د.خيام الزعبي!
منذ عام 2017 فشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التوصل إلى صيغة قانون توافقي يقضي بتجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتشددين دينيا (الحريديم)، واليوم قضت المحكمة العليا في إسرائيل، بتجنيدهم في الجيش مع تجميد ميزانية المدارس الدينية، وهو قرار سيسبب توترات سياسية جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي يواجه العديد من المشكلات. إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : كيف يمكن أن يؤثر هذا القرار على وجود نتنياهو في الحكومة؟
تشهد الإدارة الإسرائيلية تخبطاً سياسياً كبيراً منذ أن شنت قوات الاحتلال حربها على قطاع غزة، فخلال الأيام الماضية، قفز إلى الواجهة موضوع إجبار تجنيد (الحريديم) وإنخراطهم في صفوف الجيش، ولكنهم يفضلون الموت على التجنيد، وسط ما تخوضه القوات الإسرائيلية من حرب متعددة الجبهات مع حركة حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان وحاجة جيش الاحتلال إلى أكثر من 20 ألف جندي إضافي، وفي الوقت نفسه يتخذ الإسرائيليون خطوات عملية غير مسبوقة نحو الهجرة ونقل الأموال وشراء العقارات في الخارج.
ببساطة، إن إعفاء الحريديم من التجنيد أصبح مثيرا للجدل، وجاء في حكم المحكمة الصادر بالإجماع “في أوج حرب صعبة، يعتبر عبء عدم المساواة أكثر حدة من أي وقت مضى”.مع العلم أن قرابة 66 ألف شاب من المتدينين حصلوا على إعفاء من الخدمة العسكرية خلال العام الماضي، وهو رقم قياسي، تحديدا وسط حالة الحرب التي تعيشها إسرائيل، وتعدد الجبهات التي تتعامل معها.
ad
وقد وجد نتنياهو نفسه أمام خطر حقيقي يهدد بتفكيك الائتلاف الحكومي، عقب تحريك مشروع “قانون التجنيد” الذي دأبت الحكومات المتعاقبة في العقد الأخير على تأجيله، لضمان استمرار دعم الأحزاب الحريدية لها وتجنب إسقاطها، فمفاعيل ذلك القرار تشير إلى تآكل بنية وجود إسرائيل من خلال هروب الإسرائيليين الكثيف إلى الخارج تحت وطأة المشاكل الداخلية وصمود المقاومة الفلسطينية أيضاً ونبوءات ومخيفة عن زوال قريب للكيان الصهيوني.
اليوم نتنياهو أمام معضلة حقيقية إما أن يسن تشريع يحدد فيه معايير بالتوافق مع الأحزاب الدينية الذين يمكن تجنيدهم، وبالتالي يجد حل وسط ومخرج من هذا المأزق، أو أن الجيش سيقوم باستدعائهم للتجنيد بشكل إجباري وهم يرفضون ذلك وستدخل اسرائيل في حالة فوضى وحرب أهلية، لأنهم يرفضون الخدمة بشكل مطلق ويعتبرون الهجرة أو الموت أفضل من الخدمة في الجيش لاعتبارات دينية أو اعتبارات اجتماعية، وبالتالي هذا سيؤثر على الائتلاف.
فمع أن الرأي العام يبدو مؤيداً لإلغاء الإعفاء فإن حكومة نتنياهو تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة والتي سيخسرها نتنياهو حسب استطلاعات الرأي ، وفي وقت سابق، تعهد الحزبان، وهما حزب يهودية التوراة المتحدة وحزب شاس، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء، بالتالي سيؤدي هذا الى تقسيم اسرائيل حيث لا توجد قوة تستطيع منع شخص من دراسة التوراة.
لذلك نتنياهو أمام معادلة صعبة ، ضغوط داخلية لم تتوقف بالتهديد بإسقاط حكومته، وضغوط خارجية لقبول تفاهمات دولية لوقف الحرب في ظل سقوط المزيد من المدنيين الفلسطينيين، وما بين الخارج والداخل يبدو مصير نتنياهو معلقاً ما بين الخيارين، في ظل أهداف وضعها في 7 أكتوبر، بات تحقيقها صعباً للغاية وأهمها القضاء على المقاومة والإفراج عن الرهان والأسرى الإسرائيليين.
وبالتالي يمكن القول، نتيجة ما أصاب إسرائيل من ضعف وإخفاقات وما نشأ من حولها أو في مواجهتها من مقاومة شرسة، فقدت القدرة على رسم إستراتيجية مناسبة للمرحلة الراهنة، لذلك سيكون من نتائج تجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتشددين دينيا (الحريديم) في الجيش التصدع وتوسيع الانقسامات في الائتلاف الحكومي الذي يزداد هشاشة، ومن هنا فإن أمام نتنياهو الآن الذهاب الى انتخابات أو أن الشارع الإسرائيلي سيشهد حرباً أهلية غير مسبوقة.
*كاتب سوري