د. حامد أبو العز*
إن استشهاد يحيى السنوار، زعيم حركة المقاومة الفلسطينية حماس، في مواجهة مباشرة مع القوات الإسرائيلية، يرمز إلى لحظة عميقة في النضال ضد الاحتلال والاستعمار. ولم يكن استشهاده في ساحة المعركة شهادة على التزامه فحسب، بل وأيضاً على روحه التي لا تلين. إن الموقف الأخير للسنوار يجسد جوهر المقاومة ــ الوقوف بشموخ والقتال حتى النفس الأخير. وتقف أسطورته الآن بين الشهداء الفلسطينيين الذين يرمزون إلى التحدي في مواجهة قوة عسكرية ساحقة.
لقد اتسمت زعامة السنوار برفضه للتنازل، واستراتيجيته في المواجهة المباشرة، والتزامه الشخصي بالقضية. لقد جسد روح الصمود منذ إطلاق سراحه في صفقة “وفاء الأحرار” (صفقة شاليط) في عام 2011. وروجت إسرائيل على مدار أشهر وأشهر أن السنوارخلف الكواليس، مختبئاً في الأنفاق أو محاطاً بالرهائن ولكن لحظاته الأخيرة أثبتت العكس، فقد كان قائداً بالقدوة على الخطوط الأمامية. إن رفضه اللجوء أو الاختباء أو السماح للآخرين بحمايته يتحدث كثيرًا عن شخصيته والرسالة التي أراد إرسالها إلى شعبه والعالم.
إن استشهاد السنوار، على الرغم من كونها خسارة عميقة للمقاومة الفلسطينية، لا تقلل من تضحيات الشعب الفلسطيني. بل على العكس من ذلك، فإنها تعمل على تضخيم النضال الجماعي، وتسليط الضوء على الطبيعة العميقة الجذور للمقاومة الفلسطينية. كل فلسطيني، من المقاتلين على الخطوط الأمامية إلى المدنيين الذين يتحملون المحن اليومية للاحتلال، يساهم في هذه المقاومة التي لا هوادة فيها. لذلك، يجب النظر إلى أي خطة لإعادة تشكيل غزة أو مستقبل فلسطين تحت ستار “إعادة البناء” أو “إعادة الإعمار بعد الحرب” بعين الريبة، لأنها غالبًا ما تخدم مصالح القوى الأجنبية وليس مصالح الفلسطينيين.
في أعقاب استشهاد السنوار، هناك دفع مقلق من قبل الجهات الفاعلة الخارجية لفرض “خطة ما بعد الحرب” لغزة. وفقًا لوكالة الأنباء الأمريكية أكسيوس، يدرس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حاليًا مثل هذه الخطة، والتي يزعم أنها تستند إلى مقترحات من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. يثير توقيت هذه الخطة – المقرر تقديمها بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية – تساؤلات خطيرة حول الدوافع وراءها. غالبًا ما تتنكر مثل هذه الخطط في هيئة محاولات لتحقيق الاستقرار في المنطقة أو إحلال السلام، لكنها في الواقع تعطي الأولوية لمصالح أصحاب المصلحة الأجانب والمحتلين على تقرير مصير الشعب الفلسطيني.
إن تعاون الاحتلال مع الإمارات في تشكيل هذه الخطة المستقبلية أمر مثير للقلق بشكل خاص. إن تعميق الإمارات مؤخرًا للعلاقات مع إسرائيل، وخاصة أثناء الصراع في غزة، يزيد من تعقيد الوضع. لقد أصبحت الإمارات داعمة نشطة لإسرائيل، حيث أعلنت شركة طيران الإمارات عن زيادة عدد الرحلات الجوية إلى إسرائيل، حتى في أوقات الصراع. إن هذه العلاقة المتزايدة ليست اقتصادية فحسب – بل إنها تشير إلى تحول خطير في التوازن الإقليمي، حيث تعمل كوسيط للمصالح الإسرائيلية بدلاً من الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
لقد أثار تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل موجة من الغضب، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية، بل وأيضاً بين الناشطين المؤيدين للفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك داخل الإمارات نفسها. ومؤخراً، ظهرت صور لجنود إسرائيليين، كثير منهم شاركوا في العمليات العسكرية في غزة، وهم يستمتعون بأوقات فراغهم في الإمارات. ولقد أثارت هذه الصور للجنود المسؤولين عن مقتل عدد لا يحصى من المدنيين الفلسطينيين وهم يسترخون في منتجعات فاخرة في الإمارات العربية المتحدة غضب المجتمع العالمي المؤيد للفلسطينيين.
ورداً على ذلك، دعت الجماعات المؤيدة للفلسطينيين سكان الإمارات إلى تحديد هوية المواطنين الإسرائيليين الذين يسافرون إلى البلاد ومشاركة أسمائهم وصورهم علناً. وهذه الدعوة إلى التحرك، التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تشكل جزءاً من جهد أوسع نطاقاً لمحاسبة الجنود الإسرائيليين، حتى في مجال الرأي العام والعدالة الاجتماعية، إن لم يكن من خلال آليات قانونية رسمية. وعلى الرغم من محاولات السلطات الإماراتية قمع هذه الحركة وتقييد منصات التواصل الاجتماعي، فقد استمر الزخم في النمو.
وكانت لقوة هذه الحركة الشعبية آثار ملموسة. لقد ألغت شخصيات عالمية بارزة، بما في ذلك ممثلون وموسيقيون وشخصيات عامة أخرى، رحلاتهم، مستشهدة بدعم البلاد لإسرائيل أثناء هجومها على غزة. وفي تصريحاتهم العامة، أعرب العديد من هذه الشخصيات عن معارضتهم لقتل المدنيين الفلسطينيين، وخاصة النساء والأطفال. وقد أدت هذه الإلغاءات إلى الضغط على الإمارات العربية المتحدة وكشف التناقضات في سياساتها.
ختاماً، إن استشهاد يحيى السنوار يعزز فكرة أن المقاومة الفلسطينية لا تقتصر على أي زعيم أو مجموعة أو فصيل. إنها الروح الجماعية للشعب الفلسطيني، وهي روح ترفض أن تخضع للقوى الأجنبية أو الخطط الخادعة لما بعد الحرب. وبينما تُبذَل محاولات إعادة تشكيل المستقبل الفلسطيني من خلال “حلول” مفروضة من الخارج، يتعين على العالم أن يتذكر أن أي خطة لا يمكن أن تنجح دون المشاركة الحقيقية وموافقة الشعب الفلسطيني نفسه.
إن معركة السنوار الأخيرة بمثابة تذكير بأن المقاومة، سواء بالسلاح أو من خلال الصمود في وجه الاحتلال، تظل نبض القضية الفلسطينية. وفي تكريم إرثه، من الأهمية بمكان رفض أي محاولات لتقويض إرادة الشعب الفلسطيني وضمان عدم المساس بمساره نحو تقرير المصير من قبل أولئك الذين لا يشاركون في نضاله. وبالتالي، فإن أسطورة السنوار لا تتعلق برجل فحسب، بل تتعلق بقدرة شعب على الصمود ويواصل النضال من أجل مكانه الصحيح في التاريخ.
*كاتب فلسطيني وباحث السياسة العامة والفلسفة السياسية