وجيدة حافي*
قصف القنصلية الإيرانية في دمشق حسب القوانين الدولية هو قصف لقطعة من التراب الإيراني أدى إلى تغيير تكتيك إيراني ورد مُباشر في العمق الإسرائيلي وبكثافة مُنقطعة النظير، فالمسؤولون الإيرانيون أرادوا بهذه الخطوة إرسال رسالة لنتنياهو ولكل من تخول له نفسه الهجوم عليها وعلى رجالها، لكن على ما يبدو أن الكيان لم يهتم كثيرا للتهديدات الإيرانية وإعتبر هجومها على أراضيه مُجرد تنفيس عن كرب ورد برد لا يرقى للإهتمام الإعلامي والسياسي، لكنه في نفس الوقت كان يُحضر لعملية كبيرة هزت الإيرانيين والعالم أجمع، وبالفعل في يوم 31 يوليو استيقظنا جميعا على فاجعة مقتل الشهيد “اسماعيل هنية” في طهران، خبر لم يهز الشارع العربي فقط، بل حتى الإيراني الذي هذه المرة تساءل وبجدية عن قوة أجهزته الأمنية والإستخباراتية، وكيف إستطاع العدو التغلغل لداخل الجيش الإيراني؟ خروقات أمنية متكررة تدل على فشل السلطات الإيرانية في إيجاد ملاذ ومواقع الموساد، ففي علم الإستخبارات الملاذ هو المكان الآمن الذي تختبئ فيه قوات الوحدات الخاصة، قد تكون منازل سرية وسط الأحياء والمدن فيها متفجرات وأسلحة تُستعمل ليس فقط لقتل حُلفاء إيران، بل حتى المسؤولون الكبار في الدولة، وما حدث لمسؤول البرنامج النووي “فخري زادة” “وأبو محمد المصري “أحد قادة القاعدة الذي أُغتيل على الأراضي الإيرانية أمر مُحرج للغاية، يستدعي ضرورة دق ناقوس الخطر وإعلان حالة تطهير وتصفية في الجيش والإستخبارات.
فمقتل الشهيد القائد “اسماعيل هنية” بتلك الطريقة أثار حساسية كبيرة في الداخل والخارج الإيراني لموقع الرجل من جهة وللطريقة التي تمت حمايته من طرف الحرس الثوري، فالمفروض أن يتم تغيير مكانه بإستمرار في إطار الإجراءات المستخدمة في حماية الشخصيات المهمة خاصة أن مقر إقامته معروفة، فاللحظة الحاسمة في عملية الإغتيالات السياسية ليست لحظة الضغط على الزناد وإنما إختيار الهدف الذي يُحدد من قبل العميل الميداني أو قادة أجهزة الإستخبارات، فتقييم الهدف من حيث أهميته الإستراتيجية والسياسية ضروري لنجاح العملية، لذلك تتم إدارة عملية تحديد الأهداف بعناية واهتمام مدعومة بالتحليل الاستراتيجي والسياسي ومدعومة بالاستخبارات من مصادر متعددة، ثم يأتي بعدها مرحلة العمل الميداني للتنفيذ أين يتم البحث عن الثغرات الأمنية وتحديد نقاط الضعف من طرف العملاء المحليين، لنصل إلى مرحلة تحليل الأنظمة الأمنية مثل الكاميرات وإنذارات الحواجز، تنظيم أفراد الحراسة، مراقبة تحركات وتنقلات الهدف وغيرها من المهام التي تقوم بها مصادر الإستخبارات المحلية، ثم بعدها تُقيم البيانات الاستخباراتية وتُحلل قبل القيام بالعملية التي يكون مُنفذها جاهز جسديا ونفسيا وحتى روحيا، فكل معلومة بسيطة من شأنها أن تُساهم في تحقيق النجاح أو فشله، لذا كان مقتل الرئيس الإيراني في أذربيجان فاجعة كبيرة للإستخبارات الإيرانية التي من المفروض أن تكون واعية بمثل هذه الأُمور وتُعيد ترتيب بيتها الآمني قبل كارثة أُخرى.