اسيا العتروس*
“الموت جاي” “ساضع خيمة قرب بيتي المهدم واعيش هناك”.. “دفنت اولادي الثلاثة ولازم ارجع الى بيتي او حتى ما بقي منه “..”اخشى التعرض لعملية قيصرية دون تبنيج”.. بعض من صرخات نسائية فلسطينية قادمة من غزة تشهد على محنة نساء غزة في مواجهة أفظع واقسى الاختبارات تحت الاحتلال الاسرائيلي.
والاكيد سيذكر التاريخ ان في غزة نساء من طينة لا تشبه طينة بقية نساء العالم وسيذكر التاريخ أن ما تحمله نساء غزة في ذاكرتهن اثقل من كل الماسي التي يتابع اطوارها العالم على المباشر.. لكل امرأة في غزة بدل الحكاية حكايات مع الاحتلال و فظاعاته غير المسبوقة في تاريخ الانسانية الحديث .. ومع طلوع كل يوم جديد تتجدد المعاناة و لكن وقعها غالبا ما يتجاوز ما حدث الليلة السابقة .. تصر نساء غزة على الافصاح بمعاناتهن او ما ظهر منها و لكن المعاناة الحقيقية مع الذات في اللحظات التي تحتاج فيها المرأة الفلسطينية قضاء شأن من الشؤون الخاصة بذخ و ترف لا قدرة عليه ..
زميلة صحفية غزاوية كنا نتواصل خلال الايام الاولى للحرب و قبل ان يقطع الاحتلال غزة عن العالم كانت تشتهي ان تكسب الماء على جسدها و تتمتع بحمام تنسى معه اتعاب اسابيع متتالية من الارهاق و التراب و الهوان ..نعم الاستحمام ترف لا تطاله نساء غزة و هن يؤكدن ان غطاء الرأس المخصص للصلاة لا يغادرهن حتى اذا ما فاجأ الموت احداهن خلال القصف الاسرائيلي الهمجي ماتت مستورة ..و السترة مسألة تحرص عليها نساء فلسطين ..نساء غزة من مختلف الاجيال هدف معلن للاحتلال الذي يعتبر انهم في مقدمة المخاطر التي يجب ازالتها كيف لا و هن عنوان البقاء و الاستمرار و التوالد و التكاثر و لكن ايضا عنوان التحدي و الصمود و التمسك بالارض رغم المحرقة التي لا تستثني شيئا و لا تستهدف أحدا …نساء غزة لا يعرفن الاستسلام و لا يقبلن بالهزيمة ..و عندما يستهدف الاحتلال فلذات اكبادهن فانهن يتقدمن مواكب الدفن و ينحنين لحمل ابنائهن على الاعناق و اطلاق الزغاريد و كانهن بصدد اعلان زفافهم ..و عندما استهدف القصف الاسرائيلي بيوتهن و عمد الى تشتيت شمل عائلاتهن كن يجمعن من بقي من الاحياء و يسعين الى حماية الاطفال اليتامى و تعويضهم حنان الام و حضن العائلة و جعلن من الخيمة ملاذا و بيتا جديدا ..و عندما عمد الاحتلال الى تجويع اهالي غزة و تضييق الخناق من حولهم جمعن ما توفر من اعشاب و من علف حيوانات و كل ما يمكن استعماله لصنع ما يسد الرمق.. وعندما منع عنهم الدواء جمعن ما امكن من الحشائش للحد من الالم وعندما منع الغاز ودمرت كل اسباب الحياة جمعن الخشب و اوقدن النار و طبخنا ما تيسر.
اصر الاحتلال على العودة بغزة و نساءها و اطفالها الى العصور البدائية فجعلت نساء غزة من الخيمة بيات يجمع و لا يشتت يحفظ الذاكرة و يعيد احياء الامل من بين الانقاض و من تحت الركام ..
حري بنساء العالم المجاهرة بكل الطرق المتاحة والمطالبة بانهاء محنة غزة بعد مقتل اكثر من
عشرة آلاف امرأة بينهم ستة الاف أم في قطاع بقطاع غزة بعد ستة اشهر من الابادة الجماعية و التصفية العرقية.. عشرة الاف امرأة في غزة تركن
حوالى 19 ألف طفل يتيم وفق احدث احصائيات وكالة غوث و تشغيل اللاجئين …اما الناجيات منهم حتى الان فيتعرضن للترمل و التشرد و التجويع…
نساء غزة بلا ماء ولا غذاء ولا دواء و لا خدمات صرف صحي.. نساء غزة يعشن بين اطنان م النفايات بمعنى ان من لم تمت في القصف ماتت جوعا او ماتت بسبب الامراض و الاوبئة ..
اكداس من المساعدات على المعابر تتطلع اليها الانظار و لا تطالها و لا احد من دول الجوار او غيرها ايضا ولا احد من المنظمات الدولية او الحقوقية او غيرها يملك القدرة للمجازفة بادخالها الى غزة ..لا اصوات الاطفال ولا صرخات النساء ولا استغاثة المنكوبين من مرضى ومصابين و مشردين غيرت من المشهد شيئا ..نساء غزة و كل من كتب عليه ان يعيش على وقع محرقة القرن يرفعون الاكف الى السماء و التضرع الى الله ان يكون فرجا قريبا بعد أن انسدت كل المنافذ وفقد الامل في ذوي القربى وعجزت كل القوى و انهارت كل القيم و ساد زمن معاداة الانسانية و التطبيع مع التوحش و المهانة …
*كاتبة تونسية