د. طارق ليساوي*
أشرت في مقال “القواسم المشتركة بين كائنات “مارفل” وشخصيات الكاتب السعودي ” المسلم”… إلى أن ما يحدث في معرض الرباط وغيره من الفعاليات بعالمنا العربي، ليس بالأمر الإعتباطي أو العفوي ، وإنما هو تعبير عن أجندة و مخطط ينفذ بفعالية و تنسيق منذ فترة طويلة و ما نراه اليوم هو حصد للثمار الفاسدة، ما حدث و ما يحدث ، هو هدم للقدوات و تحريف لمعنى البطولة و قتل لقيم الخير و الرجولة و الشهامة .. ما يحدث هو فصل للناشئة عن محيطها و عن ثقافتها الأصيلة، و عن تاريخها و انتماءها الحضاري..
ما الذي يحدث بمعرض الكتاب بالرباط؟ و كيف يمكن تفسير سيكولوجية بعض الجماهير المغربية؟ ما كل هذا الحب و العاطفية ” المفرطة” التي أظهرتها جموع من “زوار” معرض الكتاب، و أغلبهم من العاصمة الرباط مدينة الأنوار كما يحلو للبعض وصفها ..
فقبل أيام حصل تدافع وإغماءات في صفوف شباب وشابات خلال حفل توقيع روائي قادمٍ من بلد لم يسجِّل ريادةً في الإبداع الأدبي منذ حقبة الشعر الجاهلي!! بكاء وهستيريا عند لقاء و مشاهدة مغني و ممثل مصري مثير للجدل.. مفارقات غريبة و عجيبة سجلتها في معرض الرباط..و اختلاف جذري عن النسخ السابقة و خاصة تلك التي كانت تحتضنها مدينة الدار البيضاء ..هل هذا التغيير نتاج لتغيير المواقع أم تحول الأذواق والذهنيات أو نتيجة لانحراف في فهم مفهوم الثقافة ومدلولها؟
وبعيدا عن أبطال “مارفل” الخارقين وشخصيات روايات ” أسامة المسلم” و عنتريات و إستعراضات المغني و عارض الأزياء الذي لا تتناسب أفعاله و ممارساته مع إسمه!!و مع ذلك تم الإحتفاء به في معرض الكتاب و التدافع من أجل التواصل معه أو التقاط صورة بجانبه؟!
من هم الأبطال الخارقين الحقيقيين الذين يجب أن نحدث شبابنا و أطفالنا عنهم وأن نجعلهم رموزا وقدوات وأن نقوم بتصوير سلسلات مكتوبة وبصرية عنهم؟ وأن نجعل عقول أبناءنا تحج إليهم وأحاديثهم تعج بإنجازاتهم؟
أليس سيدنا عمر بن الخطاب بطلا خارقا ؟ ألا يدعى فاروقا؟ أي أن الله تعالى فرق بإسلامه بين الحق و الباطل ، النور و الباطل ، العلم و الجهل..و رجح بإسلامه كفة الخير عن الشر ، أليس هو القائل ” لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني”…
أليس سيدنا عبد الرحمان الداخل بطلا خارقا أو لم يكن يدعى ب “صقر قريش”؟ أو ليس سيدنا عبد الكريم الخطابي بطلا خارقا ؟ ألم يستطع هزم جيوش فرنسا و إسبانيا مجتمعين؟ ألم يلقن ثوار العالم أبجديات حرب العصابات؟ فمن يكون بطلنا الخارق الحقيقي ليومنا هذا؟ و هل هناك أبطال بدون معارك؟ و هل بالهروب للخيال و العالم الافتراضي و إتباع الأساطير و الأكاذيب و الأضاليل تصنع الأبطال ؟ رحم الله أبطال حروب التحرير بوطننا العربي ورحم الله أبطال غزة و شهدائها صناع ملحمة طوفان الأقصى..
وقد يبدو لدى البعض أن هذا النقاش فيه تضخيم لأمور محدودة الأثر و عادية جدا- لكني أرى أنها أكبر مما نتصور – ، فما نشهده من تردي و تقهر في شتى الميادين يذكروني بمقولة لابن خلدون: “إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طريقها، وهذا ما حدث في الأندلس وأدى فيما أدى إلى ضياعه”.
وهذا القانون الاجتماعي -الخلدوني أشار إليه المؤرخ و المستشرق الإسباني “خوسيه أنطونيو كوندي” في سياق تحليله لأسباب سقوط الأندلس حيث قال: “العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات”، وصدق الله العظيم القائل: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)[الإسراء:16].
إن ما حدث في الماضي القريب هو إمتداد لما نعيشه اليوم، يوم انعقاد قمة الذل والعار بالمنامة، والتي عجزت عن قول كلمة طيبة في حق مقاومة باسلة هزمت أعتى الجيوش و قاومته ببطولة و شجاعة لمدة تزيد عن 220 يوما ، و لازالت المقاومة -ولله الحمد-تكبده الخسائر و لم ترفع الراية البيضاء” كما فعلت قمة “الندامة” بالمنامة، و التي جعلت من التطبيع مع الكيان الصهيوني خيار إستراتيجي، واعتبرت الفعل المقاوم تهديد للأمن والاستقرار.
