اليمن الحر الأخباري

الصراع الجاري واهمية التروي في الاستخلاصات والنتائج!

 

د. بلال اللقيس*
تناور الإدارة الأمريكية – الإسرائيلية بين عدة مقاربات في التعاطي مع إيران وحليفها الأبرز على المتوسط حزب الله وتسعى لتكامل مساعيها لكن صعوبات فعلية لا زالت امامها. هل تعاجل في هذه المرحلة لحديث السياسة وانتاج تفاهمات سياسية لصالحها بعدما وجّهته لعدوها اللبناني ام أنّ الانجازات التي حققتها لا تزال تكتيكة وبعيدة عن ان تتحول إلى معطى استراتيجي وضمانات فعلية موثوقة، أم أنّ لحظة السياسة لم تحن بعد إلا للمناورة واظهار صورة الدبلوماسية واستكمال العمل العسكري لحين ضرب بنية حزب الله وحرمانه من نفوذه الاقليمي بالكامل ومنع إيران من التأثير في مجريات المنطقة والإطلالة الجيوبوليتيكية على المتوّسط !!
هذا الرأي ينطلق من تقدير أنّ حزب الله لم يضعف بعد بما يمكّنهم من مباشرة سياسة عزله كمحطة ضرورية نحو ساحات محور المقاومة، فلا زال حزب الله قادراً على إعادة احتواء المشهد والنهوض وربما المبادرة لذلك فان عدم استمرار العمل العسكري لإضعافه وتفكيك بنيته سيتيح له ولإيران اعادة ترميم ذواتهما وترتيب أوراقهما مجددا.
اصحاب هذا الرأي يرون ايضا انه لن يكون هناك فرصة أفضل من الحالية لكسر وتفكيك بنية حزب الله وإضعاف نفوذه وإعادة استيلاد الهيمنة لا سيّما أنّ الدعم الغربي مفتوح وبلا حدود ولا ضوابط وكذلك توافر الدعم العربي وغياب الشارع الإسلامي والعربي عن أي دور بينما إسرائيل تتنطح لدور طال انتظاره لتنفيذ ارادة الولايات المتّحدة الأمريكية القديمة المتجددة بإعادة تشكيل المنطقة وإخضاعها. لذلك إنّ المطلوب اليوم هو النصر المطلق كما أطلق عليه نتانياهو بما يوحي أنّها حرب بلا أهداف سياسية ولا تتحّقق الا باجتثاث العدو. وبين هذين الرأيين تتزايد الفرص والتهديدات عند كل من المتحاربين المباشرين وغير المباشرين على مسرح الصراع. بالنسبة لرواد هذا الراي الوقت داهم ولا يحتمل التجربة مجدداً في احتواء حزب الله وإيران لا سيّما بعد تجربة عقود من المحاولات الفاشلة تمكن فيها حزب الله من شراء الوقت وتطوير قدراته، كما ان استحقاق نتائج الانتخابات الأمريكية سيوثر على قدرته على المناورة واللعب بين المرّشحين وابتزازهما لصالح اللوبي الصهيوني وإسرائيل.
الوقائع والقرائن تؤكد ان الأمريكي الإسرائيلي تجاوزا الدبلوماسية ومنطقها ويسيرا باضطراد إلى لغة القوة والسلاح والتصعيد وعالم جديد معياره الوحيد التوحش والقوة المادية، فهذا آخر ما لديهم لاستنقاذ عينتهم المتراجعة. لهذا الغرض يلاحظ كيف تسارع الادارة الأمريكية لاعتماد نظرية “post truth ” فتسحبها من مجال الإعلام الى ميدان السياسة، (هو يفترض معطى ويوهم الآخر أنّه واقعي ويغره ليبني عليه، ربّما لأنّه يعتبر أنّ ما يراه هو الواقع وأنّ الجميع سيحتذي رؤيته ونظرته للأمور ويجعل المتخيل بالنسبة اليه او المرغوب هو الواقع )، فيستعجل تبنّي مقاربة أن حزب الله ضعُف وتصوّر لتسويات سياسية يريد تعميمها كنوع من سرقة اللحظة بتهميش خصمه وعدوه اي المقاومة !!، ويجّد العمل لجعل الدولة ” السيدة “هي التي المولجة ان ترث التراجع المفترض والمتصّور ما يجعله مسارعاً لانتخاب رئيس كمقدّمة لهذا المسار. لا يمانع الإسرائيلي من هذا المسار لكنه لا يومن انه سياتي بنتيجة، فالإسرائيلي القابض على عنق الادارة الأمريكية اليوم قبيل الانتخابات يعتبر ان نصب عينيه ليس ١٧٠١ بل 1559 الذي لا يمكن تحقيقه الا باستكمال العمل العسكري، وتعرف حكومة نتانياهو أنّ توقف الحرب مع لبنان حالياً ستُجهض مرادها لتغيير المنطقة وستفتح عليها الأسئلة الكبرى وكيف عرّضت أمن كل بقعة في الكيان للإنكشاف والاستنزاف المفتوح ولم تحّقق ما وعدت به للشارع الإسرائيلي من وعود وأهداف.. وهو ما تفهمه اميركا جيدا وتمارس لعبة التحايل بإظهار التباين مع إسرائيل عليه.
