اليمن الحر الأخباري

الأسطورة الخالدة

نادية حرحش*
نمنا ولقد اعترتنا غصة ليلة أمس بخبر القاء القبض على الاسيرين المحررين محمود العارضة ويعقوب القادري. اجتاحت الناس مشاعر عارمة بالوجع الحقيقي وتسارع الشعور باليأس والإحباط، سرعان ما تحول الى حالة غضب واستياء من خبر مرافق لخبر القاء القبض، وهو الوشاية بهم من خلال الاعلام الإسرائيلي الذي أعلن ان القبض عليهم قد تم بعد ان وشت بهم عائلة من الناصرة عندما شكت بهما بعد ان طلبا من العائلة الطعام.
يمكن ان تكون الرواية الإسرائيلية صحيحة، وممكن جدا الا تكون. فمنذ تحرر الاسرى الستة تلقت جهات الاستخبارات الإسرائيلية المئات من الاتصالات للتشويش عليهم. فاذا ما كانت هناك عائلة قد وشت بالفعل، فهناك المئات الذين حاولوا بطرقهم البسيطة والبديهية تشويش عملية التفتيش الإسرائيلية.
هناك ما ارادته إسرائيل بالفعل، كسر المعنويات وتحطيمها بعدما تكسر كبرياؤها وتحطّم أمام قدرة ستة أسرى بظروف مستحيلة على الهروب من حصن الجبروت الإسرائيلي المنيع المتمثل بأحد سجونهم.
ولكن مهما أرادوا ان يكسروا من انتصار هؤلاء الابطال، فلقد كانت صورهم أكثر بلاغة، فاجتاحت وسائل التواصل صورا لكل من يعقوب القادري ومحمود العارضة والابتسامة تملأ وجهيهما. لباسهما النظيف والمهندم، حلاقة ذقنيهما، وانتعاش شكلهما، انتصار لا يأخذه ولا يمحوه أي تصوير اخر. هؤلاء تنفسوا الحرية، انتزعوها من قعر ظلمات الزنازين بالفعل.
صحونا على مشهد دخل القلب بجرح سكين، بصور مؤلمة لا ابتسامة فيها. صور تجسد فعل الاحتلال الاعتيادي، صور تمثلت بالقبض على زكريا الزبيدي ومحمد العارضة في احد الكهوف، معصوبي الاعين، ووجه الزبيدي منتفخا من الضرب. ولكن نظرات الانتصار لا يشوهها انتفاخ وجه من ضرب محتل حاقد.
نعم، تمنينا لو طال وقت الحرية لهؤلاء الابطال.
نعم، تخيلنا وتركنا لأفكارنا الشطح في أماكن كثيرة.
نعم رسمنا سيناريوهات تحررهم وضحكنا وضحكات انتصارهم امام فجر نهار انبثق من اجلهم.
ولكنا كنا متأكدين مثلهم ان هذا التمني والتخيل والتخطيط لن يطول.
فمنذ تحريرهم لأنفسهم من ذلك النفق وإسرائيل بلا ادنى شك رفعت اعلى درجات التأهب. ما من شك انه وبينما كنا نحلل ونرسم السيناريوهات والتوقعات ونسرح بأفكارنا واحلامنا وانطلقنا نحو حريتنا لدقائق وساعات وايام معهم، كانت إسرائيل تنبش الأرض وتخترق الاثير وتجول السماء في عمليات بحث غير مسبوقة عنهم في كل خرم ابرة. لم تبق كاميرا بشارع ولا مكالمة لم يتم متابعتها ورصدها وتفريغها.
كانت احتمالات ان يتم امساكهم هي الاحتمالات الوحيدة. تأخر إسرائيل بالإمساك بهم يزيد اسطورتهم التي حفروها بأناملهم وشكلوها لتبقى خالدة في عقولنا وقلوبنا وللتاريخ. تمكن هؤلاء البواسل من الاختفاء على مدار خمسة ايام وسط الية عسكرية وامنية تعتبر الأفضل بالعالم يؤكد مرة أخرى ان اسطورة الاحتلال الذي لا يقهر هي التي هدمت واستبدلت باسطورة الخلود لمن لا يرضى من العيش الا بحرية.
ابطال الحرية الستة يعرفون بالتأكيد ان مصيرهم كان اما الحرية او الحرية، حتى ولو كانت هذه الحرية الموت او القاء القبض عليهم وارجاعهم لقسوة اشد في زنازين الظلم والجبروت.
ربما كانوا يعرفون جيدا كذلك، ان لا مكان امن لهم خارج المعتقل، فالمنظومة الأمنية ترتكز على ترعيب الناس وترهيبهم من جهة، وعلى التنسيق الأمني الذي تقدسه السلطة الفلسطينية من جهة أخرى.
سيسجل التاريخ ابطالا كسروا قيودهم وحرروا انفسهم بشق نفق وخاضوا خلاصهم بعد مخاض عسير من اجل بقاء اصعب. ولكنه بقاء اصلح وابقى، وبالتأكيد خالد.
لقد سجل التاريخ للتو ان الحرية ينتزعها طالبها. ان الحرية استحقاق يشقه صاحبها من ظلمات الأرض ويبث منها حياة تشرق الدنيا بها حياة مستحقة.
هؤلاء الابطال سجلوا لنا انهم هم الاحرار ونحن المكبلون بخوفنا وضعفنا وهوننا.
هم الأقوياء ونحن الجبناء الضعفاء.
هؤلاء هم من يخلدون اسم فلسطين.
فلسطين المقاومة من اجل الحرية.
فلسطين يعقوب القادري ومحمود العارضة وزكريا الزبيدي ومحمد العارضة.
فلسطين مناضل انفيعات وايهم كمكجي
هؤلاء دكوا الأرض وأنعشوا قلوبا زهقت لم تدق خزان غسان كنفاني.
هؤلاء صنعوا لنا الخلود.
ف”يا دامي العينين والكفين
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل”
*كاتبة فلسطينية

Exit mobile version