اليمن الحر الأخباري

إخوان الأردن.. سياسة مهيمنة في إقليم منفلت!

د.ميساء المصري*
يقال في السياسة, أنها ليست لعبة النوايا الحسنة أو المبادئ السامية فحسب؛ إذ ليس بالضرورة أن ينتصر صاحب المبدأ، إنها أشبه بلعبة الشطرنج يتدخّل فيها عامل الذكاء والإستعداد والإلمام الجيد بقواعد اللعبة، وهي أبعد ما تكون عن لعبة النرد؛ حيث يتمتم اللاعب يا رب ويرمي النرد راجياً تحقيق الفوز .ومن هذا المبدأ الإستعداد لقواعد اللعبة نبدأ الحديث :
حصلت المفاجأة , وكانت الصدمة الحزبية ,وجاء الطوفان الشعبي مع توظيف الحزب الضخم لحرب غزة في الدعاية السياسية , لتكون المعادلة الفاصلة , بعدد المقاعد الذي حصدته جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين). ب32 مقعدا للقوائم العامة ، و القوائم المحلية، منها 9 مقاعد عن دوائر العاصمة عمّان الثلاث، و3مقاعد لكل من محافظات الزرقاء والعقبة، و إربد .و 8 مقاعد مخصصة للنساء، برقم قياسي لم يسبق من قبل، كذلك حصد المقعدين المخصصين للشركس والشيشان، بل و الفوز بالمقعد المسيحي الوحيد في عمّان.
بل وتستمر الصدمة ,بحصول الإخوان على أصوات غير مسبوقة في المناطق ذات البعد العشائري، لا سيما بدو الشمال والجنوب.مما يعني أن هنالك مؤشر حيوي على أهمية الخطاب الأيديولوجي الديني في توقيت الظرف السياسي المحيط بنا .
وبالتالي نجد أن رقعة الشطرنج لأكثر من ربع قرن على تأسيس جبهة العمل الإسلامي بالأردن. والتجاذبات السياسية الداخلية من جانب وطبيعة العلاقة مع السلطة السياسية ، وتجاذباتهم مع الحكم في مراحل مختلفة من جانب آخر. أصبحت أكثر ثباتا مع توزيع ثقلهم الجغرافي والديموغرافي واتباع تكتيكات جماهيرية تتماشى والواقع السياسي.
سابقا , تم العمل على أنهم أقلية مؤثرة حتى لا يتحملوا مسؤولية مرحلة سياسية بذاتها، ولا يضطرون للمواجهة والصدام مع السلطة ، كي لا يكونوا السكينة في الخاصرة، لكن البعد السياسي والإقتصادي والإجتماعي والمرحلي إختلف تماما, فماذا ستفعل الأغلبية الكاسحة الآن ؟
دعونا نتجه الى تفسير أعمق ، وهو أنه بينما كانت هذه النتائج تمثل انتصارات لجماعة الإخوان المسلمين، فهل هي دليل على وجود شعبية واسعة ؟، أم أن السياسة في الأردن أكثر استقطابا لنجاح الجماعة الآن.وهنا قد يكون أهم إنتصار لجماعة الإخوان قد كشف عن العمق الحقيقي للإستقطاب السياسي المطلوب , بعيدا عن الأحزاب التي رمت النرد متمنية الفوز .وبالتالي قد نستطيع القول أن فوز”الجبهة “هو فوز ذكاء سياسي بإمتياز .
وان المدقق في حواشي الأحداث , سيجد أن للأمر أبعاداً أخرى ومن يتحدث عن مقاربة الإنتخابات بعام 1989،فهو مخطئ, لأن المعطيات جميعها مختلفة حتى الحركة ذاتها باتت مختلفة ومتغيرة مع المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية وشتان ما بين المرحلتين.
