اليمن الحر الأخباري

تهديدات أمنية ووجودية أمام الأردن!

 

فؤاد البطاينة*
لا شك بأن التهديدات الأمنية التي تواجه الاردن هي جدية أضعها في ثلاثة متفاوتة الخطورة، واتناولها تالياً باختصار شديد.
ـ التهديد الأول: وهو الأخطر، ولكن حديث النظام وإعلامه عنه معدوم ويتمثل في الإستهداف الوجودي للاردن كدولة وككيان سياسي قائم وكشعب صاحب وطن. على خلفية المشروع الصهيوني وذلك من قبل الكيان الصهيوني وبمعيته أمريكا كوريثة لبريطانيا وزعيمة للمعسكر الصهيوني. وهذا الإستهداف مسألة موثقة بالمطبوعة الدولية والممارسة، ويدركه من قرأ التاريخ أو اطلع على السيرة الصهيونية في منطقتنا بالمزاوجة مع تاريخ القضية لفلسطينية في إطار النشاط السياسي الأمرو-أوروبي في نهاية القرن التاسع عشر وما بعد الحرب الأولى. والعارف لهذا وينكره فهو ممن لا يعنيهم تفكيك الكيان السياسي الاردني لصالح الكيان الصهيوني ومشروعه المتزاوج مع المشروع الإمبريالي.
ـ أما في التهديد الثاني: الذي يواجه الأردن، فهو في أمنه الداخلي، فالتلاعب به يُقحم الدولة وكل مواطن على هذه الأرض في دوامة الإرهاب النفسي والمادي واللا استقرار، ويتسبب بتجميد عجلة الحياة الرتيبة والموت السريري للعائش وفي تحقيق الأهداف الشيطانية. بل من هنا اتخذته امريكا والصهيونية سلاحها الامضى. وحديثي بهذا التهديد الأمني الخاص بالأردن أجمله بنقطتين هما:
ـ النقطة الأولى: أن هناك أسباباً حقيقية لها وزنها وخاصيتها تجعل الأردن من الدول الأكثر تعرضاً وتوقعاً لوقوع مثل هذا التهديد الأمني الداخلي، وعلى رأسها هو أن الأردن صاحب الخصوصية المُفترضة بفلسطين وقضيتها، والمرتبط وجوده كدولة بنجاح المقاومة وفشل المشروع الصهيوني، هو للأسف وللعجب دولة متحالفة عسكريا على الأقل مع أمريكا والكيان الصهيوني، حتى من دون أن يكون في هذا التحالف استثناء للحالات التي يخوض فيها الكيان الصهيوني المحتل أو امريكا حرباً مع دولة عربية أو إسلامية أو مع الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية.
حيث من شأن هذا الكفر السياسي والاخلاقي والقِيمي الذي أصبح معه الأردن مندمجا مع الكيان كمجال حيوي جغرافي، وشريكا استراتيجياً عسكرياً ولوجستياً أن يثير حفيظة مئات الملايين من العرب والمسلمين على اختلاف ثقافاتهم ومفاهيمهم، ويفتح شهية الارهاب والارهابيين وكل صاحب غرض من أعداء في الداخل والخارج. بل ويثير حفيظة وغضب الأردنيين أنفسهم. وبالتالي كيف لا تتوفر الإحتمالية الكبيرة والفرصة الأكبر لتعرض الأردن لاختراقات ولعمليات انتقامية مجنونه محسوبة وغير محسوبة وصولاً لمبتغاها الانتقامي أو المفاهيمي أو السياسي على السواء؟
ـ أما النقطة الثانية: فأقول أن من واجب الأردن أن يكون دائم الحذر والإنتباه لتحاشي أسباب أي شرارة لانفلات امني على أية خلفية كانت اجتماعية أو اقتصادية أو من حدث عابر أو عمل أرعن من جهة رسمية. وذلك لخصوصية السلامة في جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية، وللخطورة السياسية على القضية الفلسطينية وعلى الأردن كدولة. نعم هناك وعي لدى مكوني الشعب الأساسيين على خطور الانفلات الأمني، الا أن المشكلة في أنهما ما زالا غير قادرين على الاندماج النفسي لأسباب تعود لفشل النظام في التأثير الإيجابي بهذا الملف والإمعان بالتأثير السلبي من ناحية، ولأنهما من ناحية أخرى أصبحا كمكونين رئيسيين منتميين، جزءا من تركيبة سكانية واسعة في الاردن غير منتمية تحت عنوان سيل اللاجئين الذين يسهل استخدامهم.
