اليمن الحر الأخباري

حين يصبح الرأي جريمة!!

حمزة نيازي*
لا يمكن إنكار أن الحرية كنز ثمين لا يشعر بقيمته الحقيقية إلا من سُلبت منه، بأي طريقة كانت. حتى لو كان هذا السلب قانونيًا عبر حكم قضائي لتنفيذ عقوبة سجنية ، يبقى السجين ، حتى وإن اعترف بجريمته وتقبل العقوبة ، يعيش جانبًا نفسيًا مريرًا لا يوصف. إن وصف معاناة السجن وفقدان الحرية أمر يعجز عن التعبير عنه أي قلم ، إذ تبقى مشاعر تجربة السجن لا تمثلها الكلمات.
أما في الحالات التي تُسلب فيها الحرية بظلم وبطريقة كيدية، تتحول المعاناة إلى ما يفوق طاقة التحمل، وقد يصل الحال بالمظلوم إلى درجة الجنون. لا يمكن لي أن أستعرض كل ما كُتب عن الحرية أو مذكرات من سُلبت منهم حريتهم ظلمًا، التاريخ زاخر بالأمثلة، وما زلنا حتى اليوم نعيش تحت وطأة هذه التساؤلات: هل حريتنا محفوظة أم مهددة؟
الحرية ليست قابلة للتقييم بثمن، وتتنوع أشكالها بحيث يمكن ممارستها بلا قيود ما دامت تحترم الآخر وتراعي حقوق الأفراد والجماعات، ضمن حدود القانون. إلا أننا، في الفترة الأخيرة بالمغرب، نشهد ضغوطًا لا تفسير لها. أصبح من الصعب التعبير عن الرأي بحرية دون أن يملك الفرد صفة صحفي ، وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الحذر سيد الموقف.
أشعر شخصيًا بالقلق من احتمال تعرضي للاعتقال والمضايقات بسبب مقال رأي كتبته، أو حتى مجرد استدعاء مستعجل للتحقيق دون سابق إنذار. الاستجواب قد يمتد لساعات طويلة ويكون متكررًا ، كأن الشخص خالٍ من أي ارتباطات أو مسؤوليات.
افترض أن صحفيًا كتب مقالاً لم يكن موفقًا فيه ، أو بالغ في التعبير ، ألا يجدر بنا أن نتقبل الرأي الآخر ونتحاور بدلاً من اللجوء الفوري للقضاء وإنزال العقوبات القاسية ؟ اليوم، ونحن في عام 2024، نرى مثالًا حيًا في حالة الصحفي حميد المهداوي ، الذي تعرض للملاحقة القضائية بسبب مقاطع الفيديو التي نشرها وانتقد فيها مسؤولين حكوميين. المشهد مؤسف للغاية ، إذ نجد مسؤولين يقاضون صحفيين .
لا أملك الجرأة لذكر اسم المسؤول المعني ، خوفًا من أن أتعرض أنا أيضًا للمساءلة ، إذ توعد بأن أي شخص يتحدث عنه بدون دليل سيكون مصيره السجن و الغرامة و انا لا املك شيء فقط كاتب رأي محلل و مشاهد . أصبح الوضع ضاغطًا لدرجة أننا نقول بالعامية “القشابة مبقاتش واسعة” الجميع ينتظر زلة أو هفوة ليدفع ثمنها غاليًا.
هل الحل الدائم هو السجن وفرض القيود على حرية التعبير؟ هل تطورنا يكون بإسكات الأصوات المختلفة والزج بالصحفيين والمدونين في السجن؟ يبدو أننا فقدنا القدرة على استيعاب الرأي الآخر، سواء في التشريع أو الإعلام أو المجالات الأخرى. بات الخوف يلاحقنا ، حتى إن لم نرتكب جرمًا ، فقط لأننا عبّرنا عن آرائنا.
أتذكر الفيلم المغربي “عبروا في صمت” للمخرج حكيم نوري، الذي تناول قصة صحفي حر واجه محاولات قمع عديدة لمنعه من نشر الحقيقة. الفساد والخداع تآمرا عليه ، انتهى الأمر باغتياله ، إلا أن الحقيقة نُشرت في النهاية. قد نكون تجاوزنا هذا الزمن ، اليوم على المغرب أن يثبت أنه مستعد لترسيخ قيم حقوق الإنسان وحرية التعبير.
يبقى العفو الملكي الأخير إشارة مهمة نحو المصالحة وفتح صفحة جديدة نأمل أن تستمر ، من أجل مغرب يتسع للجميع ، حيث تُحترم آراء الجميع مهما اختلفت مواقعهم ومناصبهم.
*كاتب مغربي

Exit mobile version