اليمن الحر الأخباري

الإعلام المُتصهين يزيف الحقائق!

د. طارق ليساوي*
حاولت من خلال مقال “على خلفية تصريح “بوريطة”: لا يجوز شرعا و قانونا مساواة الضحية بالجلاد…”التعليق على تصريح “مستفز” للسيد وزير الخارجية، وأوضحت بأنه لا يجوز قانونا ولا شرعا وصف المقاومين بالمتطرفين وجمعهم في نفس سلة دولة الإرهاب والاحتلال والتمييز العنصري، أما من الناحية الأخلاقية و القيمية الصرفة، فمن العيب أن ننتقد من يدفع ضريبة الدم ويتعرض لظلم شديد من قبل محتل غاشم يشهد القاصي والداني على إجرامه وساديته وخرقه لكل المواثيق والعهود والأعراف، من العيب أن يتم التشكيك في الشرفاء وبخس جهودهم و وصفهم بالمتطرفين او المغامرين بحسب أخرين، لأنهم إستشرفوا و تنبهوا لمخططات الكيان الصهيوني..
سقط متاع:
فمن حسنات طوفان الأقصى أنه كشف ومحص الطيب من الخبيث والصالح من الطالح والسمين من الغث، و للأسف قطاعات واسعة من الأمة مجرد غثاء وسقط متاع، وأغلب صناع القرار في عالمنا العربي تنازلوا عن الكثير من القيم و المبادئ النبيلة التي ميزت شعوب المنطقة، فالعرب في جاهليتهم كانوا ينتصرون لبني قومهم، وإن كانوا ظالمين، ويتدافعون لنصرتهم “انصر أخاك ظالما أو مظلوما”، هكذا كانت مروءتهم، بغض النظر عن صوابيتها أو خطئها، لكنهم يرفضون- بدافع الحمية – الاعتداء على قومهم، فما بال عرب اليوم حتى مروءة الجاهلية قد تخلوا عنها، بعد أن تخلوا عن جوهر دينهم الإسلام !!
كلنا إسرائيـليون:
وتعليقا على تدوينة” بوريطة” ذات الصلة بمقال اليوم ، علق أحد المتابعين على صفحتي الرسمية بالقول : “يا رجل انظر الى المنطقة بتجرد وموضوعية لترى أن الحابل قد اختلط فيها بالنابل، لا سيما وأنها مهبط الديانات السماوية الثلاث المتناحرة منذ القديم، من يهود ومسيحيين ومسلمين وما تلاهم من إسرائيـليين وصـهاينة ويـهود وشيـعة وسنة وحداثيين وملحدين… وكل من هؤلاء بينهم معتدلون ومتطرفون ومحايدون ومسالمون.. لذا وانت “كمثقف” عليك بالدعوة إلى التهدئة والحوار بدل التحريض على العنف الذي لم يجن منه العرب والمسلمون سوى الهزائم النكراء الشنعاء” ..
دحض الأطروحة:
وردي على ما جاء في التعليق أعلاه من خلال ملاحظتين:
أولا- اقول لصاحب التعليق كلامي نابع من رؤية موضوعية و بانورامية ومستقلة لواقع إقليمي ودولي متغير، وان التوازنات السابقة ليوم ملحمة 7 أكتوبر، قد ولى زمانها، والعالم تغير رأسا على عقب، ومن ضمن عناصر التغيير سقوط أسطورة الكيان الذي لا يقهر والعقل الصهـيوني الخارق وغيرها من الاساطير المؤسسة لدولة الاحـتلال التي لن تكمل بكل تأكيد عقدها الثامن والايام بيننا ..
ثانيا-لابد من تصحيح المفاهيم ووصف الامور التوصيف الصحيح والعلمي بعيدا عن التحيز للقوي، مقاومة الاحتـلال ليست تطـرفا وذلك بنصوص القوانين والمواثيق الدولية، و قبل ذلك الشرائع السماوية و في مقدمتها الاسلام ..