إن ما يتم اتخاذه و اعتماده من قرارات سياسية باسم التعايش و التسامح و التعددية الثقافية و الانفتاح على الحضارات و الأديان و المساواة بين الجنسين و الجندر و حقوق المرأة و حقوق الأطفال و غيرها من الشعارات ماهي إلى تنفيذ لأجندات و سياسات شيطانية –دجالية ..ومن ذلك، ما أصبح يعرف بالديانة الإبراهيمية، والتي يرعاها الفاتيكان بل إن اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني و البلدان العربية تحمل اتفاقيات ” أبراهام” نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام …
وكعرب و مسلمين و بشر عموما، متمسكين بالفطرة الإنسانية السوية بعيدا عن التحريف و الزيغ و الشذوذ و الانحراف عن الفطرة الإنسانية ، لمواجهة هذا المد الجارف الذي يطرق أبوابنا و يهدد بنياننا الاجتماعي و الأسري و يهدد مستقبل أبنائنا و أحفادنا، مواجهة هذا المد الجارف يقتضي الدخول من أبواب متفرقة على حد تعبير نبي الله يعقوب عليه السلام لأبناءه عندما نصحهم بالدخول من أبواب متفرقة ..
لأن الداعمين للشذوذ و المثلية و محاربة القيم الإنسانية و الساعين ل”حيونة” الإنسان و إستعباده، يدخلون من أبواب مختلفة لتمرير سياساتهم و مخططاتهم الشيطانية، و لمواجهة مخططاتهم علينا -كمصلحين و مسلمين و أهل فطرة سوية- الدخول من أبواب مختلفة، و سأركز في هذا المقال على أول باب بل أهم الأبواب، و أعني التربية و التعليم …
فالباب الأول الذي علينا أن ندخل منه هو التعليم و التربية و مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، فعبر التعليم يتم التطبيع مع الشذوذ الجنسي عبر المناهج التعليمية ، فهذا الفيروس يتسلل إلى المقررات المدرسية لأبناءنا و للأجيال الصاعدة.. كما أن الشذوذ الجنسي و المثلية الجنسية تسلل لهوايات و ألعاب الأطفال، من خلال إنتشار ألعاب للأطفال التي تحمل ألوان شعار الفكرة المثلية الداعية للدفاع عن الشذوذ الجنسي (اللواط/السحاق)، وهذا أمر يستدعي من الآباء والأمهات والمربين و رجال و نساء التربية و التعليم و الغيورين على مصلحة أبناءهم وتلاميذتهم ، التحذير من هذه الفكرة الخبيثة الرامية إلى تشويه الفطرة السليمة لأبناءنا ، وهو أمر ستكون له ولا شك أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع عاجلا أم آجلا، فهذه الألعاب براقة الألوان ما هي إلا سم آخر من سموم الغزو الفكري الصهيوني- الشيطاني..و قد أشرت في المقال السابق إلى دار النشر “مارفل” و دعمها للمثلية و الشذود الجنسي، و التي خصص لها القائمون على معرض الكتاب بالرباط رواق جذاب واحتفاء خاص!
و التطبيع مع الشذود و العلاقات الرضائية و غيرها من الموبقات ، لا ينفصل عن مسار التطبيع العلني و الخفي مع الكيان الصهيوني، و للتدليل على ذلك سأستعين بأستاذي الجليل المهدي المنجرة رحمه الله فقد قال : “ذهبت إلى أميركا سنة 1948 وعمري 15 عاماً. بالصدفة وصلت في الشهر نفسه الذي خلقت الأمم المتحدة فيه إجحافاً “إسرائيل” بقرار.. بعد مدة قليلة جاء بن غوريون، وعقد اجتماعاً مع أثرياء اليهود في فندق ضخم، وقال لهم : أنا لا أريد مالكم، أريد أن يشتري كل واحدٍ منكم محطة تلفزة، إذاعة، استوديو للأفلام، جريدة…”.
لذلك، فإن قضية فلسطين في جوهرها ليست صراع على حدود و موارد، و إنما صراع بين حق و باطل، صراع بين منهج رباني و منهج شيطاني، صراع بين خير و شر.. فالصراع حول فلسطين يندرج ضمن إطار فرض قيم مغايرة على المنطقة العربية -الإسلامية ككل…
و في الختام ، المعركة مصيرية و هي معركة وعي و تربية و تحصين بدرجة أولى، و كنصيحة شخصية لابد من تحصين الأطفال بالقران الكريم و تشجيعهم على حفظه تشجيعهم على التقرب أكثر من سيرة محمد عليه الصلاة و السلام، لأن الموجة الحالية و القادمة عالية و القران الكريم و سنة محمد عليه الصلاة و السلام أفضل تحصين و تلقيح ضد فيروسات الشذوذ و المثلية و الانحلال و الحيونة و التطبيع مع كل الموبقات و في مقدمتها التطبيع مع محتل صهيوني مجرم ينفذ أجندة شيطانية دجالية و يكفي العودة لبقراته الحمراء التي يعد العدة لتقديمها قربانا لتطهير ألاف اليهود من ” نجاسة الموتى” …
أيها السادة، علموا أولادكم الاعتماد على النفس في البحث والدراسة والتعلم وأن يعلموا أن الله تعالى، قد أنزل القران باللغة العربية لمهمة لم يطلبها من أحد غيرهم، وقد إختارهم بأن يكونوا أمة وسطا شاهدة على الناس وليس تابعة للناس. علموا أولادكم أن يقارنوا دائما بين ما أورده الله سبحانه في كتابه وما يتعلموه عن العالم حولهم دون تعصب وإتباع أعمى وتقليد للغير.. علموهم القراءة و البحث من مصادر موثوقة و إخضاع ذلك لميزان العقل و ميزان القران الكريم و السنة النبوية، علموهم استخدام عقولهم، وإلا فلن يكونوا من أولي الألباب الذين يعلمون أن الله قد إختارهم ك”عرب” من بين الأمم ليكونوا (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وليس (خير أمة اخرجت من بين الناس) قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (سورة آل عمران،110) ..وتكليفهم الذي سيسألهم الله عنه (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) ( سورة الزخرف، الأية 44)” .. والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..
*كاتب وأكاديمي مغربي