بقلم/ احمد الشاوش
أهدار الطعام مرض مزمن ومشكلة كبيرة تواجه الدول وتصيب الافراد والاسر والمجتمعات ، لذلك فإن اهدار الطعام لايقتصر على الطبقة الراقية من الاغنياء والاثرياء والملوك والرؤساء ، بل نجده أيضاً في الفنادق والمطاعم وصالات الافراح والاحزان والولائم الاكثر اسرافاً وتبذيراً للنعمة التي يبحث عنها ملايين الفقراء والجياع في العالم .
كما ان السلوك الايجابي والتوجيه والتخطيط السليم من خلال مرحلة الوعي الثقافي والاقتصاد في المعيشة له دور كبير في الحد من الانفاق على السلع والكماليات ووقف حالات المبالغة والبذخ والمباهة في الحياة بصورة غير طبيعية يجنبنا النكسات والازمات الاقتصادية والمالية الناتجة عن البذخ والاستعراض والفساد كما كان يحدث أيام القياصرة والنُبلاء ، أو كما يحدث اليوم في امريكا واوروبا ودول الخليج العربي .
مالفت نظري هو ذلك التقرير الذي نشرته مجلة ceoworld الامريكية الذي أشار الى ان اجمالي مايتم اهداره سنوياً من الطعام يُقدر بتريلون دولار في العالم.. هذا التقرير الخطير يكشف عن خسائر فادحة واموال ضخمة وفساد بلاحدود.
حيث أكد التقرير ان ” العرااااق ” ، المُثخن بالازمات السياسية والاقتصادية والمالية والطائفية ومشاكل الفقر والبطالة وغلاء المعيشة جاء في المركز الأول على مستوى الدول العربية والسادس عالمياً من إجمالي 196 دولة ، في العام 2023 ، ما يدعو الى طرح اكثر من علامة تعجب.
كما جاءت ” السعودية ” في الترتيب الثاني ، ولبنان في المرتبة الثالثة وا” ليمن ” ، في المرتبة الرابعة وسوريا الخامسة والكويت السادسة وقطر السابعة والأردن الثامنة ومصر التاسعة ، والجزائر العاشرة ثم تونس وليبيا التي دخلت وفقاً للتقرير الصادر في 27/01/2024
قد لانستغرب ان تاتي بعض دول النفط العربي في السعودية وقطر والامارات والكويت والبحرين وسلطنة عُمان في مراتب متقدمة من الاسراف والتبذير الناتجة عن اهدار الطعام نظراً للطفرة النفطية والمالية والاقتصاديات الكبيرة والنعمة التي خصها الله بهذه البلدان ، لكن الاكثر استغراباً هو ان تأتي العراااق في المركز الاول من حيث الفساد والبطرة والاسراف والتبذير في دولة وشعب ضربتها الحروب والازمات السياسية والاقتصادية والطائفية والاستبداد ونهب الثروات والمصالح الاقليمية والدولية .
كما ان اليمن الذي دُمرت دولته ومؤسساته ومنجزاته ونُهبت ثرواته وقُسمت اراضية وصادروا ارادته وقراراته السياسية والسيادية هو الآخر مصاب بلعنة الاسراف والتبذير والعبث والفساد بعد ان احتل المرتبة الـ 4 رغم الجوع القاتل والفقر المدقع والبطالة المخيفة وانهيار العملة الوطنية والملايين الذين أصبحوا تحت خط الفقر ، وهو ما يدعو للحيرة لشعب جائع وثوار وسلطات عابثة وغارقة في الاسراف والتبذير.
والحقيقة ان اهدار الطعام لايرتبط بالغناء والفقر ، ولكنه ثقافة سلبية في ظل غياب الوعي واستراتيجية محاربة هذه العادة السيئة وغياب ثقافة الترشيد والبرامج الرسمية الهادفة ودور الاسرة والعلماء والعقلاء في ارشاد وتنبيه الفرد والاسرة والمجتمع الى أن اهدار الطعام عادة سيئة واستنزاف للمال وحرمان للمحتاجين وجريمة في ظل وجود شعوب جائعة مهددة بالموت.
ما احوجنا اليوم الى الوعي والمعرفة وثقافة الترشيد في الاكل والشرب واستخدام الكهرباء والملابس والكماليات وفي كل نواحي الحياة .. فالوسطية والتوازن والقناعة ضرورات لحياة الانسان ودوام النعمة بدلاً عن زوالها.
لقد سرد لنا التاريخ العديد من الامثال والقصص والحكايات والنهايات الصادمة والمحزنة لبعض الدول والحكام والتجار والمسؤولين والاسر والمجتمعات الميسورة والعابثة التي لم تُقدر قيمة النعمة وكانت ترمي موائد الطعام والشراب والفواكة والحلويات والملابس ومختلف الاصناف الى صناديق القمامة وتحول تلك النعم الى نقم وفقر وجوع كجزاء طبيعي للاسراف والتبذير ، متناسين قوله تعالى”وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأنعام: الآية 31.
وبحسب تقرير مؤشر هدر الغذاء الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يتم هدر ما يقارب من 931 مليون طن من الطعام كل عام والتقارير المتخصصة تؤكد أن الأسر في جميع أنحاء العالم تهدر أكثر من مليار وجبة كل يوم، في البلدان الفقيرة والغنية على حد سواء، بينما يعاني أكثر من 783 مليون شخص حول العالم من الجوع ، كما يتم إهدار خُمس الطعام بسبب الإسراف أو سوء التخطيط والتبريد أو التخزين وفقا للأمم المتحدة الصادر في 27 مارس 2024، بتكلفة عالمية تبلغ نحو تريليون دولار سنويا..
فهل تلتزم الدول والحكومات والافراد والاسر والمجتمعات والشعوب الغنية والفقيرة بالحفاظ على النعم والخيرات التي حباها الله بها ، وهل هناك ارادة واستراتيجية دولية لمحاربة هذه السلبيات ووقف الخسائر والتحرر من النرجسية والاستعراض والفخر والاسراف والتبذير في الولائم والحفلات والاعراس والمؤتمرات والقصور الرئاسية وتوزيع تلك الاموال وفائض الطعام على فقراء العالم .. صحيح ان هناك بعض الدول بدأت بالاهتمام بمكافحة الظاهرة السلبية ولكنها لا ترتقي الى الدرجة المطلوبة لانها بحاجة الى ارادة رسمية وشعبية واصدار قوانين لمحاسبة العابثين .. املنا كبير.
shawish22@gmail>com