اليمن الحر الأخباري

عن الوجود الأمريكي بسوريا..!

سماهر الخطيب*
يبدو أنّ المشهد السوري يحمل العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع تحديد تاريخ الخامس عشر من يوليو/تموز المقبل موعداً للانتخابات التشريعية وهي الرابعة منذ اندلاع “عشرية النار” التي بدءها “ثيران” “الثورة السورية” والتي كانت في البداية تبدو وكأنها تظاهرات تحمل مطالب إصلاحية وما لبثت أن تكشفت خفاياها وفق تصريحات عربية وغربية بدعم تلك التحركات وإثارتها وإشعال الشارع السوري الذي “تهاوشوا على غنيمته” ما بين عرب وغرب لتتدحرج نحو حرب إرهابية على الأرض السورية بتمويل ودعم لوجستي ومالي وتدريب عسكري في معسكرات تركية وأردنية وتجييش الرأي العام العربي والغربي ضدّ الدولة السورية وإدارة في غرفة عمليات مشتركة كالتي كانت في “مورك” وغرفة الموساد التي استهدفت مؤخراً في أربيل والتابعة للوحدة 8200 الإسرائيلية ليست ببعيدة عن تلك الإدارة العملياتية للحرب على سورية وصولاً إلى الإرهاب الاقتصادي المعنون بقانون قيصر ومناهضة التطبيع مع سورية لتضييق الخناق على الشعب السوري حتى بات غالبية السوريين يرزحون تحت خط الفقر وتفاقم العقوبات الاقتصادية الغربية الوضع الاقتصادي سوءاً. في الأثناء شهد العام الماضي تغيرات على الساحة الدبلوماسية السورية واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ومشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في قمة جدّة للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاماً، وتلقيه دعوة رسمية للمشاركة في القمة العربية التي ستُعقد في البحرين الخميس المقبل. وفي خضم هذه التحركات يبدو أنّ هناك تحركات “مشبوهة” بإدارة “أميركية” على الأرض السورية يمكننا توصيفها وفق ما يلي:
الأكراد واتصالات عربية!
يتمثل التهديد الأول في شمال شرق سورية حيث سيطرة قوات سورية الديمقراطية المدعومة أميركياً حيث تم الإعلان مؤخراً عن نية “قسد” لزيادة اتصالاتها مع دول الخليج العربية في مسعى منها إلى إنشاء عدة ممثليات لها (باعتبار أنها تطمح نحو إنشاء إدارة ذاتية) في بلدان أعضاء مجلس التعاون الخليجي وذلك على خلفية توعد تركيا بشن عملية برية. ويمكن لمتابع تلك الاتصالات أن يلحظ علاقة ترابط “دبلوماسي” ما بين الجهود “الكردية”، والمناقشات داخل الولايات المتحدة حول ترتيب انسحاب القوات الأميركية من سورية، باعتبار أنّ هذا الانسحاب هو من بين المواضيع ذات الأولوية التي تجري مناقشتها خلف الأبواب المغلقة في مراكز الأبحاث الكبرى في واشنطن، وتسعى الأخيرة لربط حلفائها وشبكهم مع بعضهم البعض ضمن حلقة يمكن التحكم بها والسيطرة عليها لتحقيق مصالحها ولطالما كانت هذه السياسة معهودة كنموذج “اتفاقات أبراهام” ما بين الدول العربية و”إسرائيل” أو كذاك الحلف الذي أرادت تشكيله مع بعض الدول العربية و”إسرائيل” في مواجهة “النفوذ الإيراني” باعتبار أن الوجود “الخليجي” في شمال شرق سورية سيكون منطقياً بالنظر إلى الروابط العشائرية مع قبائل الخليج من جهة ومعارضة معظم العشائر المتواجدة في منطقة نفوذ “قسد” للهيمنة “الكردية” والتي طفت على السطح مؤخراً رغم محاولة “قسد” تطعيم مجلسها ببعض من “زعماء العشائر” ما جعل الولايات المتحدة تفكر جدياً بخيار “تفويض” لاعبين من دول الخليج العربي ببعض القضايا في شمال شرق سورية في مسعى لتهدئة الاضطرابات وحماية مصالحها في المنطقة والحفاظ على حلفائها في الوقت نفسه. وعموماً يجري داخل البيت الأبيض وضع نموذج لإجلاء القوات الأميركية المنتشرة حالياً في المناطق الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية من سورية، خاصة بعد الضربات التي تعرضت لها القواعد الأميركية والخسائر التي تكبدتها وخاصة في قاعدة البرج 22 الأمريكية، وربما يكون على غرار الانسحاب من أفغانستان، بصرف النظر عن مرشح الحزب الذي قد يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة هذا العام.
الجنوب السوري بين فكي كماشة
