اليمن الحر الأخباري

الاستقبال المهيب في معبر الكرامة!

ايهاب سلامة*
توضأ بمياه جبال الشراة في الجنوب الأشم؛ صلى صلاة الفجر بنية الشهادة، قبّل جبين أطفاله الصغار النائمين، تفقد الرصاص في مشط مسدسه، خرطشه ولم يلتفت خلفه، ومضى ليأخذ ثأر أمة تغطّ في سباتها نائمة!
قاد شاحنة محملة بتاريخ من الثارات نحو فلسطين مترنمًا :
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوى الردى
فاما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
يا صقر الجنوب الحر..
لم تطرف عيناك مرة واحدة؛ لم يخفق قلبك الجسور لو نبضة شاردة، لا ولم يرتعش اصبعك على الزناد وحاشاه، واقتحمت الكيان الصهيوني وحدك ونفذت المهمة المقدسة الخالدة..
أيها الجيش العرمرم الذي تجسد فيك، يا قبيلة من الشمّ الصناديد تجمعت في رجل واحد، ويا تاريخ أمة أنت، نَسِيَت تاريخها، واستحْضَرْتَها لنا فيك على معبر الكرامة!
أيها الفارس المغوار أنت؛ علّم هذه الشعوب التي ماتت نخوتها، وفضّت بكارة عزّتها.. علِّمهم يا ابن الجازي، كيف المروءة تأبى على الرجال الضيم، وعلّمهم بالله عليك، كيف تكون البطولة والرجولة والفداء والشهامة.
كانت الحور يترقبن طلتك البهية منذ بواكير الصباح يا عريس الكرامة.. كن يتحضرن لاستقبالك، ويوزعن الحلوى على اسلافك الشهداء، وصدى زغاريدهن يتردد في غور الأردن وهن يتجهزن لزفافك إلى جنان الخلد والنعيم..
كان الثرى المخضب بدماء اجدادك الشهداء متلهفًا ليعانق فخرًا دمك الطهور..
وكانت الطيور..
تحلّق بين ضفتي النهر، وتصدح أسرابها بأغنية فيروز: وستمحو يا نهر الأردن.. آثار القدم الهمجية!
كان قائد كتيبة المجاهدين في معارك القدس وقرى باب الواد واللطرون، الشيخ المجاهد هارون سحيمان الجازي، يقف بكل شموخه هناك، مستقبلاً بحفاوة حفيده ماهر ..
وكان الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، الذي أذل الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة، يقف متأنقًا ببدلته العسكرية على معبر الكرامة، قائدًا عسكريًا مهيبًا، يختال حوله شهداء الجيش العربي البواسل، يحيّون رفيق السلاح القادم بواحد وعشرين طلقة، يقلدونه وسام الشهادة، ويؤدون له التحية العسكرية الأخيرة.
يا “أخو صالحة”..
نريد عينة من دمك الطهور يا سيدي، لعل مختبرات العروبة العقيمة تُولِّد حمضك النووي، وتلقح شعوبها الميتة بجيناتك الوراثية، لتعيد إحياء الرجولة فيهمو والكرامة!
يا سليل البطولة والرجولة، نريد فك شيفرتك الوراثية!
نريد استخلاص عينة “كورتيزول” من دمائك الزكية..
نريد اكتشاف نوع الأدرينالين الذي جرى لتسع وثلاثين عامًا في عروقك..
نريد استخلاص عينة من الحليب الذي أرضعتك أمك، لعلنا نعيد تصنيعه، وتصديره، إلى الشعوب التي ما ظل فيها نخوة ولا كرامة، ليخرج من أصلابهم يومًا، أجيالًا، تعيد لأمتنا المجد والكرامة!
*صحفي وكاتب أردني

Exit mobile version