هيام وهبي*
*ولا تَهِنوا ولا تَحْزَنوا وأنتم الأعْلَوْنَ إن كُنْتُمْ مُؤمِنيِن*
.. السلام على الأشلاء المتناثرة ..
السلام على الأوصال المقطّعة والأطراف المبتورة ، والعيون المنطفئة ..
السلام على الأرواح السارية الى السماء لتحرس جبال لبنان وأرزه ، وقباب القدس وكنائسها ..
السلام على الدماء التي
سالت فرَوَت ألأرض وحًمَت العرض ..
السلام على وطنٍ لا يتقاسم فيه شركاء الوطن الخبز والملح بل يتقاسمون الدم والكِلى والعيون .. السلام على هذه النفوس الأبيّة .. والجباه العالية .. والهمم التي لا تثبطها المحن .. ولا يحبطها الألم .. ولا يتزعزع إيمانها أمام الموت .. السلام على الجرحى الذين لا يأبهون لجراحهم ولا لأطرافهم المبتورة وجلّ همهم العودة إلى ميدان الجهاد وكل أملهم أن لا يمُسّ الحزن قلب حبيبهم ،سيد المقاومة لمصابهم ..
السلام على أجمل الأُمّهات التي أنتظرت إبنها فعاد مستشهداً .. فرممت قلبها المكسور.. ولملمت حسرتها وأحتسبته عند الله ولم تنزوِ في ثياب الحداد ..
السلام على هذا الصبر الجميل وهذا الإيمان العميق .. وهذا التأسّي بأهل بيت النبوّة ..
السلام على هذه الميزات التي قلّ مثيلها من نخوة ومرؤة .. لهفة .. وإيثار.. شهامة ومحبة.. تعاطف وانتماء.. وطنية ومكارم أخلاق.. عطاء وكرم تجاوز كل المقاييس ليصل الى التبرع بأجزاء من الجسد ..وتمنيّات لوهب الروح..
أي مشهد هو هذا الذي رسمه هذا الشعب من قلب المأساة .. من عُمق الجرح المفتوح على وقع الموت..
أي مشهد هو هذا الذي جسّده هذا الشعب المتماسك المصدوم ببشاعة الغدر الصهيوني ولؤم الامريكي الحامي للسفاح ومن هول الجريمة..
ومن باطن هذا السواد وهذا الحزن تجلّت الإنسانية بأرقى صورها .. المشاعر النبيلة التي تظهر عند الشدائد .. الضمير الذي تحاول أمريكا خنقه كي تبني على جثته منظومة قيَمها الشيطانية ..
هذا العدوان رغم قسوته إلّا أنه أكد للصهيوني والأمريكي أن لبنان عصّي على التشرذم رغم بعض الأصوات القليلة النابحة والتابعة لهم . . هذه المشهدية رغم فظاعتها وخسائرها إلّا أنها قالت للثقافة التي يحاولون تعميمها في بلادنا لا .. لا.. نحن ما زلنا نحرس القيَم .. ونتصف بالأخلاق .. ونصِل الرحم .. ونقدّس العائلة .. نحن ما زلنا (إنسان) …!!!
ولن ننساق وراء خططكم ومؤامراتكم لتدمير البشرية .. ولتدمير الفطرة الخيِّرة لدينا.. لا لماديتكم وفرديتكم وذاتيتكم .. لا للنيوليبرالية التي تنشرونها في العالم مترافقة مع كل المفاسد والشذوذ الأخلاقي.. لا للكيان المحتضر الذي تحاولون حقنه بالأوكسجين كي يبقى على قيد التاريخ والجغرافيا ولن تفلحوا أبدا ..
هذا العدوان الهمجي الذي أنتهك فيه السفاح كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية أظهر المعدن الأصيل للشعب اللبناني الذي أنتفض لإنسانيته التي مسّها الكيان الغاصب .. إنتصر لأبناء وطنه لأربعة ألاف إنسان تعمد دراكولا التلمودي قتلهم في لحظة واحدة..
هذا الشعب العظيم توحد أمام الدماء البريئة ..والأشلاء الطاهرة المتناثرة في جنوبه وبقاعه وضاحيته المباركة..
صحيح أن الضربة قاسية ووحشية ولكنها رغم قسوتها ليست قاتلة ولم تؤثر على معنويّات المقاومة وجمهورها ولن تقف في طريق النصر القادم ..هذا العمل الجبان يعني أنهم في مأزق كبير وضياع وهزيمة مخزية وقد أستخدموا آخر أوراقهم بنيّة إضعاف حزب الله ولكن النتائج جاءت مغايرة لمخططاتهم لأن حزب الله سيخرج من هذه المحنة أكثر قوّة وصلابة فما حصل لم يمُسّ عزمه ولا جهوزيته ولا حضوره على الجبهات ، لأن بُنية المقاومة قوية شامخة بفضل الله وفضل شبابها السابح في بحر الشهادة
حتى الوصول إلى شاطئ التحرير .. هؤلاء الشهداء والجرحى الذين ستُزهر جراحهم انتصارات تغمرنا بالعزّة وتكلل رؤوسنا بالغار .. لهم المجد والخلود والإكبار والإجلال .. والثأر لهم سيكون كبيراً . فبيننا وبين هذا العدو المتغطرس الأيام والليالي والميدان .. بيننا وبينه جثامين الشهداء وآلام الجرحى ودموع الأُمّهات ..فمن عمق الألم سيولد الأمل.. ومن هذا السواد سينبلج النصر ..
فلا تشرق الروح إلا من دُجى ألَمِ..
هل تُزهر الأرض إلّا إن بكى المطرُ …
*كاتبة لبنانية