أما فيما يتعلق بالجنوب السوري فيبدو أنه عالق بين فكي كمّاشة، الأول هو العدوان “الإسرائيلي” لإبطال التهديدات الحدودية، ولا سيما بعد الهجوم المباغت الذي شنّته حماس ضدّها في عملية “طوفان الأقصى”، والثاني هو محاولة إشعال “السويداء” ضد الدولة وارتباط الحراك في السويداء بإسرائيل بشكل مباشر من خلال الدور الكبير الذي يلعبه موفق طريف في تلك التحركات وهو رئيس المحكمة الدرزية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يلتقي بشكل مستمر مع مسؤولين إسرائيليين بشكل علني، وترسخ القواعد الأميركية في النقب والقائم من جهة أخرى حيث المثلث الحدوي الرابط ما بين الأردن والعراق وسورية ومحاولة قطع “طريق المقاومة” الرابط ما بين قوى المقاومة وإمداد فصائل المقاومة حتى الداخل الفلسطيني بهدف ضمان الحفاظ على نفوذ “إسرائيل” الجيوسياسي في المنطقة، غير أنه لا يخفى على أحد أن الجيش السوري وحلفائه حقّق الكثير من النجاحات وعزز مواقعه، ولا سيما في مرتفعات القنيطرة التي تطلّ على الجولان الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي.. ثم إن قرب القنيطرة من الحدود اللبنانية، يؤكّد أن المنطقة ككلّ تشكّل تهديداً للوجود “الإسرائيلي” إذا ما فتحت الجبهة على كامل الحدود المحتلة، واللافت أيضاً، أن كل من روسيا وإيران عزّزت وجودها على طول مرتفعات الجولان بعد بداية الحرب على غزة العام المنصرم، من خلال إنشاء عددٍ من مراكز المراقبة ومن شأن هذا الحضور أن يزيد الضغط على “إسرائيل” وحليفها الأميركي ويغير من قواعد الاشتباك باعتبار أن الصراع مع إسرائيل قد يصبح واقعًا لا مفرّ منه.
البادية السورية وإنعاش الخلايا الإرهابية
فيما يتعلق بالبادية السورية، التي تمتد على مساحة 80 ألف كيلو متر مربع، فيعدّ النشاط المتزايد لتنظيم “داعش” الإرهابي واحداً من التحديات المهمة التي تواجهها الدولة السورية، وخصوصاً بعد عملية “الإنعاش” التي تعرض لها التنظيم منذ أواسط العام الماضي، وتلقيه جرعات إضافية واضحة منذ بداية هذا العام، إذ تجاوزت عمليات التنظيم 150 هجوماً خلال الأشهر الأربعة الفائتة أي بالتزامن مع معركة “طوفان الأقصى”، لتأتي تحركات “داعش” وهجماته المنسقة كواحدة من أبرز أساليب المواجهة التي اعتمدتها الولايات المتحدة، بالتنسيق مع “إسرائيل”، ضد قوى المقاومة التي انخرطت في جبهات إسناد في غزة، لإشغالها وتخفيف الضغط الذي أخذ يتزايد يوماً بعد يوم عن قواعد الاحتلال الأميركي في سورية والعراق.
ولعل أخطر ما يتعلق بوجود هذا التنظيم وقدرته على تطوير استراتيجياته العدوانية هو الموقع الجغرافي الذي تشغله أو تتنقل فيه مجموعاته المقاتلة، إضافة إلى تطوير أساليبه وأدواته من خلال وجود عدة عوامل رئيسية، أهمها وجود قوات الاحتلال الأميركي في قاعدة “التنف” حيث معسكرات التدريب والإمداد والمخيمات التي تؤوي أعداداً كبيرة من عوائل قيادات التنظيم وعناصره، وتفيد المعلومات بأن قوات الاحتلال الأميركي هي المسؤولة عن تأمين كل ما يلزم من أسلحة ومعدات وأجهزة لوجستية وإيصال معلومات هامة حول المواقع والتحركات العسكرية على الطرق الرئيسية في تلك المناطق. ولعل ظهور أسلحة جديدة بين أيدي عناصر التنظيم في الآونة الأخيرة، ومنها الصواريخ المتوسطة المدى، يشير بوضوح إلى هذا التورط الأميركي الصارخ.
لكن المؤكد في خضم تلك المخاطر أن الدولة السورية ماضية في تحقيق استراتيجيتها القائلة بوحدة الأرض السورية وبسط سيطرتها على كامل أراضيها، ويمكن القول إن أولى علامات بدء انهيار تنظيم “داعش” تمهيداً للقضاء عليه على أيدي قوات الجيش العربي السوري ستكون عند اندحار قوات الاحتلال الأميركي وخروجها من الأرض السورية، لأن واشنطن هي الضامن لحياة واستمرارية الجماعات الإرهابية والانفصالية، بل إن تلك الجماعات هي طليعة “جيش” الولايات المتحدة الأميركية و”نخبته” القتالية، وهي لن تتخلى عن هذه الأداة الثمينة إلا بقوة المقاومة والتحرير وهذا ما سيكون..
*كاتبة صحافية سورية وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية

Exit mobile version