في مقابل الفعل الأمريكي والجبهة الغربية وفي ظل غياب دور عربي –أغلبه متواطئ على غزّة وشعبها ولبنان واهله – تقوم إيران منفردة بدور ذي عدّة شعب، دبلوماسي لاحتواء التوّتر ووقف الحرب في غزّة ولبنان والقاء الحجة على الأطراف العربية مجتمعة وشرح الآثار والمخاطر المترتبة عن ذلك على المنطقة والعالم بأسره وتطوير طبيعة حضورها من الرعاية والدعم الى المباشرة بالصراع، والخروج من مربع الصبر الاستراتيجي الى الإقتحام الحكيم. قد تعتبر إيران أنّ هذه اللحظة هي لحظة التقدم خطوة الى الأمام باعتبارين اثنين، إنّ عدم السير خطوة الى الأمام ستكّلفها كثيراً لاحقا وهذا ما كان الوقت فيه ضروري لإقناع المجتمع الإيراني بكّله بضرورة التحرك وساعد عليه اغتيال أمين عام حزب الله بشكل خاص وثانياً أنّ تقدّم إيران خطوات الى قلب المعركة سيفرض على المرشّحين الى الرئاسة الأمريكية تقييد الاسرائيلي لما يمكن أن تواجهه المنطقة من مخاطر قد تتحوّل الى حرب عالمية نتيجة سوء تقدير ما – بحيث أنّه إذا كانت الحرب العالمية الأولى والثانية مسرحها أوروبا ومولدّها نازية هتلر وفاشيته وغروره ونشوته بإنجازاته في الأشهر الأولى، فالأمور أشباه، بحيث يمكن أن تكون منطقة الشرق الأوسط مرشّحة اليوم لتكون مسرح الحرب العالمية وتكون الحكومة اليهودية الصهيونية الأكثر تطرفاً في إسرائيل وغطرستها وتطرفها المريع هي الدافع الأوّل لذلك وها هي أطلقت على حربها حرب القيامة – وليس خافياً أنّ روسيا والصين في حساباتهما البعيدة والاستراتيجية مضطران لإشهار مواقفهما بوضوح اكثر بدل اللقاءين موقع التهّرب والمناورة والتمويه، فما يحصل اليوم هو رسم خرائط وكيانات ما يضع الكّل أمام مسؤوليات كبرى وتاريخية ويتطلب وضوح، وتدرك. ايران ان الإقتصاد العالمي يعاني من أزمات عميقة ولم يتعاف بعد ولا يحتمل مزيد من الانزلاقات الخطيرة والتعّثر، وأنّ الفوضى التي يمكن ان تذهب اليها المنطقة لن تستطيع ملؤها أميركا ولا الغرب ما سيؤدي الى انهيار مصالح اميركا وحلفاءها خصوصاً أنّ غالبية الدول الحليفة لأميركا هشّة لا سيّما الخليجية منها والأردن، ناهيك انّ إيران ستغادر مربّع النووي السلمي إذا وجدت وجودها في خطر وستزداد تشّدداً، فانتقال المنطقة من “شبه استقرار كلّي ” الى “فوضى شاملة” ستجّر ويلات على إسرائيل أولاً فضلاً عن مصالح وحلفاء أميركا والعالم بأسره فضلا عن الجميع، فالحرب الشاملة لن يكون بمقدور احد في العالم ضبطها ولا إيقافها ولا تحديد نهايتها ودوائر اتساعها. وهي لن تكون كالشرق الأوسط الجديد الذي أرادته أميركا مطلع الألفية الثالثة وتريد إسرائيل إكمال المهمة وتقدم نفسها لهذا الدور الكبير، وربما الأكبر منها بكثير.