فالعقل السياسي يؤكد أن الواقع السياسي الأردني مختلف عما هو قبل 30 عاما، من أزمة انعدام الثقة والمصداقية بين الحكومات والشارع، والزعزعة السياسية والإصلاحية التي توسعت، ونمو حالة الفراغ الطبقي بين الأوساط الرسمية إتجاه الشعب، وارتفاع نسب الفقر والبطالة ومديونية الدولة وهشاشة الوضع الإقتصادي والمعيشي ومشاكل الإرهاب والمخدرات واللاجئين، والتهديد اليميني الصهيوني، إقليميا ودوليا والضغوط من واشنطن وطهران، ودول الجوار الهلامية والتهديدات الخارجية من كل صوب وناحية، والملاذات الآمنة في الإقليم باتت مُهددة ديناميكيا سواء هويتيا، ودينيا,وجيوسياسيا، وديموغرافيا، ووجوديا، وبالتالي نحتاج إلى ترسيخ قواعد وأصول جديدة للعبة في الإقليم من جديد.
وأن نسمح للإخوان بالنجاح، فهم الآن ورقة سياسية رابحة، ترسل رسائل جمة لجميع الأطراف المتنازعة، تعيد الأردن لطاولة القرار والمفاوضات، فالمعادلة مكتملة، والعناصر لها قابلية التفاعل والتأثير. رسائل للغزل التركي والمصري ورسائل مضادة لليمين الصهيوني المتطرف، ورسائل تحدي لتحالف نتنياهو وزمرته الهمجية ورسائل أمنية مهمة لدول الخليج وإيران وكل من يضغط خارجيا، وجميعهم نضعهم تحت شعار سياسة الضد مقابل الضد.
أما داخليا هل نتحدث هنا عن مصداقية حقيقية بلا أهداف؟ فإذا كانت هنالك أهداف حقيقة لها دلالاتها فنحن على أرضية رهان؟ حتى لوكان الفوز للمعارضة السياسية. وبالتالينثيرالكثيرمن التساؤلات مثل: ان مسألة وجود الإخوان في صدارة المشهد السياسي هل يتوقع منهم إجراء تغييرات على الساحة الأردنية؟ وما الذي تريده “الجبهة” داخليا و خارجيا؟ ثم ما هي الآثار المتوقعة، سواء على المكاسب المتاحة للإخوان أو على الفرص الممكنة لمنافسيهم؟ وهل “الجبهة” انتصار في مواجهة من يراهنون على إرباك الوضع السياسي الداخلي والخارجي؟
ومن هذه الزاوية، هل نتوقع حصول تعديلات جوهرية في الدستور أو إلغاء اتفاقيات مهمة مع الكيان الإسرائيلي أواتفاقيات السلام أوالتطبيع بمختلف ألوانه، والتي لم تُسقطها خطاباتهم سابقا ؟ فهل حضورهم في سلطة التشريع سيشكّل مرحلة فارقة؟ وهل هنالك انعكاسات لفوزهم على الإسلام السياسي في دول الخليج العربي التي تتحسس من الإخوان كحركة سياسية ؟ والدول الأخرى التي فشلت فيها التجربة الإسلامية؟
ومن الزاوية ذاتها برلمانيا، هل فوزها الكاسح سيوفر لغيرها من القوى السياسية، فرصة لشراكة لن تجدها في مرحلة ما؟ وهل هي قادرة على تعويض عجز القوى اليسارية والوسطية في بناء تحالفات قادرة على التأثير؟ والمزج بين الواقعية والبرجماتية؟هل يمكن أن تتشكل تحالفات ليصبح المجلس برلمان كتل حزبية أم يصعب أن تجتمع لأسباب تاريخية وشخصية وفكرية تحت مظلة واحدة. وبدلا من أن تكون شريكا تصبح خصما لها؟ وبالتالي يصعب التنبؤ بما قد يحصل في المجلس؟ وهل سيؤثرعلى رئاسة المجلس والنظام الداخلي وغيره من المعطيات البرلمانية وماهو شكل الحكومة البرلمانية المقبلة وكيف ستكون معادلة منح الثقة؟
الإخوان الآن في إختبارمزدوج من جهة في تجديد النجاح أو لنقل تجديد البيعة لما تحقق سابقا، ومن جهة ثانية، أن تبعدها هذه الخطوة عن صداعات مستقبلية محتملة على الشرعية الدستورية والشعبية.
أتمنى انفتاح الحركة على كل السيناريوهات المتوقعة.
*كاتبة وباحثة مختصة بشؤون الشرق الأوسط

Exit mobile version