د/ عبدالله الأشعل*
تطور مفهوم أمن الخليج عدة مرات وعكس صفحات من الصراع فى المنطقة فقد أطلق المصطلح لأول مرة فى الخطة الأمريكية التى أعلنها كيسنجر عام 1968 لكى تحل واشنطن محل بريطانيا التى أعلنت فى يناير من ذلك العام خطة الانسحاب العسكرى خلال ثلاث سنوات فكانت الخطوة الأولى لإبراز هذا المعنى اتحاد دبى وأبو ظبى فى فبراير من ذلك العام تمهيدا لإنشاء كيان عربى يحقق مفهوم أمن الخليج من الزاوية العربية ولكن هذا الكيان لم ينشأ وكان هذا الموضوع موضوع رسالتى للماجستير التى قدمتها عام 1972 فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة .
اتضح أن أمن الخليج يعنى أمن المصالح الأمريكية فى الخليج ضد التسلل الشيوعى ومعنى ذلك أن الخليج صار حلقة فى صراع الحرب الباردة وظل هذا المفهوم ساريا لم يهدده إلا الرئيس صدام حسين حين كان يطمع فى أن يحل العراق محل مصر فى العروبة ويحل محل بريطانيا فى الخليج ولكنه اصطدم بالترتيب الأمريكى الذى أوكل إلى الشاه مهمة شرطى الخليج وكانت السعودية تتعاون مع الشاه تحت الاشراف الأمريكى على تحقيق أمن الخليج وتطبيقا لذلك تعاونت السعودية مع سلطنة عمان يدعمها بريطانيا والشاه فى قمع التمرد الشيوعى فى منطقة ظفار فى سلطنة عمان 1976 وكان العالم العربى منقسما بين القطبين في الحرب الباردة فكانت إسرائيل وحلفاء واشنطن جميعا فى جانب يقابله معسكر آخر موال لموسكو فى الجانب الآخر.
ولكن الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 قلبت المعادلة فاصطدمت مع واشنطن وإسرائيل وحلفاء واشنطن الذين أنضمت إليهم مصر فى كامب دايفيد فصار الوضع واضحا وتغير مفهوم أمن الخليج وفقاً للقوى المتصارعة فيه فكانت واشنطن تعتبر أمن الخليج هو ما يحقق مصالحها مع حلفائها الخليجيين وتعتبر إيران الثورة أكبر مهدد لهذا الأمن خاصة وأن إيران دخلت إلى قلب الصراع العربى الإسرائيلى وتحدت التراجع العربى عن القضية الفلسطينية ودعمت المقاومة ضد إسرائيل وانطلقت فى مشروعها رغم محاولات عزلها وخنقها .
كان أمن الخليج من الزاوية العربية يعنى تأمين مصالح الغرب فى الخليج ضد إيران بعد أن بسطت واشنطن هيمنتها على مصر وغيرها ثم وقعت في الخليج أحداث عاصفة وزلازل هائلة نتيجة الصراع بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل فقام العراق بغزو إيران بتشجيع أمريكى عربى خليجى فصار الخليج مسرحا لتداعيات هذه الحرب خصوصا ناقلات النفط ثم غزا العراق الكويت فتحولت إيران وجميع الدول العربية إلى مناهضة الغزو كل لأسبابه ولكن واشنطن كانت تتبنى سياسة واضحة وهى احتواء إيران والعراق ثم دفعهما إلى الصدام حتى ينهى كل منهما الآخر. فى هذه الأثناء نشأ مجلس التعاون الخليجى عام 1981 وله ثلاثة أهداف الهدف الأول منع التسلل الشيوعى إلى الخليج والهدف الثانى هو انشاء كيان خليجى موحد يكون قاطرة للتنمية فى المنطقة والهدف الثالث هو التصدى لإيران والعراق معاً ولذلك دقق المؤسسون فى مجلس التعاون الخليجى فى تسميته فسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربية فكان واضحا أن واشنطن تستخدم هذا المجلس فى مناهضة الثورة الإيرانية لأنه لم تكن هناك مشاكل مباشرة بين إيران ودول الخليج وفى مرحلة متقدمة طغى الصراع الإيرانى الخليجى على الصراع العربى الإسرائيلى ثم حل محله فأصبحت إيران هى المهدد لأمن الخليج والأمن القومى العربى وليس إسرائيل، بالعكس قدمت إسرائيل نفسها على أنها حامية لأمن الخليج ودوله ولذلك حفلت المعاهدات الابراهمية الخليجية الإسرائيلية بنبرة التحالف ضد إيران وليس السلام مع إسرائيل.
