علي محسن حميد*
تقبل امريكا، الدلةالأعظم سلطة ومؤسسات أن تضع نفسها موضع احتقار كتابعة وخاضعة لدولة صغيرة هي إسرائيل ولايهمها سخرية العالم منها ومايقال عنها بأن سياساتها نحو فلسطين يقررها اللوبي الصهيوني وليس مايسمى ب “الإدارة الامريكية” التي تعاقب وتستأسد على كل الدول بما فيها روسيا الاتحادية والصين الشعبية و حتى حلفائها الاوربيين ولكنها تتقزم وتحبو بسعادة مفرطة أمام أقدام إسرائيل.
قاومت امريكا مساعي نخبة ” المجتمع الدولي” الأعضاء في مجلس الأمن باستخدامها المتكرر لحقها في النقض كدولة دائمة العضوية فيه لمنع إصدار قرار يطالب بوقف مستدام للنار في غزة ل”أسباب إنسانية”،كان آخرها إحباط المقترح الروسي في ٢٢ ديسمبر بإضافة عبارة”دعوة لوقف عاجل ومستدام للأعمال القتالية في غزة” . البعد الإنساني ليس له اعتبار في واشنطن عندما يكون الضحايا فلسطينيين وعلى رأسهم 16000 طفل وإمرأة استشهدوا حتى إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2720 . الأمر عند بايدن يختلف تماما في حالة غادي حجاني، الإسرائيلي الامريكي الذي تسبب مصرعه في 7 اكتوبر ب ” اعتصار
قلب الرئيس الامريكي بايدن عليه من الألم”. بايدن يواجه تحد انتخابي عام 2024 وعليه أن يترجم صهيونيته إلى لامبالاة بالفلسطينيين وسياسات وأسلحة فتاكة لإسرائيل لقتلهم وإلحاق أذىً إضافيا بالقضية الفلسطينية لم يتوقف منذ عام 1948.لقد عادالوفد الوزاري للقمة العربية الإسلامية الذي مثل 57 دولة خالي الوفاض من واشنطن رغم مصالحها الكبيرة جدا فيها وفشل في إقناعها بالموافقة على وقف النار في غزة .وظيفة مجلس الأمن الرئيسة هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين لاعتبارات إنسانية وغير إنسانية، بعبارة أخرى، إسكات كل مصادر النيران القاتلة وخاصة تلك الصادرة عن محتل ومعتد وتوسعي ولكن عندما يتصل الأمر بإسرائيل فإن امريكا تفرغ المجلس من أهدافه وتصيبه وظيفيا بالشلل ولامانع لديها أن تقف منفردة في المجلس ضد إرادة ” المجتمع الدولي” لأن مصالح إسرائيل أهم لديها من حقوق ومعاناة الفلسطينيين ومن فاعلية الأمم المتحدة.
ولطالما حذرت المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة من كارثة ومجاعة وشيكتين في غزة بسبب استمرار الحرب ولكن واشنطن لاتصغي ولاتعي. السيدة جوليت توما تحدثت في “راديو أربعة”
إحدى إذاعات البي بي سي ، قائلة “نحن الآن في نقطة حرجة حيث يعيش ربع سكان غزة في مجاعة وهذا نتيجة مباشرة للحصار وأن ماهو مطلوب الآن هو وقف إنساني للنار وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع “. في السياق ذاته تقدر الأمم المتحدة أن غزة تحصل فقط على 10% من احتياجات سكانها للغذاء، وكان انتونيو جوتيرتش أمين عام الأمم المتحدةشجاعا حين قال أن مايجدث في غزة أمر غير مسبوق ونحتاج الى وقف إنساني لإطلاق النار وأن يلتزم المجتمع الدولي بحل الدولتين.أما منظمة الصحة العالمية فقد ذكرت أن موظفيها رأوا غزاويين ينتظرون الموت، وأضافت الأونروا معززة ماسبق بأن معظم سكان غزة ينامون جوعى. القرار الذي صدر يوم الجمعة 22 ديسمبر لم ينص على وقف مستدام للنار لاستمرار معارضة امريكا للوقف ولدعمها لمجازر إسرائيل في غزة والعقاب الجماعي والتهجير القسري واستمرار مد إسرائيل بالسلاح والخبراء العسكريين والاستطلاع بالمسيرات التي تشارك فيه أيضا دولة وعد بلفور. امريكا تشارك نتنياهو إصراره على الحرب التي لن تتوقف حتى يشفي غليله من إذلاله في 7 اكتوبر ويطفئ نار حقده على المقاومة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني بتدمير كل غزة وقتل قادة مقاومتها أو استسلامهم وتقديمهم إلى المحاكمة كما صرح بذلك عدة مرات.في هذا الشأن نتذكر ان نتنياهو لم يستجب لدعوات متكررة من واشنطن يعلم انها لذر الرماد في العيون ليقلل من أعداد الضحايا المدنيين الذين تزداد أعدادهم ولم تقِل وفاقت العشرين ألف شهيد، بمعدل 267 شهيد يوميا، منذ 7 اكتوبر المجيد.
