د. حامد أبو العز*
مع تصاعد حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، تكتسب حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل زخما غير مسبوقاً. في كل يوم تؤدي فيه العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى خسارة المزيد من أرواح المدنيين، وخاصة أرواح الأطفال والنساء، تحشد حركة المقاطعة القوة والدعم للشعب الفلسطيني من مختلف الجهات حول العالم. إن آثار هذه الحركة المتنامية ملموسة وواسعة النطاق، وتؤثر على كل شيء من الخطاب السياسي إلى سلوك المستهلك وحتى منع إسرائيل من المشاركة في الأحداث الرياضية.
ad
ومن الأمثلة الحديثة والتوضيحية لظاهرة تنامي مقاطعة إسرائيل ما حدث في باريس، حيث مُنعت عائلة إسرائيلية من الإقامة في فندق نوفوتيل بورت دو فرساي. وعلى الرغم من حجزهم للغرفة مسبقًا، إلا أنهم واجهوا رفض الإقامة في الفندق عند وصولهم. تغير موقف موظف الاستقبال بشكل جذري عند رؤية جوازات سفرهم الإسرائيلية، وفي النهاية رفض حجزهم وأشار إلى أن الفندق محجوز بالكامل. هذه الحادثة ليست معزولة، بل هي مؤشر على اتجاه أوسع حيث يواجه الإسرائيليون صعوبات متزايدة في الوصول إلى الخدمات في الخارج بسبب توسع حركة المقاطعة المناصرة لأهل غزة.
ويؤكد الحادث الذي وقع في باريس على فعالية حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) وتأثيرها المتزايد. لقد لعبت حركة المقاطعة دورًا فعالًا في رفع مستوى الوعي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وممارسة الضغط الاقتصادي والسياسي على إسرائيل. وقد حصلت على دعم من مختلف القطاعات، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية والفنون وقطاع الأعمال، للضغط من أجل وقف الأنشطة التي تدعم أو تضفي الشرعية على الجرائم الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
ويتجلى تأثير المقاطعة أيضًا في تصرفات المنظمات والشركات الدولية. على سبيل المثال، واجهت Booking.com تحديات قانونية لإدراج عقارات في المستوطنات الإسرائيلية، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي وذلك لإنها في الأصل أراضي مملوكة لفلسطينيين منذ مئات الأعوام. وقد تقدمت جماعات حقوق الإنسان بشكاوى، بحجة أن مثل هذه القوائم تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية. يعد هذا الضغط القانوني جزءًا من استراتيجية أكبر لمحاسبة الشركات والحد من مشاركتها في الأنشطة والجرائم الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، أثارت حركة المقاطعة جدلاً ونشاطًا كبيرًا داخل المجتمع المدني. وفي العديد من الدول الأوروبية، هناك شعور عام متزايد ضد جرائم إسرائيل، مما أدى إلى زيادة الدعم لحقوق الفلسطينيين. وينعكس هذا التحول في الرأي العام في أشكال مختلفة من الاحتجاج والمناصرة، بما في ذلك رفض تقديم الخدمات للمواطنين الإسرائيليين ودعوات الحكومات إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد إسرائيل إلى ضرورة وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل لإن ذلك يعتبر مشاركة وتواطؤ في الجريمة المشهودة ضد أهل غزة.
وبينما أصبح المجتمع العالمي أكثر وعياً بحقائق وفضائع إسرائيل، فإن الضغوط على إسرائيل مستمرة في التصاعد. إن حركة المقاطعة ليست مجرد سلسلة من الأحداث المعزولة، بل هي قوة متماسكة ومتنامية تهدف إلى تحقيق العدالة للفلسطينيين. وتسلط هذه الديناميكية المتطورة الضوء على أهمية التضامن الدولي ودور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة.
ونظرًا لهذا السياق المتطور، يركز مؤيدو القضية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني على الأحداث الدولية رفيعة المستوى لتوسيع رسالتهم. أحد هذه الأحداث هو دورة الألعاب الأولمبية في باريس، المقرر عقدها في 26 يوليو 2024. ويرى المؤيدون أن المظاهرات خلال الألعاب الأولمبية يمكن أن تلفت الانتباه العالمي بشكل فعال إلى الجرائم الإسرائيلية في غزة، ويحثون اللجنة الأولمبية الدولية على النظر في منع إسرائيل من المشاركة بسبب جرائم الحرب ضد الأطفال والنساء.
يمكن للاحتجاجات السلمية المنظمة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس أن تكون بمثابة منصة قوية للمطالبة بالمساءلة وتعزيز الدعوة العالمية للعدالة. وتتوافق هذه الاستراتيجية مع السوابق التاريخية حيث تم استخدام الأحداث الرياضية الدولية لتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، مرددة الدعوات الأوسع لإنهاء دائرة العنف وإحلال السلام الدائم على أساس الاحترام المتبادل وحقوق الإنسان.
وفي نهاية المطاف، تسعى حركة التضامن المتنامية، التي يغذيها الالتزام بحقوق الإنسان والعدالة، إلى الضغط على الحكومات والهيئات الدولية لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد الظلم. يظل دور المجتمع المدني والنشاط العالمي حاسما في تشكيل السياسات وتعزيز حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
هذه الاحتجاجات هي جزء من جهد لامركزي أوسع شهد أعمال تضامن في جميع أنحاء العالم. اتخذ العمال والناشطون من مختلف القطاعات، بما في ذلك نقابات النقل في أوروبا وعمال الموانئ في إيطاليا، خطوات مهمة لتعطيل شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، مع التركيز على التأثير المحتمل للتنظيم الشعبي. في كندا، أغلق النشطاء النقابيون مصانع الأسلحة، بينما في المملكة المتحدة، أدت الإجراءات المنسقة إلى إيقاف الإنتاج في منشآت الأسلحة، مما أظهر قوة الإجراءات العمالية الجماعية في نصرة القضية الفلسطينية.
وفي الختام، فإن حركة المقاطعة المتوسعة ضد إسرائيل هي شهادة قوية على الدعوة العالمية لتحقيق العدالة وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني. إن رفض تقديم الخدمة للمواطنين الإسرائيليين، والتحديات القانونية ضد الشركات المستفيدة من الاحتلال، والدعم الواسع النطاق لحركة المقاطعة والدعوة الصريحة لحظر إسرائيل من المشاركة في أولمبياد باريس، كلها تعكس تحولا كبيرا في التعامل الدولي مع إسرائيل المجرمة.
*كاتب فلسطيني وباحث السياسة العامة والفلسفة السياسية