في الخلاصة، المنطقة على فوّهة بركان والارادة الأبرز في تحديد مسار الأمور ستكون إيران بينما ستكون إسرائيل مشعل ثقب العود. إيران باتت في قلب الملعب وبالمباشر ما يضّيق هوامش المناورة والحسابات الخاطئة، فإذا نزل ظهير قوى المقاومة الميدان – أي إيران- فلا يعود هناك من ظهير ويعني أن الصراع بلغ ذراه وأنّ المعركة ستأخذ طابع الوجودي بالنسبة لمحور المقاومة وسيلعب كل الأوراق ودون ترّدد ولن يترك بحوزته أوراق حينها كما يفعل اليوم، هل ستقود التقديرات الخاطئة ونشوة حكومة نتانياهو الى حرب عالمية، يبقى احتمال وارد وفعلي، فكل أسباب اندلاعها متوافرة خصوصاً مع تحّول تمّر به أميركا وغياب قيادات سياسية تاريخية في الغرب وفي ظّل اعتوارات في النظام الدستوري الأمريكي يتيح لإسرائيل ان تتحوّل اللاعب الانتخابي الأوّل الذي يسارع الطرفان لإسترضائها وتعمد لابتزازهما لخدمة أجندتها المتهورة.
أمّا لو أخذنا بفرضية عدم انجرار المنطقة الى حرب شاملة، هل ستستطيع أميركا ومعها الغرب وإسرائيل أن يحّققوا الهدف بلعبة الاستنزاف المتبادل والعميق، أم أنّهم يتعجّلون جداً. الأيام القليلة الماضية كشفت لنا أنّ من يستعجل الحديث عمّا بعد حزب الله مخطئ التقدير، لا زال حزب الله وجمهوره متلاحمان وأثبت قدرته على استعادة التوازن سريعاً ثم بدء استعادة المبادرة بشكل سريع في الميدان وهذا دليل كاف على قوّته وتجّذره ورسوخ فكرته في بيئته وبين أفراده، وباتت مفاجآته تتوالى تباعاً ويُري منها كل حين المزيد، ويبدو أنّه يريد أن يدخل الكيان الإسرائيلي كله في استنزاف طويل ومفتوح يكون لأوّل مرّة كل الكيان تحت الضربات والمفاجآت بما يعّمق أزمة الكيان ويزيد باضطراد عدد النازحين من الشمال الى الوسط ومن الوسط الى الخارج (خارج حدود فلسطين)، يبدو أنّه يعمل بنفس طويل لجعل حياة إسرائيل نكداً بلا أمن ولا أمان ولا فرص فيها للإستثمار بل هروب للمستثمرين ويطيح بنمط الحياة الذي عرفه مستوطنو إسرائيل في العقود الماضية وشكّل مادة الجذب اليها، لذلك الأحرى لمن يبحثوا في هذه المرحلة الحرجة أن يفّكروا ملياً بالسؤال التالي – ولو أنّي أطرحه كفرضية – أراها قوّية وواقعية وستحصل :
ماذا لو أنّ حزب الله ازداد توّهجاً بعد اغتيال أمينه العام وازداد احتضاناً من بيئته وازدادت ثقة شرائح إضافية به عربيا وإسلاميا وازدادت حاجة القوى الدولية المناوئة لاميركا لانتصاره !! وماذا لو تخّلص من بعض التحّفظات التي حكمت رؤاه سابقاً كون المعركة بالنسبة اليه صارت معركة وجود !! ساعتئذ أظّنهم سينزلون من غرورهم ليعيدوا النظر في كثير من الادعاءات المتسّرعة وينزلوا الى أرض الواقع الفعلي…. لا بأس أن نشير لأمر يستّحق التأمل , إنّ حركة حزب الله لا تقرأ سياسياً إنّما تتنبأ أي من زاوية التاريخ وحركة التاريخ. حزب الله اليوم أقوى ممّا يتوّقعون ويحمل في جعبته الكثير للمرحلة المقبلة، وهو اليوم في أفضل شرعية شعبية في تاريخه (عربياً وإسلامياً ووطنياً ) ومشروعيته الأخلاقية في ذروتها التي لا نظير لها بعد اصطفافه الى جانب فلسطين وأهلها وربّما يكون لشعوب محور المقاومة العربية والإسلامية المتآزرة اليوم في معركة المصير – شعوب العراق واليمن وفلسطين ولبنان والبحرين وافغانستان وإيران، وغيرهم من القوى وربما مصر – ولو كان بعضهم في حالة كمون -، لا بأس أن يستحضروا أن ّ حزب الله ولد حزباً ثورياً من رحم الألم واشتّد عوده وقوي حضوره في قلب التحّديات القاسية، اليوم هناك إمكانية أن يقوى أكثر بكثير ويتحوّل الى فاعل ثوري بمد ثان…. هذا ما عليهم أن يأخذوه بعين الاعتبار أيضاً حين يشرعون في التحليل وصناعة السياسات!! وافترض انهم لا يغيب عن بالهم فشل الأصيل خلال العقدين الماضيين بكل ما امتلكه من زخم ووزن عالمي لتغيير المنطقة اي اميركا، فهل سينجح الوكيل (إسرائيل) بتحقيق ما فشل عنه الاصيل !!!

*كاتب وباحث سياسي لبناني

Exit mobile version