يعقد فى المنامة سنويا منتدي أمن الخليج والمتغيرات أبرز الحضور فيه هى الولايات المتحدة التى تملى معنى أمن الخليج وفى هذا العام طرحت إيران مفهوما جديدا لأمن الخليج يقتصر على دوله فقط وطالبت واشنطن بالرحيل عن الخليج فلما كانت إيران أقوى من دول الخليج مجتمعة فأن هذا الطرح دفع دول الخليج إلى مزيد من التحالف مع واشنطن وهكذا أصبح أمن الخليج منقسما بين المفهوم الإيرانى والمفهوم الأمريكى الذى يتخفى وراء الرداء العربى ولذلك فأن الحوار المبدئى بين السعودية وبين إيران يتقدم ببطء ويرتبط بتقدم محادثات فيينا فى الملف النووى الإيرانى ووجود القوات الأمريكية فى الخليج والاسطول الخامس فى البحرين والوجود العسكرى الأمريكى فى العراق وفى سوريا جعل البلدين ساحة للصراع بين إيران وواشنطن وإسرائيل.
لذلك لايمكن أن نتوقع بلورة مفهوم عربى خالص لأمن الخليج وإنما يتوزع هذا الأمن بين القوى المتصارعة وهى أساسا إيران والولايات المتحدة.
وقد كان أمن الخليج فى الستينات من القرن الماضي فى نظر مصر منضويا في الأمن القومى العربى على أساس أن الأمة العربية تضم أيضا الخليج وأن الأمة العربية كلها ضد إسرائيل وحليفها شاه إيران لذلك كان الرئيس جمال عبدالناصر يدعم مراحل الثورة الإيرانية والمعارضين للشاه وكان سبب التأييد والدعم هو أن الشاه كان حليفاً لإسرائيل وحارب مع إسرائيل وبريطانيا والسعودية والأردن الجيش المصرى فى اليمن فى بداية الستينات.
الواقع أن تراجع الدور العربى لمصر بسبب كامب دايفيد أهدر الأمن القومى العربى وأمن الخليج العربى ولذلك إذا أريد للخليج أن يكون له أمن عربى فلابد أن تقوم مصر بدورها ولكن لكل وضع حسابات.
وأخيراً عندما يذكر أمن الخليج يقفز إلى الذهن أمن المصالح العربية ولكن للأسف صار هذا المصطلح يخفي المفهوم المتناقض بين إيران والولايات المتحدة بدليل أن إسرائيل يتوقع أن تساند بسهولة المفهوم الحالى لأمن الخليج مادام ضد إيران ولا علاقة له بالأمن العربى.
والحق أن الموضوع يحتاج إلى تحليل أوفى وقد قمنا بذلك طوال العقود الماضية منذ ستينات القرن الماضى حتى الآن فأصدرنا فى هذا السياق عدة كتب ومقالات واشتركنا فى عشرات المؤتمرات كان أخرها عن أمن الخليج والمتغيرات العالمية فى جامعة كمبردج عام 2016 ولكن هذا المفهوم يحتاج إلى متابعة لأنه يعكس الصراع فى الخليج وحول الخليج ومن أجل السيطرة على الخليج .
*كاتب ودبلوماسي مصري