د. جواد الهنداوي*
خدعونا وظلموك أيها التاريخ ، أولئك الذين كتبوا حكاياتك وقصصك في حروبهم العالمية و ما بينها ، و تفنّنوا وضللّوا في وصف الجرائم و أسبابها و مرتكبيها و توظيفها لخدمة مصالحهم ، أولئك الذين وضعوا حقوق الانسان و صاغوا ميثاق الامم المتحدة و المواثيق الدولية و قواعد الحروب و مفاهيم جرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب و الابادة ، و وظفوها لخدمة مصالحهم .
عُذراً ايها التاريخ، لقد سّودوا صفحاتك و حرّفوا مشاهدك ، وجعلوا أولئكَ الذين في صُلبهم الخبُث و السوء والقتل و الغدر ضحايا مُقّدسين . دُروسكَ في أهوال الحروب و النزاعات تقادمتْ و لم تعُدْ صالحة للاستخدام ، حاضُرنا يُرينا اكثر هولاً وأبشعُ مما كتبتهُ لنا .
هل تُريدُ أنْ نُكذّبُ حاضرنا وما تراه أعيُننا ونصدّقُ ما وردَ في صفحاتك؟ أَولمْ تعلم ايها التاريخ أنَّ من كتبكَ وصاغ سردياتكَ في الجريمة و القتل، و نسبوا الجرائم لغيرهم هُمْ الآن يُعيدوها وبصورة “حضاريّة” ، ولكن ليس في اوربا، وانما في مساحة جغرافية صغيرة الحجم ومُحاصرة، وأسمهّا ” غزّة ” .
المحارق التي وردت في صفحاتك ايها التاريخ كانت في غُرف لمْ نرها، وغير مسموح لأحد أن يتناولها مُحلّلاً او مُدققاً ، ومحارق اليوم في الهواء الطلق، في الشوارع والمستشفيات والبيوت والاماكن المقدسة دينياً وأُمميّاً، نراها ونعيشها ، وهي مِنْ صُنع مَنْ دوّنك يا تاريخ !
يا تاريخ ” بيتكَ بيتُ الكذب و مناخُكَ مناخ الضلال “، كما وصفك الشاعر العراقي المرحوم معروف الرصافي (1875-1945) ، في قصيدته ” ضلال التاريخ ” ، والتي يقول فيها ” وما كُتُب التاريخ في كُلِّ ما روتْ الاّ حديثٌ مُلّفقِ … نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف بأمرِ الغابرين نُصّدقُ ” .
عُذراً يا تاريخ، لن تحتاجكَ الانسانية بعد اليوم، غزّة تعلن وفاتك ، مشاهدُ اشلاء اطفالها ، والصور القادمة عبر غبار ركامها أوضحُ وأصدقُ بكثير مما كتبّه رُعاة البقر وآل صهيون في طيّات صفحاتك .غزّة المظلومين الصامدين كتبتْ نهاية عصر التاريخ المكتوب بريشة المُنتصر ، وأعلنت ولادة التاريخ الموّثق بالصورة و بالصوت والمدّون من الناس وليس من المُنتصر .
حتى مبادئ حقوق الانسان والعدالة وقواعد الحروب، والتي نقلتها الينا و دعوتنا للإيمان بقدسيتها أضحتْ خُرافة، صدّقها الطيبون او الساذجون و دحضتها اليوم غزّة.
استخدمك بني صهيون، يا تاريخ ،كي يسودوا على العالم ، بقصصهم التّوراتيّة الملفقّة ، بأكاذيبهم بأموالهم . بسطوا نفوذهم على امريكا و على اوربا ، وقد رأينا هولاء ،كيف تراكضوا و تدافعوا حين شعروا بأن نواة بني صهيون ( اسرائيل ) في خطر ،حين طلعوا مقاتلي حماس ،طلوع المنون لينقضوا على اسرائيل .
أصدقُ ما نقلتهُ لنا ايها التاريخ هو أنَّ ميثاق الامم المتحدة ، وُلِدَ في بيت ” سالي ستنفورد ” ،أشهر بيت دعارة في سان فرانسيسكو ،عام ١٩٤٥ ، ولذلك تلّوثَ هذا الميثاق برجس الموبقات ، وساهمَ بنشر السيئات ، واصبح عوناً للظالم على المظلوم ، وناصراً للباطل و محارباً للحق .
تدعونا غزّة اليوم الى اعادة قراءة التاريخ ليعتبرْ العرب ،و يصوبوا طرائقهم ،قبل فوات الاوان، فمن جُبِلَ على الشّر و الجريمة كآل صهيون ،لا يؤتمن جواره ، ولا يوثق بعهدهِ و حواره .
*كاتب ودبلوماسي عراقي