د.رجب السقيري*
المحاولة الثانية التي جرت يوم أمس الأول الأحد لاغتيال الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب أعادت تسليط الأضواء في أمريكا والعالم قاطبةً على الانتخابات الأمريكية . ولعل العديد من الناس في أنحاء العالم يتساءلون لماذا كل هذا الاهتمام العالمي بالإنتخابات الأمريكية. السبب واضح طبعاً ويتعلق بزعامة أمريكا للنظام العالمي الذي تربعت على عرشه منذ انهيار القطب الآخر (الإتحاد السوفيتي) قبل أكثر من ثلاثة عقود ، وهيمنتها على مقدرات العالم ومصير شعوبه وانتشار جيوشها وأساطيلها وقواعدها العسكرية ودبلوماسيها ومخابراتها في طول العالم وعرضه.
بناءً على ما تقدم تحاول شعوب العالم ومن بينها الشعوب العربية من خلال متابعتها لمجريات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة أن تستكشف ما سيحل بها لاسيما عندما يكون الفارق بين أفكار وخطط وبرامج مرشحي الرئاسة هائلاً كما هو الحال بين كمالا هاريس ودونالد ترامب، حيث يتوقع أن تستمر هاريس على خطى الرؤساء السابقين من الحزب الديمقراطي ولن يحدث في عهدها تغييرات جذرية لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية الأمريكية سواءً حكمت أمريكا لفترة واحدة أو لثماني سنوات.
هذا لا يعني أن كمالا هاريس هي المرشحة المثالية بالنسبة للعرب الأمريكيين ومؤيديهم من المسلمين وغيرهم من الجاليات الأخرى. فقد أشارت استطلاعات الرأي مؤخراً أن أكثر من نصف العرب والمسلمين لاسيما في الولايات المتأرجحة وبالذات في ميتشيغان لا يعتزمون التصويت لصالح هاريس التي أعربت أكثر من مرة عن التزامها بالدفاع عن إسرائيل وتزويدها بكل ما يلزم من أسلحة، كما رفضت السماح لمتحدث أمريكي عربي أو فلسطيني بمخاطبة مؤتمر الحزب الديمقراطي بينما أتاحت الفرصة لمتحدثين إسرائيليين من أهالي الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية بمخاطبة المؤتمر.
أما المرشح الآخر، دونالد ترامب، فلم يعد العالم يستطيع أن يضع حدوداً للتغييرات المحتملة التي قد يحدثها في السياسة الخارجية الأمريكية إذا قدر له الفوز.
ما يهمنا في هذا السياق هو سياسة ترامب في الشرق الأوسط ، إذ أنه خلال فترة رئاسته الأولى (2016-2020) قد قرر بكل بساطة وبجرة قلم الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها ، كما قرر الإعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل ، وذلك خروجاً عن السياسة الأمريكية المستمرة منذ حرب عام 1967. إضافة إلى تبنيه لصفقة القرن التي تؤدي بالضرورة إلى تصفية القضية الفلسطينية . وقد أضاف إلى ذلك خلال حملته الإنتخابية الحالية عزمه على توسيع حدود إسرائيل طبعاً على حساب الدول العربية المجاورة لإسرائيل بما فيها الأردن ومصر والسعودية والعراق وسوريا ولبنان ، إضافة إلى ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى إسرائيل وذلك استناداً إلى الخريطة التي ينشرها اليمين الإسرائيلي وبالذات الوزيران الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو بن غفير وسموتريتش . وعليه ليس من المتوقع أن يصوت لصالح ترامب إلا عدد محدود جداً من العرب الأمريكيين.