بُعد آخر للعدوان :
السيدة بولا بيتانكور مقررة الأمم المتحدة لحقوق النازحين سلطت الضوء على هدف آخر من حرب نتنياهو – بايدن بقولها بأن “إسرائيل تسعى إلى تغيير التركيبة الديمغرافية لغزة بشكل دائم وأن استمرار عملياتها العسكرية وأوامر الإخلاء هدفها ترحيل أهالي غزة”.وهذابالفعل ليس بعيدا عن استراتيجية دولة الاحتلال لإن من أهداف احتلال غزة بشكل دائم خلق جوار مستفز وعدائي مع مصر لأهداف امريكية وهذا هو وراء ماقاله نتنياهو بأنه لن يسمح بوجود “فتحستان” التي تريد القضاء على إسرائيل على مراحل ولا ببقاء “حماستان” حية لأنها تريد القضاء على إسرائيل دفعة واحدة.
الممكن الامريكي يسود:
بعد 75 يوما من قسوة المعاناة لم يتجاوز مجلس الأمن الممكن الامريكي وهو دخول مساعدات إنسانية فقط تستطيع إسرائيل إعاقتها وتحديد كمياتها وأنواعها وليس وقف مستدام للنار الذي استبدل بنص مراوغ هو “الدعوة لخلق الظروف لمثل ذلك”، وهذه الظروف ستقررها إسرائيل وفق استراتيجتها المعلنة والمضمرة في غزة وفلسطين والمنطقة بشكل عام.
امريكا المنحازة 100% للعدوان لن تغير موقفها في ضوء مع ماتعلمه من امتناع عربي عن ممارسة أي ضغط عليها لتغيير موقفها الذي لم تعبر جل الأنظمة العربية عن الاختلاف معه.بالأمس عبر وزير دفاع دولة عربية زار عاصمة وعد بلفور عن تثمينه للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وهو يعي تماما الموقف البريطاني المؤيد للعدوان على غزة بالسلاح والسياسة. إن هذا مؤشر قوي على أن من يصادق حليفا أبديا لإسرائيل لن يكون لديه مانع من مصادقة إسرائيل نفسها.من جهة ثانية لاتحسب واشنطن وعبيدها حسابا للضجيج الإعلامي العربي لأن المهم لديها هو السياسات، سياسات
الدو ل، وماكان يقال من قبل عن الخوف من رد فعل الشارع العربي ولّى إلى غير رجعة. امريكا مطمئنة أيضا إلى المواقف العربية التي لم تبد أي قلق عن “مابعد” نجاح العدوان الإسرائيلي.
. وبعد التصويت على قرار إدخال المساعدات لايستبعدأن تعرقل تنفيذه إسرائيل بشتى الوسائل في ضوء امتناع امريكا عن التصويت وبالنتيجة لن تواجَه في عام انتخابي بأي اعتراض أو لوم من امريكا.
*نقلا عن رأي اليوم