الياس فاخوري*
من صرخة الفيلسوفة الأميركية اليهودية جوديت باتلر في وجه “النتن ميلكوفسكي” (بنيامين نتياهو): “انك بجنونك تدفع بيهود العالم الى المحرقة”، الى لافتة جامعة ماسشوستس: “آن الأوان لخروج أميركا من عباءة الحاخامات”، الى لافتة احدى تظاهرات “تل أبيب”: “النتن ميلكوفسكي” على شكل هيكل عظمي!
اما الهجوم السِيبراني على لبنان فقد خرج – كالمئات غيره – من كهف “يهوه”، وربما خدمةً لترامب وقد داهمها الوهم!
كيدوا كيدكم – فما ايامكم الا عدد، وما جمعكم الا بدد .. الم تصلبوا المسيح وكنتم قد تسببتم “بقتل جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ”!؟
فمن كهف “يهوه” الى كهوف تورا بورا، مازالوا يسعون لتقديمنا قرباناً للغاز والنفط .. وإذا كانت مذبحة “دير ياسين” عام 1948م تمثل عنواناً لنزف الدماء، فقد صارت “غزة” و”الضفة” و”لبنان” اليوم رموزاً لشلالات الدم .. كان موعد فلسطين مع أول مذبحة يوم 6-3- 1937م في سوق حيفا حيث استشهد 18 مدنياً وأصيب 38 على يد عصابة “الإتسل”، وكان موعد لبنان مع أول مذبحة في عام 1948م وهي مجزرة “مسجد صلحا” بالجنوب .. وفي السجل المتخم بالمذابح الصهيونية في فلسطين ولبنان ومصر تطول القائمة التي تحوي حوالي 300 مجزرة بدءاً بالعام 1937م ومروراً بمجازر ومذابح الشيخ، ابو شوشة، الطنطورة، قبية، قلقيليه، كفر قاسم، خان يونس، المسجد الأقصى، المسجد الإبراهيمي، مخيم جنين، قانا الاولى، قانا الثانية، وقرية “مروحين” وصور وبنت جبيل ومارون الراس وصريفا وصبرا وشاتيلا، مذبحة الأسري المصريين في حرب 1967م، ومذبحة مدرسة بحر البقر .. وها هي وتيرة المذابح تتسارع يومياً على أرض فلسطين من جنين وطول كرم، والخليل ونابلس إلى غزة .. هذا ولم تُشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة قد وقعت بطريق الخطأ، بل تؤكد التدبير لكل منها مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين، بل كانت كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم؛ في الأسواق، والعيادات، وفي الأحياء والبيوت – وبعضهم نيام..
امريكا و”اسرائيلها” تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية .. و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن في غزة وعلى ألمدى العربي!
نعم خرج المغول من القبور .. وتحولت غزة الى ناجازاكي القرن وهيروشيماه لنستعيد ذاك النوع من البربرية، ونتٓذٓكّر إحراق جثث الهنود الحمر .. كانت – امريكا و”اسرائيلها – وأَضْحَت، وأَصْبَحَت، وأَمْسَت، وبَاتَت، وصَارَت، ومَا زَالَت، وما بَرِحَت، وما انْفَكَّت، وما فَتِئَت، وظلَّت على الأسوار (أسوار غزة، والقدس، وكل فلسطين .. لبنان ومصر وكل العرب) تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية .. و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن! ورغم ذلك، وفي غزة وفلسطين، تتدحرج الرؤوس الاسبارطية، وتبدو “اسرائيل” محبطة على حافة الهاوية وكانها تقاتل، على نحوٍ دونكيشوتي، طائر العنقاء وتحارب أشباحاً تخرج من باطن الأرض ورمالها المتحركة. نعم، نحن على عتبة السنة الاولى بتوقيت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 وأسطورة المقاومة تتحقق في الميدان على أرض المعركه وأسطورة “إسرائيل” تتحطم وتُستبدل بالتلفيق والتدليس والتزييف والتمويه .. وهنا يبذل “النتن ميلكوفسكي” جل جهدة بابتذال الإيهام ان الدخول الى رفح تارة، والهجوم السيبراني على لبنان تارة اخرى، هو الانتصار ليسخر منه حتى إعلامه .. يعلم الجمع ممن ضم مجلسه ان “اسرائيل” تحت الركام والى زوال كما نقشت ذلك ديانا فاخوري .. فهل دقت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول لتعلن “هذه بداية النهاية” كما تنبأ “فرانز فانون” في “معذبو الأرض” .. ولم يكن “فرانز فانون” نبياً للمعذبين فقط، بل كان نبي المناضلين – رجال الله في الميدان وهم من اسقط السقوطُ، وفلسطين بقدسها، بغزتها وعزتها تعلو فكرةً، ويداً .. لبناناً، ويمناً، وشاما!
