عبدالرحمن مراد*
قلنا أكثر من مرة أن هدف النظام الدولي من تفكيك النظام العام والطبيعي في المنطقة العربية، هو عودة الشعوب إلى مرحلة اللا دولة حتى يسهل على المستعمر التحكم بمصادر الطاقة، والتحكم بالسياسات، ومصادر الغذاء، من أجل تركيع الشعوب لثنائية الهيمنة والخضوع وهو أمر أصبح واقعا معاشا في الكثير من الدول العربية.
هذا المسار ستحد منه ومن تداعياته نتائج حدة التوتر في الخليج بين إيران وأمريكا في الحالين ..أي حال الحوار، أو حال المواجهة، فالتراجع الأمريكي عن ضرب ايران ترك أثرا إيجابيا عند الشعوب الحرة والرافضة للغطرسة الأمريكية، كما ترك أثرا سلبيا على حلفاء أمريكا في منطقة الخليج، وهم الذين يدعمون مشروع التفكيك للأنظمة، وقد فاح أثر ذلك من خلال شبكة التواصل التي أصبحت تنال من أمريكا واضطرت – تحت ضغط اللحظة – أن تدعو للحوار مع ايران ظاهرا بعد إعلان أمريكا عن تراجعها عن الرد على التصعيد في الخليج وإعادة صياغة منظومة العلاقات بما يضمن التكافؤ وحسن الجوار وتبادل المصالح .
وكما هو واضح للعيان اليوم أن أمريكا وربيبتها إسرائيل قد اتخذت خيار المواجهة غير المباشرة من خلال الحد من فاعلية محور المقاومة، وقد بدأت ذلك من غزة وصولا إلى لبنان الذي عملت على شن عدوان غاشم عليه وحاولت تصفية قيادات الصف الأول والثاني لحزب الله ومن ثم الضغط من خلال التدمير وسياسة التجويع الأمر الذي أفضى إلى اتفاق وقف العمليات العسكرية.
ما يحدث اليوم في المنطقة العربية قاطبة هو السيطرة على مقاليد المستقبل برؤى وأهداف واستراتيجيات ذات أبعاد متعددة، فنحن سوف نشهد عودة صفقة القرن مع تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب لمقاليد الحكم في البيت الأبيض مطلع العام 2025م.
لقد فرض واقعا جديدا منذ تفرد بحكم العالم، وهو القوة الاقتصادية الوحيدة القادرة على صناعة ثروات الأمم، أو تعطيلها، للوصول إلى ثنائية الهيمنة والخضوع للشعوب التي تقاوم مشروع التطبيع، وفكرة ابراهام، أو ما يسمى بصفقة القرن، وقد عملت أمريكا – وفق سياسات واستراتيجيات منذ عقود – على محو فكرة الاقتصاد الوطني، ليكون نجما في مدار العولمة، ووفق الحدود المسموح بها، فالقمح كغذاء عالمي مثلا تتحكم به أمريكا ومن دار في فلكها حتى تفرض قيودها على الشعوب من خلال التحكم في غذائها، وهذا أمر أعلن عن نفسه في حرب روسيا مع أوكرانيا، حيث تداعت الدول الست إلى تلك الحرب بكل عتادها وقوتها، كون أوكرانيا تحتل المركز السابع في تصدير القمح، والرابع في تصدير الشعير، وفي المركز الأول في تصدير بذور عباد الشمس، وخروج أوكرانيا عن نطاق السيطرة الرأسمالية يعني فقدان النظام الرأسمالي لواحد من أهم أسلحته في السيطرة والهيمنة على الشعوب، ولذلك قاومت روسيا بكل ما أوتيت من قوة وما تزال الحرب قائمة إلى اليوم.
الموضوع الاقتصادي من أسلحة النظام الرأسمالي في السيطرة والهيمنة على شعوب العالم، لأن سياسة النظام الرأسمالي تقوم على مبدأ فرض عادات تكون سببا في خلق ثروات الأمم، ويرى هذا النظام الرأسمالي أن الاقتصاد الرأسمالي سوف يوحد العالم في سوق واحد كبير، وقد ساعدها في ذلك الثبوت في اليقين لدى المفكرين في العلوم الاجتماعية كونها قادرة على توحيد العالم والتحكم في مقاليده.
ما يسعى اليه النظام الرأسمالي من خلال نشاطه العسكري والثقافي والسياسي في كل بقاع الأرض هو فرض هيمنته على الاقتصاد العالمي وتوحيده ومقاومة كل العناصر التي تحول دون الحرية الكاملة لتدفقه، سواء كانت سلعا أو رأسمالا أو عمالة أو تكنولوجيا وصولا إلى فكرة الاقتصاد العالمي الواحد في كوكب الأرض، ما يعني انتفاء فكرة الوطنية الاقتصادية في زمن العولمة والانفتاح الكوني.
فالدول الرأسمالية تشجع الاستثمارات وتتنافس حول جذبها وتخلق البيئات والمناخات للاستقرار للمستثمر ما عمل على تمتين عناصر القوة فيها في حين تذهب الدول النامية إلى القلق وتشكيل بيئات طاردة لرأس المال ما انعكس ذلك على حياة المجتمعات وعلى حركة الاقتصاد وشيوع البطالة وارتفاع نسبها وتفشي الفقر وتردي مستوى الخدمات، وتأخر برامج التنمية.
ولعل الصراع في واقعنا اليمني واختلاف الرؤى بين الجماعات والكيانات بمعزل عن حركة العالم والواقع من حولنا قد حاصر الجوانب الجوهرية للتنظيم والتفاعل بحيث عزل التنظيم والترتيب الحقيقي عن حركة العالم والمستويات الحضارية الجديدة ولم يصل إلى معدل متكافئ من المسؤولية الجماعية، ومن التنمية والرفاه واقتلاع الفقر، فالاقتصاد مسؤولية مشتركة ولا تصدر تلك المسؤولية إلا عن قناعة مشتركة بالوحدة الوطنية وبالشراكة في الثروة والسلطة بين كل المكونات السياسية وفق أطر ومحددات دستورية جامعة.
*نقلا عن الثورة