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هذه الأيام هو عن الرد الإيراني الذي تأخر كثيرا ولم يعد له طُعم وذوق حسب البعض، فكلنا جلسنا مرارا وتكرارا لساعات طويلة أمام شاشات التلفزيون ننتظر خبر سار يرد بعد مقتل الشهيد “إسماعيل هنية” في طهران، لكن للأسف كل ما سمعناه ورأيناه تهديدات لا ترقى للحدث، فإيران منذ حادثة مقتل “إسماعيل هنية” وهي تُهدد وتتوعد برد قاتل ومناسب لقتلة أهم حُلفائها وفي عقر دارها، وسترد عاجلا غير آجل على انتهاكات الكيان الغاصب الذي هذه المرة قد تجاوز كل الحدود، لكن تماطلها الغير مفسر يعود إما إلى رغبتها في صد الإتهامات التي تتهمها ب السيطرة على القضية وعدم رغبتها في الحل الدبلوماسي، فهي تريد أن تثبت أنها بمعزل عن هذه الإتهامات، وتريد أن تمنح للدبلوماسية طريقا وتنسجم مع النظام العربي الرسمي وتقول للعالم أنها لا تضغط على حماس، بل نتنياهو هو من يريد عرقلة المفاوضات وإستمرار الحرب سعيا وراء مصالحه الشخصية، أو الضغوط الدولية من حلفائها لإحتواء الوضع وعدم الإنزلاق وراء لعبة الكيان وإدخالها في حرب هي بغنى عنها الآن، وتهديدات الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل إذا ما تلقت ضربة، أو أن معرفتها بالوضع والصراع على كل الجبهات يفرض عليها التريث، ودراسة الوضع بدقة مع المقاومة وحزب الله حتى لا تخرج الضربة عن السياق المطلوب، مع وجود “نتنياهو” الرجل الذي لا يهمه شيئا غير نفسه والحفاظ على منصبه وسمعته العسكرية، عدم قُدرتها العسكرية على مُجابهة الكيان وحُلفائه تدفعها للتماطل وكسب المزيد من الوقت وربح التركيز الإعلامي عليها، رغبتها في التأثير النفسي على الكيان الذي مازال مواطنه يترقبون صفارات الإنذار للمبيت في الملاجئ و هناك من سافر لبلدان آمنة، أما الذي فضل البقاء فتجده يُزاحم على شراء المولدات خوفا من إنقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، إستراتيجية تتبعها وتراها مناسبة في الوقت الراهن، فهي تريد حرب نفسية بهدف تغيير حسابات الخصم وإحداث فجوة في الرأي العام وجعله غير مستقر، تريد إدخال الشك والريبة للقادة العسكريين الذين رغم كل التطور والأقمار الصناعية، والدعم المعلوماتي واللوجستي فإنها لحد الساعة لا تعرف طبيعة الرد وحجمه ومكانه، هل سيكون مباشرة على الأراضي الإسرائيلية؟ أم أنه سيكون خارج البلاد باستهداف السفارات والمراكز الاستخباراتية؟
هل سيكون رد أحادي أم ثلاثي بمساعدة المقاومة وحزب الله؟ إذن كل هذه الأسئلة مطروحة يوميا على مكاتب قادة الكيان وتتم دراستها ومحاولة الإجابة عنها بتوقعات تزيد من الضغط، وهنا نستطيع القول أنها نجحت في الذبح بالقنطة أو ممارسة الحرب النفسية على العدو وحلفائه، لكن هي كذلك تعيش هذه الحرب خاصة أن الشهيد “هنية” تم إستهدافه على أراضيها، وعدم ردها في نظر الحلفاء وشعبها مس بشرف وسيادة إيران، وأنها مجرد أداة يتم توظيفها لتحقيق أهداف الأعداء وأهدافها في المنطقة، ولهذا فهي كذلك لم تسلم من هذه الحرب النفسية التي ستدفعها للتفكير مرار وتكرار لرد قوي ومُناسب، وللإستعداد للرد الإسرائيلي بتجهيز الدفاع الجوي وحماية المنشآت النووية، فالجميع هنا في حالة تأهب وإستعداد للمرحلة المُقبلة التي ستشهد تحركات ميدانية وتصريحات نارية بين كل الأطراف بما فيها حزب الله والمُقاومة اللذان لن يُمررا مقتل قاداتهما ( إسماعيل هنية وفواد شكر ) مرور الكرام، فالقادم أسوأ لإسرائيل والحرب الإقليمية إن تأجلت فلن تُستبعد بسبب الخطوات الغير محسوبة لنتنياهو وحكومته، وموافقة المجتمع الدولي حليف الكيان على كل صغيرة وكبيرة يقوم بها، وفي هذه الحالة فالمعاملة بالمثل ستكون الإجابة المناسبة في هذا التوقيت والظروف رغم نتائجها العكسية لأهلنا في فلسطين ولبنان وللعرب جميعا، لأنه في بعض الأحيان الرد إجابة وافية ووسيلة للتعبير عن عدم الرضى والسُخط، فالمقاومة وحزب الله وإيران للشُعوب المُستضعفة والمحقورة أحسن بكثير من بعض مواقف الدول العربية الخانع قادتها للعالم الشمالي.
*كاتبة جزائرية