هل الخيار الثالث هو التصويت لصالح جيل ستاين؟
تشير استطلاعات الرأي أن حوالي نصف العرب الأمريكيين سيصوتون لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين وهي طبيبة يهودية الديانة ولكنها غير صهيونية سبق أن ترشحت للرئاسة عام 2012 وكررت ترشحها عام 2016 وهي تسعى إلى تغيير نظام الحزبين الذي تعتبره فاشلاً وتحاول إقناع أنصارها بذلك. أما عن سبب إعجاب الأمريكيين العرب بها فهو مشاركتها في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الجامعات الأمريكية مما أدى لاعتقالها لفترة وجيزة ، وهي تعتبر ما تقوم به إسرائيل في غزة جريمة إبادة جماعية وتطالب بوقفها فوراً. وقد أشارت أحدث استطلاعات للرأي أن ستاين تتفوق على هاريس في أصوات المسلمين في ثلاث من الولايات المتأرجحة هي ميتشيغان وأريزونا وويسكينسون .
خلاصة القول ، يتفق كاتب هذه السطور تماماً مع الأمريكيين العرب العازمين على التصويت لصالح جيل ستاين أنها بالتأكيد وبلا أدنى شك أفضل من هاريس وأفضل من ترامب ، لكن السؤال الأهم هنا هو ما هي حظوظها بالفوز بالمنصب الرئاسي ؟ الجواب للأسف الشديد أنها لا تحظى بأي أمل بالفوز ، وأن قيام العرب الأمريكيين بالتصويت لها سيضاف إلى الأصوات الضائعة والتي يمكن أن تأتي بكمالا هاريس إلى سُدة الرئاسة الأمريكية وتبعد عن العرب والمسلمين وبالذات عن فلسطين مخاطر جمة إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.
حتى عدم مشاركة العرب الأمريكيين بالتصويت سيصب لصالح ترامب وسيضعف من فرص منافسته كمالا هاريس . لذلك أناشد العرب الأمريكيين أن يحسبوا حساباتهم بدقة ويدرؤوا المخاطر المحدقة بوطنهم العربي وبقضيتهم المركزية قضية فلسطين وأن يتجنبوا كل ما يمكن أن يساعد ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض ، وأن يتذكروا أن نتنياهو يماطل في وقف إطلاق النار ويختلق الحجج لإطالة الحرب رغم فشل جيشه في تحقيق أهداف الحرب المعلنة ، كما يعمل نتنياهو الآن لتوسيع الحرب كسباً للوقت بانتظار فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية لأنه يعلم علم اليقين أن ترامب ولا أحد غير ترامب يمكن أن يحقق له الأهداف التي يتوخاها بضم الضفة الغربية وغزة وأراضٍ عربية أخرى إلى إسرائيل.
بقي أن نقول أخيراً أن هناك من العرب من يعتقد أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى زوال الديمقراطية الأمريكية أو اضمحلالها وربما إلى تفكيك الولايات المتحدة أو نشوب حربٍ أهلية فيها ، الأمر الذي يقودها إلى التوقف عن دعم إسرائيل وبالتالي سيصب ذلك في صالح الفلسطينيين والأمة العربية.
هذه التوقعات لا تعدو عن كونها أضغاث أحلام وليس فيها من الواقعية شيء علماً بأن الولايات المتحدة قد تدخل في عزلة دولية، إذا فاز ترامب، وتتخلى عن تقديم الدعم للعديد من الدول النامية ولكنها لن تتخلى عن إسرائيل والسبب أن الرئيس الأمريكي لا ينفرد بالحكم لوحده بل يشاركه الكونغرس في ذلك وقد شاهد العالم بكل وضوح وفي عدة مناسبات ما تحظى به إسرائيل من تأييد منقطع النظير في الكونغرس، وكان آخر هذه المناسبات خطاب نتنياهو أمام الكونغرس والتصفيق الحاد وقوفاً الذي حظي به لأكثر من سبعين مرة خلال خمسين دقيقة. أما عن نفوذ اللوبي الصهيوني في الكونغرس وفي الدولة العميقة في الولايات المتحدة فحدث ولا حرج وهو غير مسبوق ولا مثيل له في التاريخ.
وعليه ، وليس حباً في كمالا هاريس بل تجنباً للخيار الأخطر أهيب بالعرب الأمريكيين مجدداً إلى التفكير ملياً قبل الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة الأمريكية ، وأن أصواتهم قد تحدث فرقاً يصب لصالح بلادهم . والله من وراء القصد.
*باحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية