عبد الرحمن الأهنومي*
لم يكن عرض «وعد الآخرة» العسكري إنجازاً واحداً، فهو في حقيقته ومضمونه ومظهره ورسائله إنجازات متعددة في جانب منه، وفي جانب آخر، هو حصاد لإنجازات متراكمة بعد 8 سنوات على بدء العدوان على اليمن.
كان عرض «وعد الآخرة» العسكري مفاجئاً وغير مسبوق من ناحية حجمه الكبير، فقد بلغ عدد العسكريين المشاركين فيه أكثر من 25 ألفاً، بمشاركة وحدات من المنطقة الخامسة، ومن ألوية النصر، ومن القوات البحرية والجوية والدفاع الساحلي والدفاع الجوي.
من ناحية أخرى، كشف العرض عن أسلحة متنوعة، وعن سلاح بحري استراتيجي متطور. والأهم في ذلك أن هذه الأسلحة باتت اليوم منظومات وأجيالاً متطورة صُنعت يمنياً بخبرات وكفاءات يمنية، وطُورت يمنياً كذلك بناءً على أداء عملي في الميدان الحربي أثبت بالتجارب العملانية فعاليته ودقّته وقدرته المتطورة.
لم يكن عرض «وعد الآخرة» العسكري إنجازاً واحداً، فهو في حقيقته ومضمونه ومظهره ورسائله إنجازات متعددة في جانب منه. وفي جانب آخر، هو حصاد لإنجازات متراكمة بعد 8 سنوات على بدء العدوان الذي تحالفت فيه 20 دولة، على رأسها أمريكا، والذي استهدف اليمن عموماً، وركّز على تدمير قدراته العسكرية على وجه الخصوص.
من المفيد أولاً أن يجري قادة تحالف العدوان على اليمن نوعاً من التحليل والتقييم لنتائج الحرب العدوانية والتحالفية ومآلاتها، والتي أرادوا من خلالها استباحة اليمن واحتلاله بالحرب النارية الغاشمة التي استخدموا فيها الأسلحة الفتاكة والمدمّرة والمحرّمة، وبكثافة نارية غير مسبوقة، وبالحصار المميت والتجويع والخنق، وحرب الضغوط الاقتصادية والمعيشية، وكذلك إجراء تقييم للتحولات التي جرت وما تمخَّض عن حربهم الإجرامية.
أما في عملية التقييم الذاتية، ومن دون الغوص في مجريات ما حدث خلال 7 أعوام ونيف من حرب عاصفة وشرسة شنت على اليمن، وعرض ما كان عليه واقع اليمن بداية هذه الحرب العدوانية، يجب أن نتوقف عند مظهر العرض العسكري ودلالاته ومعادلاته.
إنّ الصورة التي رسمها العرض العسكري متصلة بالنتائج المباشرة للمواجهة بين الشعب اليمني في حرب الأعوام الثمانية والتحالف الذي شنَّ الحرب العدوانية واستخدم فيها إمكانياته الهائلة المالية والعسكرية والاستخبارية، وجلب لها الجيوش المؤلفة من المأجورين والمرتزقة من جنسيات عديدة، واتخذ فيها كذلك مئات الآلاف من المرتزقة والعملاء اليمنيين أدوات له.
في العرض العسكري، أعلن قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي دمج اللجان الشعبية والجيش تحت مظلة الجيش الذي بات اليوم جيشاً يمانياً قوياً فتياً يبني قواه على تطور صناعي أنجزته هيئة الصناعات الحربية، ويصوغ عقيدته على هُوية إيمانية وطنية راسخة ومتجذرة، وعلى موقف وطني وديني وهُوية يمانية اختصرها بقوله: «الإيمان يمان والحكمة يمانية». على هذا الأساس القوي والصّلب تُبنى القدرات ويتشكَّل هذا الجيش.
لنبدأ من الصورة العامة لعرض «وعد الآخرة» العسكري، والتي أظهرت جيشاً قوياً وفتياً صاعداً بقوة ذاتية وصلبة؛ جيشاً يتطوّر وتتطوّر قدراته وترسانته يوماً بعد آخر، وفي ظل ظروف حرجة كهذه التي نعيشها، وبإرادة وقدرات وخبرات وصناعات وطنية يمنية.