كلنا مقاومون :
وهذه الامور فصلتها و شرحتها بوضوح في المقال أعلاه، وأعيد التكرار للمرة الألف ،من اراد ان ينزل “سرواله” فهو حر في نفسه، والايام بيننا وسوف نرى من هو على حق ومن كان على باطل ، والمظاهرة المليونية التي شهدتها العاصمة المغربية الرباط يوم 6-10-2024 كافية لإظهار الصالح من الطالح، و المتصـهين الوظيفي من المقاوم الشريف .. فإذا كان دعاة” كلنا إسرائيـليون” على حق فلينزلوا للشارع حتى نرى صدق إدعائهم و مدى تأثيرهم، فقلوب و أفئدة غالبية المغاربة مع فلسطين و لبنان و مع المقاومة و لسان حالهم “كلنا مقاومون” …
الافعى الرحيمة تنقذ السمكة :
و شخصيا اتكلم عن ما اومن به و أراه صحيحا و مسؤوليتي كرجل علم و مثقف و رجل إعلام ، منتمي لهذه الأمة قول كلمة الحق بكل تجرد، فانا اخاطب جمهور الأمة الممتد من طنجة إلى جاكرتا و هذا المجال الحيوي الذي لا فكاك عنه للخروج من دورة التخلف و التبعية ، و توضيح خلفية المصطلحات ضرورة أولية لفهم سياقات و مقاصد كل حديث او تصور …
و علينا أن نتحمل مسؤوليتنا كل من موقعه في دعم المقاومة و الدفاع عن الحقيقة و مقاومة تزييف الحقائق، فمنهجية عمل الاعلام الغربي و الاعلام العربي المتـصـهين تقوم على التزييف و التضليل و التضبيع و الاستحمار ، فهو يصور الجلاد ضحية و الضحية جلاد، و المقـاوم و المدافع عن أرضه و عرضه “متـطرف” و “دولة الإرهـاب و الإبـادة و اغتـصاب الارض و تحريف التاريخ، تدافع عن نفسها على أرض هي في الاصل تم احتلالها منذ مطلع القرن العشرين بتهجير و إبـادة اهلها و و حصار البقية الباقية ، فلسـطين أرض محـتلة و مـقاومة الاحتلال حق مشروع ..فالاعلام المنحاز للصــهاينة يقلب الحقائق و يزيف المصطلحات و يصور الافعى الرحيمة تنقذ السمكة من الغرق في الماء ..
إصنعه أنت و سميه ماشئت:
و الإعلام و الكلمة و الصورة و كسب العقول أخطر من كل قصف مدفعي أو صاروخي أو اجتياح بري ، و الهزيمة الحقيقية هي كسر الإرادة و زرع الوهن في النفوس ، و في هذه المعركة الفاصلة و الحاسمة ينبغي أن نفصل و نُمَيز بين الإعلام المقاوم و الإعلام المقاول..
فغالبا ما نطالب أصحاب المال و السلطة و النفوذ بإحترام حرية الرأي و التعبير، و رفع اليد عن حقوق التجمعات و تأسيس النقابات و الجمعيات و الأحزاب، و نحاكمهم أمام الرأي العام، بعدم إحترام قواعد الديموقراطية و مبادئ حقوق الإنسان ، ونرفع شكوانا إلى كل المحاكم وصولا إلى محكمة العدل الدولية…و هذا ما يجري إبتداءا من أصغر القضايا إلى أكبرها ، من قضية حجب حساب فايسبوكي إلى حجب قضايا الإبادة الجماعية في غزة و عموم فلسطين..
نطالب المعتدي و الطاغية و الظالم بأن يحترم حقوق الإنسان ، و أن يترك لنا المجال لسبه و قذفه و إنتقاده و فضحه على منصات و قنوات و تطبيقات هو صاحبها و مالكها و مخترعها !!
وأذكر في هذا الصدد مقولة للبروفيسور المهدي المنجرة رحمه الله، حين طلب منه أحد الحاضرين بأن يسمي الكومبيوتر “حاسوبا” أو “حويسبا” وقال له المهدي رحمه الله: “إصنعه أنت و سميه ماشئت” ..
