طالب الحسني*
من السنوات الاخيرة للنصف الاول من القرن العشرين الفائت نما التيار اليساري والقومي سربعا وحصد جمهورا عربيا عريضا ممتدا بين القارتين الاسيوية والافريقية وسط بيئة غير مزدحمة بالتيارات المنافسة ، لم تنتهي ستينات القرن حتى كان التيار يحكم من مصر إلى جنوب اليمن إلى سوريا والعراق وصولا إلى الجزائر وتونس وبسبب هذه الحلقة المتسعة صدعت فكرة الوحدة العربية.
يمكن القول انه كان هناك فرصة قوية لمشروع عربي متكامل يستند إلى جغرافيا حيوية واستراتيجية وشعبية طاغية ومتحمسة وثورية دون الحاجة إلى الاندماج السياسي وفي بعض الاقطار ايضا الفكري شبه التام مع الاتحاد السوفياتي بما ادى إلى الاعتماد الكلي عليه في التسليح والتمويل والتصبيغ السياسي وهذا أحد ابرز الاخطاء الاستراتيجية التي افقدت التيار استقلاليته وجعلته يبدوا تابعا وليس تيارا مستقلا ، وابعد من ذلك ان مصيره بدا مرتبطا بمصير الاتحاد السوفيتي الذي كان يخوض حربا باردة مع أمريكا والغرب.
اضف إلى ذلك التنافس الداخلي والتفكك والتباعد السياسي واحيانا الانقلابات التي حدث في تلك الاقطار وبين الرفاق أنفسهم ، ولقد كانت النكسة العربية أمام العدو الاسرائيلي في 67 أحد اخطر المحطات التي اجهضت فكرة المشروع الكبيرة.
لم يكن الدعم الغربي للبرالية التي صدرها ورعايته للملكيات والمشيخات في دول الخليج والتحالف معها وتعزيز انتشار الوهابية وحركة الاخوان المسلمين وتجييش هولاء لمواجهة ” الشيوعية ” كعنوان تم استخدامه لمواجهة اليسار العربي هو السبب الرئيس لسقوط المشروع العربي القومي واليساري قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي نهاية الثمانينات بداية التسعينات بل الاسباب الاولية السابقة بما في ذلك عدم الاستقلالية هي التي ادت إلى هزيمة التيار والتبدلات التي حصلت بعد ذلك.
هذه المقدمة والتوطئة الطويلة مهمة لما اريد ان اكتبه في هذه المادة، ذلك ان غياب المشروع العربي في الوقت الحاضر والضعف والتفكك والتبعية والخصومات والانقلابات والحروب الداخلية وصولا إلى الانزلاق نحو التطبيع مع العدو الاسرائيلي، والتخلي بل والتئآمر على القضية الفلسطينية، انتهى إلى نقطة صفرية حيث لا مشروع قائم في الحاضر ولا مؤشرات لوجوده في المستقبل.
وطالما أنه ليس هناك مشروع عربي قائم ومتكامل ، فإنه من الصعب ان هناك وجود له مستقبلا، فالوقت لا يتسع لتشكيل مشروع عربي يمكنه أن يلحق بالقوى الاقليمية والدولية التي تتموضع في خارطة المستقبل منذ اكثر من عقدين على الأقل.
المفارقة ان هذه الصفرية تتزامن مع تبدلات تحدث بسرعة وقوة عنيفة في منطقتنا وفي العالم ، من بين هذه التبدلات والمتغيرات الواضحة اقتراب انهيار وسقوط كيان العدو الاسرائيلي وهو انتهاء منعكس عن انهيار الردع الامريكي والغربي واضمحلال نفوذه في المنطقة، مقابل بروز قوى جديدة ابرزها ايران يجب أن يدرك المنكرون لهذا المسار أن النتيجة حتمية ومسألة زمن وتمخضات تشكل عالما جديدا دون وجود حتى بذور أو بدايات لمشروع عربي منافس.
ومن غير المستبعد والدقيق ان الانظمة والكيانات المعلقة بعمود النفوذ والوجود الامريكي والغربي لن تستمر طويلا لانه ستجري ازاحتها ضمن عملية التشكل الجديد للمنطقة تحت قاعدة البقاء للمنتصر والقوي ومن لديه مشروع لا يفرض وجوده فقط بل ومستقبله وسط قوى متعددة.
كدولة او كحزب وحركة سياسية، فكرية، عقدية، او حتى لا دينية، تعادي الجمهورية الاسلامية وليس فقط تختلف معها لا تستطيع أن تحول الآن أمام تقدمها كقوة اقليمية ومشروع مستقل ويتمدد ، بينما انت لا قوة ولا مشروع ولا مستقل وتنحسر اضف إلى ذلك ان الدول العربية التي لا تملك مشروعا حتى لو كانت تؤسس لفكرة مشروع وهمي وزائف وفي اقصى الاحوال ان نجح فهو ” ناعم ” ورخو” كما تفعل ” سعودية بن سلمان الرابعة ” لا تزال تنتظر سقوط النظام الايراني، بالعزلة، بالحصار، بالثورة الملونة، واحيانا بالضربة القاضية، دون أن تعيد مراجعة هذه الاستراتيجية التي هي في الواقع مجرد وهم اذ لا وجود لمنافس داخلي قوي للثورة الاسلامية مع التسليم بوجود معارضة، لكنها بحدود أقل بكثير من ان تشكل تهديد يسقط النظام ويشكل آخر هذه حقيقة تسلم بها الولايات المتحدة الامربكية والدول الاوربية المعادية لايران ، وهي عندما تسلك طريق العقوبات والعزل ومحاولة التأثير على الداخل الايراني تفعل ذلك لمنع التقدم السريع للجمهورية الاسلامية، علاوة أنها لا تملك خيارا آخر بما في ذلك استخدام القوة.
ومن المفارقات العجيبة ان من بقي من “الاخوان المسلمين” انقسموا بين من اصطف مع السعودية على الرغم من بغضها لهم كما فعل ” اخوان اليمن ” على الاقل الكتلة المركزية ، ولا يهم ان كانوا يستخدمون “التقية” وبين من اصطف مع اردوغان والعدالة والتنمية التركي، وكلا الجناحان يعاديان الجمهورية الاسلامية بخلفية طائفية مذهبية عمياء صماء خرصاء هل يمكن رؤية مستقبل هذه البقية مع مشروع السعودية ومحمد بن سلمان؟ الجواب قطعا لا وهم ادرى بذلك من غيرهم في وقت ايضا يتجه ادوغان ليصبح ذكريات وماض خلال السنوات القادمة أليس الجمهورية الاسلامية ابقى والتحالف معها كما فعلت حماس انجح؟
اتصور ان المستقبل وخصوصا في الشرق الاوسط مرسوم بشكل واضح وان كل المؤثرات ان وقعت تقربه قليلا او تبعده فقط قليلا.
*نقلا عن رأي اليوم