اليمن الحر الأخباري

ترامب واستراتيجية بيع القوة!

د. هاني الروسان
عودة سلطة صنع القرار في البيت الابيض من الديمقراطيين الى الجمهوريين وتحديدا الى دونالد ترامب الذي خبر العالم سساساته طيلة السنوات الاربع التي سبقت ولاية جو بايدن، تعني بصورة مجردة الفصل بين روسيا والصين، من جهة ومحاولة احتواء كل منهما بطريقتين مختلفتين، اذ فيما قد يطلق يد بوتين بشكل مدروس ودقيق في اوكرانيا بما يتناسب والاستعداد الاوروبي للانخراط الفعال في الدفاع عنها، فانه سيلجأ مع بكين الى تطبيق سلسلة من العقوبات المشددة والحصار الاقتصادي والرقابة الحثيثة على محاولاتها غزو تابوان، فانه سيلجا من الجهة الثانية الى الفصل بين روسيا والشرق الاوسط بتقاسم النفوذ معها فيه على هيئته وحدوده السابقه والعودة لسياسات العقوبات الاقتصادية نحو ايران، واحاطتها بقوة اقليمية على الشكل الذي كان قد اشار له مشروع 2025 ومحاولة اسقاط النظام لاحقا هذا على الصعيد الاول واطلاق يد اسرائيل في منطقة النفوذ الامريكي وبناء نظام امني اقليمي فيها بقيادتها اي اسرائيل وتوسيع نطاق انتشارها باعادة السلام الابراهيمي وصفقة القرن الى الواجهة، على الصعيد الثاتي لاستكمال فلسفته السابقة في قيادة النظام الدولي واطالة عمر هذا الاتفراد بقيادة العالم تجسيما لشعاره امريكا اولا الذي اعاد احياءه خلال حملته الانتخابية باشكال متعددة.
وهنا قد يثير البعض سؤالا مشروعا ويطرح نفسه بقوة ازاء تصور من هذا القبيل يتعلق ضرورة فيما اذا كان هذا التصور يتسق والحقائق الجيوسياسية التي ترسخت عبر عقود من الزمن، او ان كان بامكانه ان يتجاوز تلك الحقائق؟؟. وعليه فمن الناحية المنطقية فان اي عاقل لا يستطيع التحيز للجمود والثبات باعتبارهما مفهمومين قيميين من الناحية الاخلاقية، ومفهومين نسبيين من الناحية العلمية، اذ لا يمكن لنا ان نتصور ثباتا راسخا لاطروحات ماكندر او راتزل وهاوسهوفر وسبيكمان او غيرهم من كلاسيكيي مركزية الجغرافيا في العلاقات الدولية، كما قد لا نميل لطروحات توماس فريدمان وجيروا أوتواثيلا، وكلود دودسمن وغيرهم ايضا من دعاة موت الجغرافيا لاسباب مختلفة يقف في مقدمتها تغير مفهوم القوة وادوات تحقيق السيطرة الى جانب تغير مفهومي الزمن والمسافة، وبدل ذلك سنذهب مذاهب ستانيسلاو بيلين الذي يعظم من تكامل مركزية الجغرافيا وتطور القوة وصولا الى شكلها الرقمي التي من شأنها ان تحدث انقلابات حادة في طبيعة واطراف التحالفات الراهنة، والتي حاولت ادارة بايدين بعث الحياة فيها من جديد.
والحق يقال ان كان الرئيس ريغان هو اول من حاول النبش في كيفة استخدام هذه التطورات في مفهوم القوة وتوظيفها في العلاقات الدولية من خلال برنامجه المعروف بحرب النجوم والذي ادى الى انهيار الاتحاد السوفييتي، فان ترامب هو اول من بدأ في التطبيق الميداني لهذه التطورات عندما بدأ بالانسحاب من بعض الاتفاقيات الدولية وتحميل مسؤولية بقائها للاخرين وبالتلويح بالاتقلاب على التحالف الاطلسي، وتغيير الاسس والقواعد التي يقوم عليها من تحالف اساسه قيمي ايديولوجي اقتصادي، الى علاقة تعاقدية اساسها اقتصادي مدفوع الاجر مقدما لقوة مطلقة.
