اليمن الحر الأخباري

ترامب ونتنياهو.. البلطجي والكذاب…!

د.رجب السقيري!
اعتدنا في كل موسم من مواسم انتخابات الرئاسة الأمريكية ، التي تتكرر مرة كل أربع سنوات ، أن نسمع وعوداً لإسرائيل ما أنزل الله بها من سلطان ، وقد يعتبر بعضها مخالفاً للسياسة الخارجية الأمريكية أو للمباديء التي تدعي واشنطن دائماً الإلتزام بها حسب مسؤولياتها الدولية كونها القطب الأوحد في النظام العالمي الحالي بعد أنهيار الاتحاد السوفيتي ، نسمع من المرشحين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي وعوداً معظمها تصب لصالح إسرائيل وذلك ليس طمعاً في أصوات اليهود فحسب ، بل تطلعاً إلى ما يمكن أن يجود به اللوبي الإسرائيلي (الأيباك) من تبرعات للحملة الانتخابية للمرشح الذي يعطي وعوداً لإسرائيل بسخاء .
لقد كانت هذه الوعود دائماً إما قابلة للتنفيذ ويتم فعلاً تنفيذها بعد فوز المرشح الذي أعطى تلك الوعود ، أو يتم التغاضي عنها مقابل تعويض إسرائيل بمزيد من الأسلحة والذخائر أو التغاضي عن توسعها في سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو دعم اقتصادي غير مسبوق أو غير ذلك من الأمور التي كان الناخبون الأمريكيون من أصول عربية ، بل والشعوب العربية جمعاء ، يبلعونها أو يتغاضون عنها على أساس أنها مجرد وعود انتخابية .
لعل أكبر مثال على ما تقدم هو إقدام دونالد ترامب عام 2016 على تقديم وعود لإسرائيل بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، وقد قام بذلك فعلاً ، بطريقته البلطجية ، بعد فوزه بالرئاسة على منافسته هيلاري كلينتون إضافة طبعاً إلى ما قام به من اعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري ، متحدياً بذلك كل القوانين والشرائع الدولية
وكل قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي تؤكد بلا مجالٍ للشك أن كلاً من القدس الشرقية والجولان السوري أراضٍ عربية محتلة .
ولم يكتفِ دونالد ترامب بذلك بل قام أيضاً بتصميم وهندسة ما تدعى اتفاقات أبراهام التطبيعية مع عدة دول عربية بهدف تصفية القضية الفلسطينية ودمج إسرائيل في ما سمي بالشرق الأوسط الجديد وإقامة حلفٍ بزعامتها لمجابهة إيران الأمر الذي يجعل الولايات المتحدة تتفرغ لمواجهة المخاطر الصينية التي تهدد نفوذ واشنطن ومصالحها في الشرق الأقصى وبالذات في منطقة بحر الصين الجنوبي .
أما التطور الصادم الذي حدث قبل أيام قليلة فقط وفي غمرة تلهف وانتظار العالم بأسره لإتمام عقد اتفاق لتبادل الأسرى ووقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ، فهو ما تحدث به دونالد ترامب عن “صغر مساحة إسرائيل” وضرورة توسعتها.
هكذا وبكل صلافة وجرأة لا تخلو من الوقاحة والتحدي للدول العربية المحيطة بإسرائيل وشعوبها ، وبنفس لغة البلطجة التي يستخدمها دائماً ، يريد لإسرائيل أن تتوسع على حساب جيرانها .
طبعاً أول الجيران هي الأراضي الفلسطينية ، حيث لا يحتاج المرء إلى تفكير عميق ليستنتج أن هذه الملاحظة السمجة والمعادية لحقوق الشعب الفلسطيني سيُتبعها ترامب بوعدٍ قاطع لصديقه ورفيق دربه نتنياهو باعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة ، علماً أن نتنياهو هذا الذي حظي مؤخراً بتصفيق أعضاء الكونغرس له وقوفاً لأكثر من سبعين مرة رغم أن خطابه ينضح بالأكاذيب والتضليل وتزوير الحقائق ، ينتظر بفارغ الصبر عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض .
كنت قد أشرت في مقالٍ سابق إلى خبرٍ يتعلق بالسيدة الأمريكية الإسرائيلية “مريام أديلسون” ، أرملة الملياردير الذي كان يملك كازينوهات قمار في لاس ڤيجاس ، “شيلدون أديلسون” ، وهو عبارة عن وعد قدمته أديلسون بدعم حملة ترامب في الانتخابات الرئاسية التي يخوضها حالياً ضد نائبة بايدن المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس بما يزيد عن مائة مليون دولار شريطة اعترافه ، إذا فاز بالمنصب ، بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية .
هكذا تسير الأمور في أمريكا علماً بأن القوانين الأمريكية تسمح بهذا النوع من “الرشوة المقنعة” (الاصطلاح من عندي وليس شائعاً في الأوساط السياسية الأمريكية) وشراء الولاءات ، بل إن معظم حكام الولايات وأعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل ، إلا من رحم ربي ، قد أصبحوا تحت سيطرة “الأيباك” بسبب طمعهم في دعم اللوبي الإسرائيلي لحملاتهم الانتخابية . وإذا شاء القاريء الكريم مزيداً من المعلومات عن هذا الأمر فليقرأ كتاب البروفيسور الأمريكي (اليهودي) جون ميرشايمر وبروفيسور ستيفن والت : “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية” The Israeli Lobby and the US Foreign Policy
إذا أصدر ترامب وعده ثم فاز في الانتخابات فهل ينفذ وعده؟ كل الدلائل تشير إلى أنه سينفذ هذا الوعد ، وهذا ما يأمله طبعاً صديقه نتنياهو الذي يماطل حالياً ويختلق الحجج والأعذار ويضع الشروط لتعطيل أي اتفاق لتبادل الأسرى ووقف حرب الإبادة التي يشنها جيشه على الفلسطينيين في قطاع غزة . لكن لا بد من التنويه أن الأمر لا يتعلق بنتنياهو وحده بل أيضاً بكل أعضاء حكومته بما فيهم ، بل وعلى رأسهم الوزيران الأكثر تطرفاً بن غفير وسموتريتش الحاكمين الفعليين للضفة الغربية حالياً ، إضافة طبعاً إلى المعارضة وأغلبية لا بأس بها من مواطني الكيان الإسرائيلي
الذين تحولوا بفعل السياسات الفاشية المتطرفة لنتنياهو وأزلامه إلى نوعٍ من المجتمع الفاشي الهادف ليس إلى تصفية القضية الفلسطينية فحسب بل إلى تهجير الفلسطينيين والتخلص منهم ثم التفرغ لقضم المزيد من أراضي الدول المجاورة بما فيها الأردن ومصر والسعودية وسوريا ولبنان والعراق من أجل تحقيق حلم المشروع الصهيوني بأن أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل .
لكن خسيء النتن وخسيء معه معلمه ترامب وباقي شلة الزعران الفاشيين من أمثال سموتريتش وبن غفير وغيرهم من اللمم وحثالة الأمم . فإذا كانت المقاومة الفلسطينية بما توفر لديها من إمكانيات محدودة ، وبما هي فيه من حصار استمرّ سبعة عشر عاماً ، قد انتصرت على جيش نتنياهو الجرار والمجهز بكل أنواع الأسلحة والمعدات والطائرات والدبابات والصواريخ من العم سام وحلفائه قد صمدت أحد عشر شهراً وحققت انتصارات شهد لها العالم قاطبةًً ، فإلى أين ستؤول تحديات النتن وعصابته أمام جبروت وعزيمة وشهامة وقوة وإيمان الشعب الأردني والشعب المصري والشعب السعودي والشعب العراقي والشعب السوري والشعب اللبناني . عندها ستحل الكارثة على جيش المرتزقة الإسرائيلي المهزوم والذي سيعرف أن الله حق . والله من وراء القصد
*باحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية

Exit mobile version