وبيت القصيد، أن الضعفاء و المستضعفون و أصحاب القضايا العادلة مطالبون بإنتاج خبزهم و لباسهم و دوائهم و أقمارهم الصناعية وشبكاتهم للمواصلات والاتصالات، وعدم الإكتفاء بإيجار أو إستئجار مساحات ضيقة على هذا القمر أو ذاك ، أو على هذه الشبكة أو تلك، و الإكتفاء بالتوسل و التسول، و البكاء على ظلم الظالم …
الاستقلال التكنولوجي والإعلامي:
و في هذا الصدد أعاتب الجماعات و الكيانات السياسية التي ترهن مصيرها بمصير تكنولوجيات مستوردة ، و تعمل و تشتغل بنفس منطق الأفراد، على الكيانات المقاومة الاجتهاد في سبيل الاستقلال التكنولوجي والإعلامي و في هذا الصدد نحي جهود المقاومة الفلسطينية و غيرها من الفصائل التي حاولت توطين التقنية العسكرية، كما نشيد بشهود كل دولة إسلامية تحاول صناعة سلاحها و غدائها و دوائها ..
و هنا أتساءل ما الذي يحول بين العرب و بين صناعة و إطلاق أقمار صناعية حقيقية، دون الحاجة إلى كرائها أو شرائها جاهزة من لدن الشركات و البلدان الغربية ؟! أتساءل لما لا يهتم صناع القرار السياسي ببلداننا بالسيادة الإعلامية ، شأنها في ذلك شأن السيادة المالية و المائية و الدوائية و الأمنية و العسكرية ؟! ألسنا في زمن الإعلام و عصر الفضاء ؟ أم أن هناك “فيتو ” بهذا الشأن لا نعلم عنه شيئا؟
ضعف الإعلام الحر:
و الواقع أننا لا زلنا نعاني من غياب -أو على الأقل- ضعف الإعلام الحر الموضوعي و النزيه المنحاز لإرادة الشعب مع حرصه الشديد على ضمان قدر نسبي من التنوع و التعددية في طرح الرأي و الرأي الأخر، تعدد يشمل المعارضة و الأغلبية، يحترم صوت الأقليات العرقية والدينية و يضمن حقها في التعبير عن مواقفها و تطلعاتها…
للأسف ليس لدينا إعلاما بهذه المواصفات، و السبب يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل، فمجتمعاتنا العربية لازالت تعاني من أمراض التخلف، كالفقر و الأمية و غياب مفهوم الرأي و الرأي الأخر، فقاعدة المقروئية و التأييد لازالت جد ضعيفة و بالتالي فالصحافة لازالت مرتبطة بأجندات خاصة و لم تنخرط بعد في أداء دورها الأساسي في توجبه وصناعة الرأي العام، فهي لازالت في الغالب مجرد أداة في يد الأنظمة الحاكمة ومن يدور في فلكها..
سياسة التضييق:
كما أن حرية الإعلام وحرية الصحافة لازالت شبه غائبة، فحرية الإعلام لا يمكن فصلها عن الحريات العامة للشعوب، و الشعوب لازالت مكبلة بقيود الاستبداد و الطغيان المحلي و الأجنبي ، فالسلطة مازالت تتعامل مع مجال الصحافة والإعلام، كأداة أساسية في تمرير مخططاتها السياسية، وإستراتجيتها في المجتمع، تارة عن طريق التحكم في عدد من الصحف وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتارة أخرى في التضييق على حرية التعبير وفي العديد من الأحيان، تلجأ إلى افتعال مشاكل ونزاعات، بل وتخلق توترات في المجال السياسي، عبر قمعها لحرية الصحافة وتعريض بعض المؤسسات الصحفية إلى المحاكمة أو الرقابة أو الحجز والمنع… والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
*كاتب وأستاذ جامعي مغربي

Exit mobile version