اللواء. أحمد عيسى*
وضعت حرب الإبادة التي تشنها دولة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني منذ عشرة شهور، نتنياهو أمام خيارين إثنين، يدور الأول حول تسليم إسرائيل بحرب استنزاف طويلة متعددة الجبهات يقودها محور المقاومة، الذي يضع شرطاً لوقفها وقف حرب إبادة الفلسطينيين ويتعهد في خطابه بمساندة الفلسطينيين وعدم السماح لإسرائيل بالإنتصار عليهم.
ويتعلق الخيار الثاني بعدم الإستجابة للضغوط الداخلية والخارجية وعدم التسليم بخيار حرب الإستنزاف وتفضيل الذهاب لحرب واسعة على اكثر من جبهة خاصة على الجبهتين اللبنانية والإيرانية، وسط التزام أمريكي بدعم إسرائيل رغم الإختلاف الظاهر مع خيارها، وتعهدها بعدم السماح لمحور المقاومة بالإنتصار عليها.
ويعتبر الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية وإغتيال القائد البارز في حزب الله، السيد فؤاد شكر، وبعد ساعات مهاجمة طهران وإغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، الأستاذ إسماعيل هنية، مؤشرات قوية على حسم نتنياهو خياره والتصعيد الى أعلى درجة.
ويخطئ من يعتقد أن صاروخ مجدل شمس المثير للجدل والذي نفي حزب الله مسؤوليته عنه كان بمثابة نقطة التحول في مسار الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين منذ أكتوبر الماضي، إذ ترى هذه المقالة أن نتنياهو قد حسم خياره بالذهاب الى الصدام المباشر مع الإمبراطورية الإيرانية وذراعها الأقوى في المنطقة حزب الله، منذ هجمات السابع من أكتوبر، ويستدل على ذلك من تتبع مسار حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ بما في ذلك مسار المفاوضات على تبادل الأسرى.
وأجادل في هذا المقال أن مهاجمة رفح في بداية شهر آيار الماضي واحتلال معبر رفح ومحور فيلادلفيا وسط معارضة أمريكية وغربية ومصرية واسعة، كانت في سياق إتمام التجهيز لإنتقال إسرائيل لخيار الحرب الواسعة، وذلك لإحكام الحصار على غزة وقطع الأكسجين عنها لضمان عدم مشاركة الجبهة الجنوبية المنهكة أصلاً مع باقي الجبهات في حال امتداد الحرب لساحات أخرى.
اللافت هنا أن نتنياهو يذهب لهذا الخيار في ظل اعتراف وإقرار طيف واسع من الإسرائيليين والحلفاء أن شروط النصر التي تنص عليها معادلة الأمن القومي الإسرائيلية غير متوفرة في هذه الحرب وعلى العكس شروط الإنتصار تتوفر في معادلة الأمن القومي المعادية، الأمر الذي يرفع من إحتمالات مراهنة نتنياهو وبعض من حلفائه في الإئتلاف الحاكم على السلاح غير التقليدي الذي تحتكر اسرائيل امتلاكه في المنطقة.
من جهته محور المقاومة وفيما يدرك هذا السيناريو ومآلاته إلا انه مصمم على الرد بغضب وحكمة على هجمات بيروت وطهران، مصمم على مواصلة ربط وقف مساندة الجبهات بوقف الحرب، الأمر الذي يعني إستعداد محور المقاومة على مواصلة الإلتزام بخياره رغم مآلاته المرعبة، مما يرفع من إحتمالات اندلاع حرب اوسع وعدم بقائها محصورة في الإقليم فقط.
ويأتي التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية من قبل كل من الجيش والمستوطنين مؤشر قوي على صحة ما ذهبنا اليه بحسم نتنياهو لخياره، لغايات ضمان السيطرة على الضفة الغربية أولاً، وتقليل احتمالات مشاركتها في إسناد الجبهات إذا ما اندلعت الحرب ولو بوتيرة منخفضة، لا سيما وأن شروط بقاء إسرائيل المستمدة من إستراتيجيتها القائمة على مفهوم بن غوريون للأمن القومي تنحصر في ثلاثة شروط:
ضمان عدم توحد العرب في قوة عسكرية واحدة، الأمر الذي أبطلته وحدة الساحات والجبهات.
ضمان عدم إندلاع انتفاضة فلسطينية خاصة في الضفة الغربية ومناطق العام 1948، بالتزامن مع حرب تخوضها إسرائيل، صحيح انه لا توجد انتفاضة الآن في الضفة الغربية، لكن الضفة ليست هادئة وتشهد حالة من الغليان.
ضمان أن تحدد إسرائيل ساحة الحرب ووتيرتها، الأمر الذي يدرك أصغر اللإسرائيليين سناً انه لم يعد بملك إسرائيل.
وعلى ضوء ما تقدم يصبح من المشروع التساؤل هل استعد الفلسطينيون لمآلات هكذا سيناريو حتى وان كان ما تقدم ليس أكثر من تحليل، قد يكون نصيبه من الخطأ مساوي لنصيبه من الصواب؟.
*باحث متخصص في أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي والفلسطيني