اليمن الحر الأخباري

الحرب والاقتصاد!

نور ملحم*
الحرب لا يتمناها أحد، فأثارها المدمرة على جميع جوانب الحياة، وتدفع اقتصاد البلدان إلى الانهيار، وقد ترزح الدول التي تعاني الحروب تحت ضغط الديون لعقود طويلة، ولا تتعافى منه بسرعة حتى مع انتهاء الحرب، وتترك الحروب آثاراً سلبية على الاقتصاد بشكل عام، وتتسبب أيضاً في أضرار بشرية ومادية كبيرة وتهديد للأمن القومي.
يتكرر سيناريو عام 2011 في سوريا اليوم ، فالحرب باتت تستنزف المحافظات فبات انهيار البنية التحتية واضح وقد يستغرق إعادة بنائه وإصلاحه إلى وقت طويل للغاية ، وتعرض النشاط الاقتصادي للدولة إلى ركود صعب للغاية، وارتفع سعر صرف العملات بشكل جنوني والأثر الأصعب هو صعوبة تأمين البضائع نتجية إنهيار لنظام الأمان، وبالتالي أصبح النقل والشحن أمر يصعب ضبطه، فمن سيضمن وصول المنتجات والبضائع دون ضرر أو تعرضها للسرقة والنهب، ومن سيضمن للعميل حصوله على المنتج الذي قام بشرائه في الوقت المحدد أو المناسب.
وعلى نفس النهج حرصت إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب على خنق غزة اقتصادياً وجعلها مكاناً غير صالح للسكن دفعاً إلى إخلاء القطاع المحاصر منذ أعوام باعتباره مصدر تهديد لأمنها القومي، وعمدت إلى تعميق حربها منذ السابع من (تشرين الأول) 2023 من العام الماضي، لتطال البنية التحتية بصورة كاملة، وهو ما عزز البؤس الاقتصادي لذلك الشريط الضيق على نحو مزر.
وأدت الحرب بين حزب الله وإسرائيل إلى تفاقم الأزمات في لبنان، إذ زادت الضغوط على الاقتصاد المتدهور منذ سنوات، مما أثر سلبا على مختلف القطاعات الحيوية، وأدى إلى تعميق المعاناة الاجتماعية.
كما تعيش نيبال تحولات في الولاءات تجاه العملاقين الصيني والهندي على إيقاع المشاريع واتفاقيات الاستثمار في وقت تسبب قرار نيبال بعدم أخذ قروض في إطار مبادرة الحزام والطريق في فقدان زيارة رئيس الوزراء فكان هناك ضجة حول المبادرة، خوفًا من أن تؤدي إلى فخ الديون، حيث إن نيبال ليست في وضع يسمح لها بتحمل القروض ذات أسعار الفائدة المرتفعة. فعندما يقرض البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي بمعدل فائدة يتراوح بين 0.5% و1%، يقال إن قروض مبادرة الحزام والطريق تكلف نيبال معدل فائدة يتراوح بين 2% و4%، إضافة إلى أن تجارب الدول المجاورة، مثل سريلانكا وباكستان، مع مشاريع مبادرة الحزام والطريق التي توقفت إلى أجل غير مسمى أو تم تسليمها بالإيجار للشركات الصينية التي فشلت في سداد القروض، بمثابة قصص تحذيرية للقيادة السياسية في نيبال.
التحول نحو «اقتصاد الحرب» له عواقب اقتصادية، فإعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، يعني حتماً خفضه في بنود أخرى، في وقت تجد الدول نفسها أمام جبل من الديون السيادية يحدّ من قدرتها على الاقتراض الإضافي.
ومن المؤكد أن تراكم أعباء الديون الخارجية لأي بلد له تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها، وتجعل تلك الديون غير مستدامة، وخلال العقدين الماضيين، ازدادت حدة التنافس بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان من جانب، والصين من جانب آخر حول آليات وحجم التمويل والديون المقدمة للدول النامية والفقيرة، وخاصة في أفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، فالطرف الأول يقدم الدعم التنموي عبر المؤسسات الدولية والإقليمية القائمة، مثل البنك والصندوق الدوليين، بينما الصين تعتمد المسار الثنائي وعبر آليات خاصة بها، مثل مبادرة الحزام والطريق والبنوك الحكومية الصينية، وكل طرف يتهم الآخر بمحاولة إغراق الدول النامية بالديون وممارسة ما يسمى بالإكراه الاقتصادي لضمان النفوذ والتبعية وتعظيم مصالح الدول المقرضة في تلك الدول المحتاجة للتمويل والديون.
نشهد اليوم العديد من الحروب والصراعات التي أثرت على الاقتصادات بشكل كبير، وعلى الدول المتحاربة أو على دول أخرى بطريقة غير مباشرة، وكانت المشاريع التجارية الصغيرة والكبيرة والاقتصاد أول ضحايا الحروب؟
*كاتبة سورية

Exit mobile version