ونحن اذ لا نريد ان نخوض في تفاصيل حركة رأسمال الافراد والدول ومآلات هذه الحركة التي تتخذ منحى عموديا في نهاية المطاف، والتي من شأنها ان تفسر معقولية فلسفة ترامب في قيادة النظام الدولي التي لا تعني ضرورة انها صحيحة على المدى البعيد ولكنها تنسجم وطبيعة المستويات التي وصلتها حرية حركة الراسمال العالمي، وهذا ما يفسر تحديدا محاولات ترامب السابقة التحلل التدريجي من التزامات الادارة الامريكية والديمقراطية خاصة نحو الاطلسي باعتباره ثقل سياسي على واشنطن وعبء امني واقتصادي على الولايات المتحدة، الذي ترجح الاوساط القريبة من الرئيس العائد الى البيت الابيض عزمه على تفعيل استراتيجية بيع القوة من اجل البقاء المجرد بعيدا عن القيم السياسية والاخبلاقية التي رافقته منذ عصر الانوار.
وما قد يدفع ترامب للمضي قدما بسياساته هذه هو ما اعتبره تفويضا شعبيا غير مسبوق افرزته نتائج الانتخابات التي اوصلته مجددا للبيت الابيض التي اعتبرها استفتاء على خياراته الداخلية والخارجية، من اجل كما يقول تغيير امريكا وتجديد قوتها، بمعنى ان البحث عن المكانة والقوة قد اتخذتا منحى راسخا على حساب القيم التي يتشدق بها الديمقراطيون لفظيا لا اكثر والتي كانت سببا في هزيمتهم التاريخية هذه والتي تحملت عبئها كامالا هاريس ذات الاصول الهندية التي لا تنتمي للعرق الابيض.
وفي هذا السياق وبانتظار ديناميكيات سياسات الادارة الجديدة فانه يجب ان لا نتوقع لهذه السياسات في السنوات القادمة من ولاية ترامب الجديدة ان تخرج عن هذا النطاق الذي قد يؤدي الى تغيرات جغرافية في خارطة التحالفات الدولية، وان نتحسب لموت سياسي لبعض الانحاء الجغرافية السياسية في الاطراف الاكثر هشاشة من العالم كالشرق الوسط وبعض اوروبا الفقيرة في الجزء الشرقي منها، لانها ربما تكون هي الوسيلة الوحيدة امام الدولة العميقة في الولايات المتحدة لاستدامة تربعها على عرش القوة العالمية ووضع مزيد من التعقيدات في مواجهة الصعود الصيني.
والحقيقة ان استمرار الموت السريري للنظام العربي، بل واستعداده المسبق او انتظاره لقدوم ترامب كما عبرت عن ذلك عديد الدول الخليجية سواء منها المطبعة مع اسرائيل او الموضوعة على قائمة الانتظار يشي اولا بتسهيل الطريق امام ترامب لرؤيته الشرق اوسطية ان لجانبها الوظيفي في الامساك باوروبا والتحكم باتجاهات سياساتها او لمفهومه لاسرائيل الصغيرة التي تحتاج لتوسيع نطاقها الجغرافي بتوفير الدعم السياسي والدبلوماسي لها لمواصلة الحرب في غزة ولبنان لحين الانتهاء من اعداد الظروف المناسبة لضم الضفة الغربية بدء بالمنطقة ” ج ” وتهجير مواطني غزة بدء بالشمال الذي يخضع الان لابادة جماعية ممنهحة ومنظمة، وثانيا للدخول في شراكات مع الادارة الجديدة لوضع هذه الرؤية موضع التنفيذ بكل ما تعنيه من تمهيد لتنفيذ مشروع الصهيونية الدينية ليس في فلسطين وحدها بل في كل المنطقة، حيث لن يكون هناك رابح غير اسرائيل.

Exit mobile version