هذه الصورة تكشف أولاً الخطأ الإستراتيجي الذي وقع فيه قادة الحرب العدوانية على اليمن بشنّ الحرب ابتداء والاستمرار فيها والغرق انتهاءً. صورة العرض التي عكست جيشاً كبيراً ومقتدراً بحمد الله، عكست أيضاً المآثر الرئيسية للإنجازات والانتصارات الدفاعية التي حسمت مصير الحرب التحالفية ومصائر أدواتها وقادتها ومستقبلها بعد 8 أعوام.
وثانياً، انطلاقاً من طبيعة استراتيجية تمثلت بتعطيل جوهر الأجندات العدوانية التي هدفت إلى إسقاط الدولة اليمنية الهشة وتدمير القدرات العسكرية المتواضعة للجيش، لتهيئة البيئة المواتية لاحتلال اليمن واستباحته، فإن الإنجاز الذي تحقق هو أن الدولة التي كانت هشة عززت قوتها انطلاقاً من ضرورات عملية، ومن قاعدة ثورية وإيمانية صلبة، وأنَّ الجيش الذي كان يملك قدرات متواضعة صار اليوم بقدرات تفوق ما يملكه كثير من دول المنطقة، ويتميز بأنه يصنع الصواريخ والطائرات والأسلحة والعتاد والمنظومات الدفاعية والأسلحة البحرية الدفاعية والهجومية التي أثبتت الحرب نجاحها وتفوقها بقدراته وخبراته اليمنية.
وإذا كانت الضربة القاصمة لمشروع تحالف العدوان تمثلت بصمود الشعب اليمني من خلال ألويةٍ من الجيش واللجان الشعبية التي صارت اليوم جيش الشعب اليمني وجيش الدولة اليمنية، فإن الضربة التالية تتمثل بأنَّ هذا الجيش يتفوق يوماً بعد آخر، وبما يشكل مخاطر حقيقية وملموسة على أعداء اليمن.
لقد خطا اليمن خطوات كبيرة تحت الحرب والحصار، وتمكن من تنظيم القوات المقاتلة وأعدادها بما يناسب مواجهة حروب تحالفية كبرى. هذه الحرب أكسبت الجيش مناعة دفاعية عالية المستوى تمكنه من حماية قرار اليمن السيادي والمستقل.
ومن مكان العرض في ساحل البحر الأحمر جنوبي مدينة الحديدة، التي كانت إلى وقت قريب تحت سيطرة جحافل العدوان وقطعانه من المرتزقة والمأجورين والحشود التكفيرية التي حاولت غزوها واحتلالها في معارك الساحل الغربي التي حشد لها تحالف العدوان قوات ضاربة بحرية وبرية وجوية، وزحف إليها بعشرات الآلاف من المأجورين، في معارك عنيفة دارت رحاها على طول خط الساحل الغربي خلال عامين ونصف عام، جاء عرض «وعد الآخرة» العسكري ليكرس فشل معركة العدوان في إسقاط الحديدة وسواحلها وعزل اليمن عن نقاط اتصاله، وليكرّس معادلة حربية جديدة تهدد العدو في عمق البحر الأحمر وفي أقاصيه، وليفرض سيادة يمنية على كل مياه اليمن التي «يتبلطج» فيها ببوارجه وسفنه الحربية.
ومن الطبيعة الميدانية التي تجلَّت في الانتصارات التي حققها هذا الجيش على حلف العدوان طيلة سنوات الحرب، فإن عرض «وعد الآخرة» يؤكد سيطرة اليمن على سواحله الغربية، والسهل التهامي الذي كان الحلف يعتقد أنه خاصرة رخوة لغزوات الطامعين في اليمن صار اليوم مركز ثقل عسكري واستراتيجي للدولة اليمنية، يحقق اليقين بفرض السيادة الوطنية على المياه والجزر والممرات التي يملكها اليمن شرقاً وغرباً، إضافةً إلى كون الساحل ثقلاً اقتصادياً، لما يمثله من منفذ اتصال بالخارج. وقد صار اليوم محور وصل بحري محمي وآمن.
أما على صعيد المعادلات البحرية، فنستطيع الجزم اليوم أنّ فكرة الاحتلال المسلّح للسواحل الغربية سقطت من حسابات دول تحالف العدوان بشكل نهائي وقطعي، وصار جوهر المعادلة الحربية هو احتمال التعرض لهجوم من اليمن في عقر داره، ولو كان في أبعد نقطة بحرية في مياه البحر الأحمر.
