اليمن الحر الأخباري

الأسرى بين التعظيم والتنكيل

نادية عصام حرحش*
بينما لا تزال عاصفة الهجوم على فيلم اميرة الذي اغضب الشارع الفلسطيني واخرجه عن بكرة ابيه بين بيانات شجب ومطالبات بمنع دفاعا عن الاسرى ونطفهم المهربة، بفيلم اقر صناعه انه خيالي واساؤوا التقدير فيه واعتذروا وسحبوا عرض فيلمهم من مهرجان البحر الأحمر الأخير استجابة واعتذارا لسوء التقدير لحساسية الامر. نرى يوميا (وهذه ليست مبالغة) اجتياحات (فلسطينية) لبيوت أسرى محررين واعتقالهم.
بالأمس نشر أحد الاسرى المحررين بمدينة دورا فيديو لمحاولة اعتقاله من قبل قوات الامن الفلسطينية المختلفة من منزله مساء. قبلها بساعات كان اسير اخر قد تم اعتقاله من بيته بالخليل. قبل أيام قليله تم الهجوم على خيمة استقبال لأسير محرر بمدينة نابلس.
الفيديو للأسير المحرر من دورا وسط استغاثة زوجته ربما، وبكاء اطفاله، وغضبه واستيائه واستعداده للنزول وقتله كان يدمي القلوب بكل معنى الكلمة. لا يحتاج الموضوع هنا للتمحيص والتساؤل، لماذا تفعل السلطة هذا. او من هم هؤلاء الاسرى الذين تعيد السلطة الفلسطينية اعتقالهم بعد ان أطلق سراحهم الاحتلال.
مؤسف ان الاحتلال الإسرائيلي يوحد قضية الاسرى في ذهننا، ولكن الانفصال والاقتتال الداخلي سرعان ما يفرقنا من جديد.
لن أتكلم كذلك عن السلطة، وعن امنها الذي يعمل على ما يبدو فقط بالتنسيق من اجل إسرائيل. لأنه لا يمكن فهم ما يحصل الا بهذا. سنصل الى مرحلة لن تحتاج إسرائيل كذلك السجون، فالسلطة تقوم بالواجب.
خطرت لي هذه العبارة للتو، واعترف انني ذعرت، فقد يحصل هذا كذلك. بالنهاية، السلطة ازاحت عن إسرائيل عبء الاحتلال هندما صرنا “دولة” ترفض إسرائيل حتى الاعتراف بها. وإسرائيل لم تعد تحتاج كذلك على مدار قوة التنسيق الأمني على التدخل كثيرا بقواتها وجنودها، فالسلطة تقدم لها من تريد بلا عناء. ربما تعزي إسرائيل قريبا سبب اخفاقاتها الأمنية المتفرقة، كما حدث بالأمس بالعملية التي أدت الى إصابة مستوطن بإحدى مستوطنات الضفة، الى “راحتها” الزائدة بترك هذا الامر للتنسيق الأمني “المقدس”.
“المقدس” الفلسطيني هذا من الأسير الى الثوب الفلسطيني الى التنسيق، جعل من المقدس بعيدا عن القدسية في حياتنا. فالأماكن المقدسة تداس وما من مغيث. هبات يتحكم بها فصيل هنا او هناك، ورأي عام مبرمج على حسب الحاجة.
أقف امام نفسي مرة أخرى واتساءل، هل السلطة هي السبب الوحيد في هذا الانحطاط المجتمعي الذي يطالنا، ام نحن كشعب نقف امام نفس المسؤولية وبنفس القدر؟
لأنه لا يمكن اقناعي ان من اقام القيامة على شرف الامة والاسير ونطفته المهربة وخوفه على أطفال الاسرى وعوائلهم من اجل فيلم، لا يهتز امام اسير قضى سنوات حياته في سجون الاحتلال ليحض عائلته من جديد، نرى ونسمع بأم اعيننا ما يجري له من قبل قوات امننا ونسكت.
قد يقول قائل انني يجب الا اخلط الأمور، وبالعادة قد نحتاج الى عدم الخلط. ولكن هنا، لا يفرقنا حتى يوم بين الحدثين المتعلقين بقضية الاسرى، فكيف لا نهب لما تراه اعيننا ويمكننا عمله بالفعل.
أحيانا اشعر وكأن الاحتلال صار استكانة لنا. شماعة حقيقية لخذلاننا حتى من أنفسنا.
لا مهم عندنا الا ما يقوم به الاحتلال الساكن فينا وننتفض لما يؤرق هذه السكينة، فننتفض فيسبوكيا وتيكتوكيا وانستغراميا على صحن حمص وثوب ومصطلح تم استخدامه بطريقة تفيدهم أكثر او اقل. ننتفض بنفس الطريقة حسب الحاجة على بيت تم هدمه، ننشر صورة مواطن تم ضربه من قبل مستوطن، نندد، نرفض، نطالب على الفيسبوك بقدر ما يسمح لنا الفيسبوك بالنشر.
الغضب الذي نكنه، كما الحب والامتنان لدينا مرهون بولائنا الفصائلي والايديولوجي. فنهب لمن هو مثلنا فصائليا او أيديولوجيا. ونسكت بصمت مخزي يعرينا من كل شيء حتى فلسطينيتنا عندما يتعلق الامر بمن هو “منهم”. “منهم” أولئك ليسوا إسرائيل.
ولاءاتنا وردود فعلنا تبدأ إذا ما كان الامر متعلق بفتح او حماس، ومن ثم إذا ما كان الانسان على اليسار او اليمن من الادلجة.
كما قضية الاسرى التي تحولت مثل قضية الأقصى مقدسة نهب من اجلها. نتعامل معها كفرض صلاة نقوم به بلا شعور حقيقي بمعنى الصلاة الا من فرضها.
اتوقف أخيرا، عند ما يلامس يومنا، لما هو غير مقدس، الانسان في حياته اليومية. لقصة طفل جاء بصحبة والده من غزة للعلاج بالضفة او القدس، فيتركه والده على حاجز قلنديا مع المتطوعين لنقل الطفل للعلاج. كما في المشاهد التي ترددت على انظارنا لقصص الهروب واللجوء الى البحر لعبور أوروبا من تركيا او اليونان، بدا مشهد الوالد الذي ترك طفله على “المعبر” وهرب من اجل العمل في “الداخل”. عندما تصل صعوبة الحياة ليترك الرجل ابنه من اجل الهروب للقمة العيش، فهذا يؤكد ان السلطة التي تخيم علينا ليست الا سلطة تسلطت على حياتنا وتجردنا يوميا من كل ما كان يجعلنا نفتخر بكوننا فلسطينيين. وصلنا الى مرحلة بدأنا نفقد فيها حتى ما يجعلنا انسانيين.
في المقابل، كان مشهد الطفل ذاته بصحبة الجندي الإسرائيلي على معبر ايريز عائدا الى حضن امه المستغيثة بإرجاع ابنها اليها، مشهدا يجعل الاحتلال ببغضه أكثر إنسانية.
*كاتبة فلسطينية

Exit mobile version