ويمضي المشعوذ “النتن ميلكوفسكي” في سياساته العمياء غير آبهٍ بتحذير ريتشارد هاس من “يقظة الدم”، ولا يعنيه تحذير البنتاغون من أن الغرق في لبنان هو الغرق في جهنم .. وهذا “يوسي ساريد” يرى فيه، اعني “النتن ميلكوفسكي”، اكتمال مواصفات حفاري القبور .. فهل سيودي بنفسه وبدولة الكيان الى المقبرة ذات فجرٍ او غروب!؟ الكل يذكر شخصية البهلوان، وأدائه اثناء الخدمة العسكرية، وعشقه للشاشات كأي راقصة من الدرجة العاشرة وقد انتقل من حزب العمل الى الليكود بكراهية ساحقة لكل من اسحق رابين وشمعون بيريز!
من طوفان الأقصى” الى “الصاروخ الفرط صوتي” فجر الأحد (Sept 15) و“يوم ال 40 – 8200″ فجر الأحد (Aug 25) مروراً ب”يافا” و”الوعد الصادق”! طوفان الأقصى بغزته والقدس ترفده ساحات المقاومة المتحدة، وينصره طوفان البحر بيمنِه ويافا والصاروخ الفرط صوتي، وطوفان السماء بالوعد الصادق وطير أبابيل والهدهد 1، 2، 3 وعماد 4 ويوم ال 40 – 8200 ..
وهذه غزة تتسلم ادارة العالم مذ دقّت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 استمراراً تراكمياً لانتصار تموز 2006 حيث تختزل “غزة” اللحظة الضرورية وتعيد تأهيل التاريخ ليكون تاريخ الانسانية .. نعم، من معركة الكرامة في آذار 1968 الى معركة الغوطة في آذار 2018، الى الانتصارات الاستراتيجية للجيش العربي السوري في الجنوب مرورا بالانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة)، فتحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001، وتحرير غزة عام 2005، ثم حرب تموز عام 2006 الى”حسان” بصحبة “ذو الفقار”، و“سيف القدس المسلول”، و”ثأر الاحرار”، و”كتائب أحرار الجليل” و”كتيبة الرضوان”، و“قسماً قادرون وسنعبر”، و”جنينغراد” ف”جنيبلسغراد”، وفلسطين بحطّينها وعين جَالُوت، ووحدة الساحات، ووحدة الجبهات بعريسها بطل معبر الكرامة “ماهر الجازي” — ”يميناً، بعد هذا اليوم لن نبكي”، وباسم الله نقرأ “الصف – 13″، وَالبشارة للْمُؤْمِنِينَ: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ” ..
وللمحتفين تمجيداً بالقوة الإسرائيلية وتصويرها على الطريقة الهوليوودية في فيلم رامبو، وكأن كبتاً كان قد حلّ بهم خلال ما مضى مُنذ ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 لينفجروا الان، نسأل:
– هل ترك الاسرائيليون الملاجئ والأماكن المحصنة؟
– هل عاد المستوطنون إلى شمال فلسطين المحتلة، وهل عاد ابناؤهم الى المدارس!؟
– هل تم محو كل وجود لحركة حماس في القطاع!؟
– هل تمّت السيطرة على غزة!؟
– هل تم الإفراج عن المحتجزين لدى حماس!؟
– هل تم تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية!؟
– هل تم تهجير سكان غزة إلى سيناء!؟
– هل عادت السفن المتوجهة الى موانئ الاحتلال للعبور من البحر الأحمر!؟
– هل عاد ميناء أم الرشراش (إيلات) للعمل!؟
– وماذا عن حال الأمن في مدن الاحتلال وحال الكهرباء،ومصير منصات النفط والغاز وخزانات الأمونيا!؟
نعم، هلكتهم الروح الغزّية بايمانها وصرختها ان الجنة اقرب الى غزة وكل فلسطين من سيناء ومن الاردن ومن لبنان واي مكان! وهنا لا بد من الاعتراف بقوة عقيدة المقاومة الدينيّة وفعاليتها مقارنةً بالعديد من عقائد المقاومة القوميّة واليسارية، وربما مواكبةً لبعضها وعلى نحوٍ تراكمي قوامه الفداء والاستعداد للبذل والتضحية لنصل الى التغيير الكيفي بانتصار الدم على السيف .. و”إنا فتحنا لك فتحا مبينا” (الفتح – 1) .. “وينصرك الله نصرا عزيزا” (الفتح – 3)!
واذ يطالعنا “ماهر الجازي” ووجه “ديانا” والسماء ببسمة لكأنها بسمة انبياء، نستذكر سميح القاسم:
“هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي
هنا .. سفر تكويننا .. في ابتداء!”
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
*كاتب اردني