نواف الزرو*
وفق معطيات المشهد الإبادي الصهيوني المفتوح منذ السابع من اكتوبر/2023، فقد اخترقت هذه الحرب الصهيونية الارهابية الاجرامية الإبادية ضد اهلنا في قطاع غزة، الوعي والمدارك العالمية، وكوتها بحقيقة وطبيعة”اسرائيل” الاجرامية وبثقافتهم الإبادية المبيتة ضد الفلسطينيين، ولكن هذه هذه الإبادة لم تبدأ منذ السابع من اكتوبر، وانما لها امتدادات تاريخية عريقة، فخارطة الإبادة لديهم عابرة للأجيال والازمان الصراعي في فلسطين.
فقد بدأ الكيان الصهيوني حربا مفتوحة لا هوادة فيها على فلسسطين والشعب العربي الفلسطيني، يقترف فيها منذ بدايات الصراع وحتى اليوم، إبادة استراتيجية شاملة، يتفرع عنها/منها ثلاث إبادات كبيرة تستهدف إختطاف فلسطين من بحرها الى نهرها، فالنكبة الفلسطينية وما يجري هناك على امتداد الوطن المحتل، تقدم لنا نموذجا لثلاثة انماط من الابادة، فالبداية كانت احتلالا واستيطانا تحول الى استحلال، اي شرعنة السطو ونيل الاعتراف الدولي به، وتحويل المسلوب الى استحقاق، ثم كانت المرحلة الثانية وهي اذابة الهوية القومية من خلال الثقافة والفولكلور، لأن استيطان الأرض يتطلب استيطانا موازيا للذاكرة، وهذا ما يفسر سطو الصهاينة على مظاهر فولكلورية في فلسطين، والزعم بأن اشكال التعبير والطقوس الشعبية في مختلف المناسبات هي ذات جذور يهودية، فالطارىء غالبا ما يكون مسكونا بالريبة لهذا يسعى الى نيل الاعتراف بما اقترف، لأن مثل هذا الاعتراف في حال تحقق هو الضمانة الوحيدة للفرار من المساءلة، في بعديها السياسي والاخلاق.
ad
الى كل ذلك، يشن الاحتلال حربا من نوع خاص وخطير لشطب مظاهر الحضور العربي الفلسطيني التاريخي عبرعبرنة التضاريس الفلسطينية، وما اسماء المدن والمعالم سوى مقدمة لاقصاء اللغة العربية عن الاماكن الممهورة بها، ويسعى الاحتلال هنا الى ان تتحول الثقافة العربية الى ثقافة أقلية تنتهي الى فولكلور وطقوس موسمية، ولذلك فان ” العَبرنة والتهويد هما مستويان من الابادة، يستكملان ما بدأت به الأَسرَلة، فالاستيطان بدأ بالارض ثم تمدد الى اللغة واخيرا الى الثقافة كلها “.
وكل ذلك من خلال:
أولا: تهديم المشهد العربي الفلسطيني برمته لصالح مشهد صهيوني بالكامل مدعما بنصوص توراتية.
ثانيا: العمل على خلخلة الرواية التاريخية العربية الفلسطينية حول عروبة فلسطين، وإبادتها لصالح رواية صهيونية مزيفة تدعي “ان فلسطين يهودية وانها ارض الآباء والاجداد “.
بل ويرتقي فكر الابادة الى مستوى عقيدي، حيث يوثق اميتاي بن أبا على سبيل المثال قائلا:”بصفتي يهودياً إسرائيلياً من نسل ناجين من الهولوكوست، أعتقد أن المقارنة بين الظروف في فلسطين وتلك التي سبقت المحرقة ليست مبررة فحسب، وإنما ضرورية أيضاً. فقد أصبحت إسرائيل مستعدة إيديولوجياً لتنفيذ عملية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في الوقت الحالي. وإذا لم نتحرك ونفعل شيئاً، فإن هذه العملية سوف تسير إلى مرحلتها الحاسمة الجديدة –لتصل إلى 6 ملايين فلسطيني وأكثر، مضيفا:”الجانب الدموي بين السياسيين الإسرائيليين -عضو الكنيست سموتريتش، وزير التعليم بينيت، عمدة القدس بركات وأمثالهم- أصبحوا يدعون في الوقت الحاضر إلى الانتقال إلى ما يسمى “المرحلة الحاسمة” في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ إلى تخطي الوضع الراهن إلى “سلام دائم” (بالمناسبة، هذا هو عنوان الكتاب الوحيد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو): “حل نهائي للقضية الفلسطينية”. هذه الرؤية، على طريقة سموتريتش، مأخوذة من سفر يشوع، حيث يقوم الإسرائيليون الغزاة بتنفيذ عملية إبادة ضد الكنعانيين الأصليين، حتى لا تُترك روح واحدة تتنفس، باقتباس توصيف الحاخام موسى بن ميمون. وبحسب المدراش، كانت هناك ثلاث مراحل لهذه العملية. أولاً، أرسل يشوع إلى الكنعانيين رسالة نصحهم فيها بالفرار. ثم، يمكن للذين بقوا أن يقبلوا بمكانة المواطنة الدنيا وباستعبادهم. وأخيراً، إذا قاوموا، سوف تتم إبادتهم. وقدم سموتريتش هذه الخطة علناً باعتبارها التحول المطلوب إلى المرحلة الحاسمة من الصراع. إذا لم يهرب الفلسطينيون ورفضوا القبول بمواطنة أدنى، كما يفعل أي شخص ذي كرامة، “سوف يعرف جيش الدفاع الإسرائيلي ما الذي يجب عمله” كما يقول- أميتاي بن أبا – (كاونتربنتش) 21/5/2018″.!
واليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين تطور الفكر الارهابي الإبادي الصهيوني ليستخدم أدوات القرن الحادي والعشرين في التنفيذ، وليصبح فكرا مجتمعيا شاملا، فكتب الكاتب الاسرائيلي المعروف كوبي نيف في هآرتس-2020-3-6 يقول:”ان استمرار قمع (او ابادة او شطب)الشعب الفلسطيني، بطرق اكثر وحشية أو أقل، هو في الحقيقة البرنامج الموحد لكل الأحزاب الصهيونية، وهذا تحت كل أنواع الشعارات – «فصل»، «انفصال»، «القدس الموحدة»، «دولتان»، «كتل الاستيطان»، «استمرار اللكمات». كل هذا الهراء له معنى واحد، استمرار قمع الشعب الفلسطيني «على الاقل في المئة عام القادمة”، ويضيف:” “من يمسك طوال الوقت بشاكوش في يده فانه ينظر لكل مشكلة كمسمار»، ولهذا يعرف الجنرالات فقط ان يضربوا وان يقتحموا ويغزوا ويقتلوا ويدمروا. وعندما سيكون غانتس ويعلون في الحكم فان هذا ما سيفعلونه. لان هذا ما يعرفون عمله. فقط هذا ما يعرفون فعله”.
وعلى خلفية كل ذلك وهناك الكثير الكثير من الوثائق والادبيات التي تتحدث عن الفكر الإبادي الارهابي الصهيوني، يواصل الاحتلال نهج الإبادة الشاملة ضد الشعب والقضية الفلسطينية على مدار الساعة معتبرا بالاجماع السياسي والامني الاسرائيلي “ان الصراع مع الوجود الفلسطيني هو الجذر والاساس”، منفذا هذه الأبادة عبر ثلاثة أشكال من الأبادة هي:
الابادة الاولى: -البشرية -الدموية- التهجيرية التي بدأتها التنظيمات الارهابية الصهيونية بالمجازر الابادية الجماعية والتهجير الجماعي قبل وخلال النكبة ويواصلها جيش الاحتلال واجهزته الاستخبارية حتى اليوم، وتشتمل هذه الإبادة على مسلسل طويل من الجرائم والمجازر الجماعية وعمليات التهجير الجماعي المبيتة المنهجية المتصلة على مدى عمر النكبة، وذلك في إطار سياسات التطهير العرقي التي يواصل العدو تنفيذها، في سياق مخطط كبير يعتمد استراتيجية”اما نحن او هم في هذه البلاد”، ونغطي هذه السياسات هنا في هذه الموسوعة بالتفصيل الدقيق وبالوثائق والشهادات الصهيونية التي افرج عنها من الارشيف العسكري الصهيوني، وكذلك بالاعترافات الواردة على لسان عدد كبير من الشهود العيان.
الإبادة الثانية: السياسية –القانونية -الحقوقية- حيث يشن الكيان حربا نفسية -معنوية وحملة دولية اعلامية-سياسية- ثقافية عبر كل المنابر الاممية والاعلامية والثقافية تستهدف شطب المطالب السياسية اوالقانونية-الحقوقية المشروعة للشعب الفلسطيني، وما صفقة القرن إلا محاولة صهيوامريكية في هذا السيا، وتشتمل هذه الإبادة على سلسلة طويلة من المشاريع والخرائط الصهيونية والامريكية والاوروبية وغيرها، التي تستهدف الاجهاز تماما على القضية والمطالب والحقوق العربية الفلسطينية، وتمتد هذه المشاريع والخرائط على امتداد المساحة الزمنية ما بين هرتزل ومؤتمر كامبل بنرمان وصولا الى صفقة القرن التي اعلنها الرئيس الامريكي ترامب .
الإبادة الثالثة: وهذه اخطر الإبادات، ومضمونها ان الكيان –وانضم اليه في الآونة الاخيرة بعض المثقفين والاعلاميين والسياسيين العرب من دول الخليج- يشن حرب إبادة شاملة ضد الحقيقة التاريخية المتمثلة بالرواية العربية بان فلسطين عربية الجذور والتاريخ والحضارة والتراث والمعالم على اختلافها، لتحل محلها الرواية الصهيونية التي تزعم “ان فلسطين يهودية وهي ارض الآباء والاجداد”.
*كاتب فلسطيني