اليمن الحر الأخباري

اضغطوا على الكيان قبل أن يضغطكم جميعا!

د. كمال ميرزا*
نظريّاً، تمتلك الدول العربية الكثير من الأوراق المؤثّرة والفعّالة والإستراتيجية للضغط على الكيان الصهيوني.
ـ تعليق العمل بجميع المعاهدات والاتفاقيات الموقّعة مع الكيان الصهيوني بما في ذلك معاهدات السلام المشؤومة.
ـ وقف كافة أشكال التمثيل الدبلوماسي والتنسيق الأمني والتبادل التجاري مع الكيان.
ـ تعليق أي خطط تتعلّق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني حالياً وفي المستقبل، وأي مساعي تأتي في إطار محاولة دمج الكيان في المنطقة من بوابة “السلام الاقتصادي” و”الأخوّة الإبراهيميّة”.
ليس متوقّعاً بعد الأشهر التسعة الماضية من الأنظمة الغربية – لا سمح الله – أن تهبّ لإحياء فكرة “التضامن العربي” و”الجبهة العربية الموحّدة” ونظرية “الأمن القومي العربي”.. معلنةً الحرب على الكيان الصهيوني من أجل تحرير فلسطين، أو الحفاظ على ما تبقي منها نظريّاً خارج الاحتلال الرسمي والمُعلَن، أو على الأقل فرض تصوّرها لما ينبغي أن يكون عليه “السلام” بالقوّة.
وليس متوقّعاً أن تبادر الأنظمة العربية – أيضاً لا سمح الله – لنُصرة فصائل المقاومة الفلسطينية ودعمها ولو من قبيل “تقاطع المصالح”، فعداء هذه الأنظمة للمقاومة قد باتت مسألة واضحة ومعروفة للجميع!
لكن المتوقّع كأضعف الإيمان أن تستغل الأنظمة العربية ما بحوزتها من أوراق ضغط من أجل الناس، من أجل أهل غزّة والضفة وعموم فلسطين، من أجل الأطفال والشيوخ والنساء، من أجل حقن الدماء، من أجل وقف شلال الدم، من أجل إنهاء المجاعة والتنكيل وسياسة العقاب الجماعي.. سيما وأنّ الأنظمة العربية هي أكثر من يندب ويلطم ويحذّر بهذا الخصوص!
الكلّ يتحدّث عن ضرورة وقف الحرب في غزة، أو ما يسمّونها “الأعمال القتالية” لتمويه حقيقة أنّها إبادة جماعية وتهجير وجرائم حرب.
والكلّ يتباكى على الوضع الإنساني المأساوي في غزّة، ويحذّر من عواقب استمرار الوضع على هذا المنوال.
لكن ساعة الجد، الجميع يميلون على “حماس” وفصائل المقاومة، ويطالبونهم أن يكونوا هم الطرف الذي يرضخ ويُذعن ويقدّم التنازلات، ويسخّرون أدواتهم وأبواقهم الإعلامية والدعائية بهذا الاتجاه، وكأنّ المقاومة هي الطرف المُجرم والمعتدي، وكأنّ المقاومة هي مَن تقتل وتدمّر كلّ ما هو فوق الأرض بشكل يوميّ مُننهج، وكأنّ قطاع غزّة هو أرض صهيونية والمقاومة هي الطرف المعتدي والغازي والمحتل؟!
قمة الوقاحة أن يتم اعتبار المطالبة بوقف القتل والدمار، والانسحاب الكامل من قطاع غزّة بمثابة تشدّد من قبل فصائل المقاومة!
والأوقح محاولة تحميل المقاومة مسؤولية كلّ الدم المراق والدمار الحاصل واستمرار ذلك!
وفي المقابل، الجميع يتعاملون وكأن مجرد السماح لأهالي غزّة والفلسطينيين بالبقاء على قيد الحياة هي مكرمة يزجونها إليهم، وعلى الفلسطينيين أن يستقبلوا هذه المكرمة بمنتهى الامتنان والإذعان والتنازل!
أمريكا ومَن لفّ لفيفها لن تضغط على الكيان الصهيوني، إلّا طبعاً في حدود الأفلام المحروقة حول الخلافات المزعومة بين “بايدن” و”نتنياهو”، والإدارة الامريكية وعصابة الحرب الصهيونية، والمُعدّة للاستهلاك الإعلامي والمماطلة وشراء الوقت بدماء الفلسطينيين.
كيف ستضغط أمريكا على الكيان الصهيوني وحرب الإبادة والتهجير هي فعليّاً حرب بالوكالة يخوضها الكيان لصالح أميركا، و”مهمة قذرة” ينفّذها مرتزقة ولقطاء ولَمَم الكيان لصالح جماعات المصالح الأمريكية الحاكم الفعلي للبيت الأبيض؟!
ألم يقل الصهيوني القميء “دونالد ترامب” في مناظرته ضدّ الصهيوني الخَرِف “جو بايدن”: “يجب أن تسمحوا لإسرائيل بإنهاء المهمّة”؟!
الدور والباقي كما يقولون على الأنظمة العربية، هل ستسمح بإنهاء المهمّة، أم أنّها ستحكم على نفسها بأن تصبح هي الأخرى جزءاً من المهمّة؟!
إحجام الأنظمة العربية عن استخدام أوراق الضغط التي بين أيديها هو سلوك غير مفسّر حتى وفق المنطق “البرجماتي” البحت، والمنطق “النفعي” البحت، والمنطق “القُطري” البحت، ومقتضيات “الأمن الوطني” لكلّ دولة عربية بذاتها بمعزل عن اعتبارات وأولويات بقية الدول.
كما أنّ ورقة الضغط لا تكون ورقة ضغط إلّا بمقدار ما تُستخدم كورقة ضغط في الوقت الذي يجب أن تُستخدم فيه كورقة ضغط، وما دون ذلك تصبح هذه الورقة بلا فائدة، أو كما يُقال “هي وقلّتها واحد”، وعندها لا طائل ولا معنى من الاحتفاظ بمثل هذه الأوراق وتستطيع الأنظمة العربية ببساطة أن “تبلّها وتشرب ميّتها”!
التفسير الوحيد المُمكن لسلوك الأنظمة العربية هو أنّها قد تعدّت خط الرجعة في تماهيها مع الأمريكي والصهيوني، وربط دوائر قرارها وأجهزتها ومصالح نخبها الحاكمة بالدوائر والأجهزة والمصالح الأمريكية والصهيونية.. حتى لو جاء ذلك على المدى المتوسّط والبعيد على حساب مصلحة وبقاء واستمرار الأنظمة نفسها، ومصلحة وبقاء واستمرار المجتمعات والأوطان وكيانات الدول التي تحكمها هذه الأنظمة!
اضغطوا الكيان الصهيوني قبل أن يضغطكم جميعاً.. هذا هو ببساطة المطلوب من الأنظمة العربية من أجل نفسها قبل أن يكون من أجل أي طرف آخر!
*كاتب اردني

Exit mobile version