ومن الجدير ذكره هنا، أن الأمريكيين بقواعدهم العسكرية الحاضنة لجيش الكيان داخل الأردن، والذين يُعتقد بأنهم يديرون ملفات سياسية وعسكرية وأمنية وحتى دينية في بلدنا، لن يتدخلوا لنصرة النظام في أي مواجهة له في الشارع مع شعبه أو حتى مع ارهابيين بل سيكونون القاضي والشرطي الذي ينتصر بقواعده العسكرية وعملائه للفوضى الخلاقة ليركبونها.
وبهذا ليكن معلوماً، أن التفكير الصهيوني بالخيار الفلسطيني أصبح معدوماً في الضفتين. وهو الخيار لذي كان سيحدث في السبعين من القرن الفائت ومنعه الخوف الأمريكي من وجود السوفييت على حدود الكيان. كما أن المقاومة الفلسطينية في غزة بدءا من 7 أكتوبر قد سحقت الخيار الأردني ولم يعد موجوداً في الاستراتيجية الصهيونية، والموجود اليوم في الاردن هو الخيار الصهيوني من خلال عملائه من الأردنيين المحليين، ولتبرز عندها القضية الأردنية من أوسع ابوابها.
ـ اما التهديد الأمني الثالث: فيتمثل في استحقاقات ما جرته اتفاقيات التحالف العسكري الأردني مع امريكا بشأن قواعدها العسكرية، تلك الاتفاقيات غير الراشدة ولا المنضبطة في حدودها ومضامينها والتي لا تستثني استخدامها أو استخدام الأراضي والأجواء الأردنية أو المشاركة الاردنية المباشرة او غير المباشر في أي حرب أو صدام عسكري أمريكي أو صهيوني ضد بلد عربي او اسلامي وبالذات إيران في صراعها مع عدونا المشترك.
حيث من الطبيعي في حالة الحرب الإقليمية أن تكون الأراضي الاردنية هدفا مشروعا لمن تُستخدم ضده تلك القواعد الامريكية والاراضي والأجواء. وبهذه المناسبة، إن وقعت الحرب بين حزب الله والكيان من دون اشتراك إيران فلا أعتبرها اقليمية. مع العلم بأنه لا أمريكا ولا ايران ولا حزب الله يريد الحرب المفتوحة المتوقعة مع حزب الله، ولكن نتنياهو وجماعته يناورون للضغط على أمريكا لكي تجد حلا له لفشله في تحقيق اي هدف في حربه على غزة ولن يجده.
نخلص إلى أن النظام الأردني بتمسكه بنهجه السياسي، وبرضوخه لتطويره للأسوأ ليصبح فيه اللعب على المكشوف، يُحمّله مسؤولية التسبب في صنع هذه التهديدات الثلاثة، وتعريض نفسه والاردن بكيانه السياسي وشعبه للخطر الوجودي والإكتواء بنار الإرهاب الدولي الأمريكي. والنظام بالتأكيد قادر لو توفرت لديه الإرادة السياسية أن يخلع جذور هذه التهديدات. فلا بد للنظام من أن يُسقط نهجه السياسي ويسقط معاداته للمقاومة. فبنجاح المشروع الصهيوني لن ينجو النظام بنفسه ولا الأردن ككيان سياسي بمكونات الدولة الثلاثة. وهذا النجاح للمشروع الصهيوني لن يحدث ما دامت المقاومة الفلسطينية موجودة بثبات. فنصرة حماس لا نصرة سلطة أوسلو هو الخيار الصحيح والسليم للاردن وهو خيار الشعب الأردني كله بلا أدنى شك.
*كاتب اردني

Exit mobile version