السياسي وكأن الكلام عن خطورة التطبيع كان أشبه بمواعيد عرقوب وما مواعيده إلا الأباطيل وأنها أشبه بدرس لواعظ قديم الطراز يلقي عظة يوم الأحد، راهن الحزب على رضى الملك على حساب رضى الشعب وفات قادته أن المخزن ربما أدرك أنهم تصنعوا الشموخ صلفا وعنجهية وإمتلاء فارغا “كأن شحمهم ورم” على حد تعبير المتنبي فمرر بأيديهم صفقة التطبيع ملوحا لهم بديمومة كرسي الحكومة، أما التاريخ فلن يذكرهم إلا كما سيذكر حكام الإمارات والبحرين ومن قبلهم جماعة كامب ديفيد ومن قبلهم إبن العلقمي، ولو كان الحزب مبنيا على مبادئ راسخة وقيادات صادقة وجماهير قادرة على تصحيح مساره لما إنقرض كما إنقرضت جورجينات ميدوزا في الميثولوجيا اليونانية لكنه كان أشبه بأحزاب المقاولات التي لم تولد إلا لجني المكاسب المادية والسياسية على حساب المبادئ والوعود، وننسى في خضم هذا العبث أن الحزب نتيجة لتقارب أفكار وسياسات مجموعة من الأشخاص وأن الوفاء يكون دوما لتلك الأفكار المؤسسة لا لإسم الحزب.
تجربة العدالة والتنمية في الحكم درس لكل السياسيين في وطننا العربي الذين يأنسون إلى النوم على حرير النصر حال فوزهم، فتتحول أهدافهم من تحقيق آمال ناخبيهم إلى محاولة الإستئثار بجميع ثمار النصر وأكاليل الغار، العدالة والتنمية صفحة طواها شعب المملكة المغربية ولو إلى حين، ونجزم أن ما حدث عقاب له على إنخراطه في التطبيع ونحن وإن كنا لا نثق في تجمع “المال والأعمال” الذي تصدر المشهد في الإنتخابات الأخيرة فإن كل من سيدخل البرلمان فائزا سيضع تجربة العدالة والتنمية نصب عينيه، ونميل إلى الإعتقاد أو لعلنا ندعو سرا وعلانية أن تنعكس هذه النتائج على مسار التطبيع مع العدو، فالملك قد طبع بيدي العثماني لا بيديه ومع جمود قضية الصحراء الغربية وإقتصار الدعم الأمريكي للمغرب على الكلمة اليتيمة لترامب عشية التطبيع والتوتر الشديد في العلاقات مع العملاق الجزائري بسبب علاقات المغرب بالعدو الصهيوني لا يبدو من المستحيل أن يتنكر الملك لإتفاق التطبيع الذي لم يجلب إلا مزيدا من الأزمات الخارجية وصبا للزيت على نار الفتنة مع الجزائر، أما وعود الأمريكان بالصحراء الغربية فغير قادرة على حل أزمة ضاربة في القدم ولا نعتقد أن بايدن المشغول بلعق جراحه في أفغانستان يفكر بأحقية المغرب في الصحراء.
أمام الحكومة القادمة في المغرب خياران: إما الإستماع للشارع المغربي في القضايا الداخلية والخارجية والتنكر لصفقة التطبيع وإما السير قدما نحو الإندثار، فأرض عبدالكريم الخطابي تأبى أن تكون قاعدة صهيونية في المغرب العربي تهدد المجتمع وتهدد دول الجوار وتكون طعنة أخرى في ظهر فلسطين، إن حصيلة الحزب وحصيلة المملكة من المعاهدة المغربية-الصهيوأمريكية ليس سوى المزيد من الأزمات والخيبات، وإن براقش إذ جنت على نفسها فقد جنت على الآخرين أيضا.

Exit mobile version