وعلى صعيد الحصار البحري الذي يقوم به تحالف العدوان عبر البحرية الأميركية والسعودية، من خلال شبكة من سفن الحصار التي تنصب نقاط تفتيش وحصار على الموانئ اليمنية في البحر الأحمر، فإن «وعد الآخرة» سيغير الكثير في المشهد. وما يقوله العرض العسكري هو أنَّ طريقة انتهاء الحصار غير المبرر على اليمن باتت اليوم رهن قرار تحالف العدوان نفسه، إن هو ذهب لاتخاذه اختياراً وبلا خسارة، وإلا فسيضطر إلى رفعه بالقوة وبخسارة الكثير.
لقد جرى في العرض العسكري الكبير كشف الستار عن بعض ما امتلكه هذا الجيش من أسلحة بحرية إستراتيجية، ومنها الصواريخ البالستية والبحرية من طراز “فالق 1″ و”مندب 1″ و”مندب 2″ و”روبينج 21″ و”روبينج 22”. وعلاوة على أن «فالق» ومنظومات «مندب» هي صناعات محلية يمنية متطورة، فإن الكشف عن «روبينج» الروسية بنوعيها هو إنجاز مضاف طرح تساؤلات عدة عما يمتلكه الجيش اليمني من هذه الصواريخ وعن كيفية حصوله عليها.
وعلى هذا الصّعيد طبعاً، خطا اليمن خطوات واسعة في مجالات التصنيع الحربي والتسلح والتسليح. ورغم كل إجراءات الحصار التي مارسها تحالف العدوان على اليمن، فقد تمكن هذا الجيش من تصنيع القوة والسلاح ومنظوماته المتطورة حتى بلغ شأناً يمكّن ناره الهجومية من الوصول إلى أبعد النقاط، من خلال إضرام النار في منشآت النفط والمراكز الصناعية في ما بعد بعد الرياض، والوصول إلى أي نقاط يريد الوصول إليها، ويمكّنه من التفوق على مستوى المنطقة، وفي الدفاع كذلك.
وعلاوةً على الأسلحة البحرية التي كشف عنها العرض، كالألغام البحرية العائمة، والأخرى المثبتة التي صنعتها هيئة التصنيع العسكري اليمنية خلال سنوات الحرب الثماني، فإنَّ ما لم يظهر في العرض من أسلحة بحرية هو الأهم مما عرضه «وعد الآخرة»، فقد راكمت الصناعات الحربية اليمنية قدرات عسكرية متطورة جداً، وبمخزونات استراتيجية كبيرة تمكّن اليمن من خوض معركة بحرية كبيرة.
وفي العرض العسكري، أعلن الرئيس المشاط عن أسلحة تم اختبارها في الآونة الأخيرة، قادرة على الوصول إلى أقصى نقطة في البحر الأحمر، ومن أبعد نقطة في اليمن، وهو إعلان يتضمَّن تحذيراً واضحاً للكيان الصهيوني الذي يشترك مع تحالف العدوان على اليمن في التخطيط وفي تنفيذ بعض العمليات، ويقوم بعسكرة البحر الأحمر بتسهيل أميركي وتواطؤ سعودي إماراتي أيضاً، وهو تحذير يضع حداً لأيّ مغامرات صهيونية ضد اليمن.
أما في المضمون، فقد اختارت القيادة اسم «وعد الآخرة» للعرض العسكري لتدلّ على بوصلة هذا الجيش المتعاظم في قدراته وصناعاته وعقيدته القتالية؛ ففلسطين هي قضية راسخة ومتجذّرة في عقيدة هذا الجيش الإيمانية والجهادية والوطنية.
وجمعاً لجزئيات الصّورة المتشكلة آنفاً من عرض «وعد الآخرة»، نستطيع القول إنَّ اليمن – الدولة والجيش والشعب والقيادة – رسم لمسيرته خطاً تصاعدياً يمضي فيه بيقين وثبات، ويراكم الإنجازات، ويبني عليها لتحقيق إنجازات أوسع وأكبر، ويراكم القوة من أرضية صلبة ومن مصادر ذاتية، ويرتقي مطمئناً إلى أنَّه سيصبح رقماً صعباً في معادلة إقليمية تصنع فارقاً في نظام عالمي جديد يتشكّل.
وأخيراً، لا يمكن قراءة العرض العسكري كإنجاز واحد، بل كإنجازات وحصاد لإنجازات متراكمة تفاعلت أركانها في مشهد مهيب، مضمونه معادلات يمنية كبرى، والنصر من الله، وهو القوي العزيز.
*رئيس تحرير صحيفة الثورة