سفيان بن مصطفى بنحسين*
ليس من أمة تقطع سيوفها وتنحر جيادها كأمة العرب، ليس من أمة تبيع نصرها ومجدها وتشتري الذل والهوان والتطبيع مع العدو كأمة العرب، أي أمة عربية دون دمشق، أي أمة عربية تسودها وتقودها عواصم البترودولار وليدة خرائط سايكس بيكو وسان ريمو وما بعدها، أي أمة تبيع شامها وعراقها بلا ثمن؟ إن كانت سقطات الماضي نكبات ونكسات فسقطة اليوم إنتحار وتتويج رسمي لزعيم العصابة الصهيونية ملكا على كل الأرض العربية.
يحدثنا الحاكي عن قرية غادرها رجالها إلى حين فغزاها الصعاليك وإغتصبوا نساءها إلا واحدة قاومت وقتلت من أراد بها سوء، فقتلتها نسوة القرية كي لا تبقى على الأرض إلا مهتوكة العرض والمغتصبة، ما عادت الأرض مستراحا للشرفاء، ما عادت الأرض مستناخا سهلا للفرسان العاضين على الحق العربي في لبنان وفلسطين بالنواجذ، إنه زمن البيع بلا ثمن، زمن –إسرائيل الكبرى- التي عجزت عن دخول حي الشجاعية في غزة طيلة عام كامل وعن دخول مارون الراس في لبنان ففتحنا لها دمشق من بابها إلى مزرابها، والله إنا نبيع نصرنا بلا ثمن وندوس على أشلاء شهدائنا ونمد الخوان لنأكل لحومهم ونرتشف دماءهم فالعدو الذي كان على شفا السقوط المدوي قد قدمنا له اليوم أسباب البقاء إلى أن يرث لله الأرض وما عليها، سقوط دمشق يتبعه سقوط المقاومة اللبنانية المنتصرة على الميدان بعد قطع شريان حياتها المار من سورية ثم يليها سقوط المقاومة الفلسطينية فاليمنية، سندرك بعد فوات الأوان أن التاريخ قد أخرج لنا اليوم سقطا مشوها بعد أن ساق الراقصون البشارة بمولود جديد إصطنعوه من لفائف منتفخة، سندرك أن القابلية للإستعمار لازالت كامنة فينا وأننا نؤمن في لا وعينا بإنقسامنا الطائفي والجغرافي، كان الأسد كما كان السنوار كما كان القذافي وكما صدام أكبر من أن يقودونا فنحن لسنا أهلا لفرسان الإغريق.
بالأمس كان الرقص على تمثال صدام واليوم على تمثال الأسد الأب، نرقص في حفلات الآخرين رقصة غراب ينتشي برائحة الجثث ونتناسى أن كلمة السر لساعة الصفر قد صدرت عن المهزوم ميدانيا النتن ياهو بتصريحه أن الأسد يلعب بالنار، فكانت الإشارة بإشعال النار في إتجاه دمشق وكل سورية لتمكين الكيان من الإلتفاف خلف خطوط المقاومة وضربها في مقتل، واهم من يعتقد أن التخطيط لإسقاط سوريا العروبة يعود إلى سنوات *الربيع العربي* أو إلى زمن سقوط بغداد وزيارة كولن بأول، كانت دمشق منذ خمسينات القرن الماضي هدفا لتحالف إسلاموي يقوده مندريس تركيا – شيوعي يقوده قاسم العراق – صهيو-أمريكي يقوده الغرب، ولولا وجود ناصر لكان مشهد سقوط دمشق قد مر عليه عقود من الزمن، سارع ناصر بالوحدة مع سورية فأصبحت جزء من دولة عظمى جماهيريا وسياسيا تسمى الجمهورية العربية المتحدة قادرة على صد العدوان وعلى أحذ زمام المبادرة إن لزم الأمر، أما اليوم فلا ناصر بيننا ليذود عن دمشق، تأخر ميلاد حلف بغداد عقودا سبعة ليعاد بناؤه اليوم ويرث أردوغان دور الخائن مندريس وسط تآمر عربي إعتدناه في كل اللحظات التاريخية.
أراد هذا التحالف الأسود بين الصهيونية وأردوغان أن يبقينا على حالة شعوب المستعمرات أي على شعوب لا تبلغ رشدها فتظل تحت وصاية الآخرين وكان له اليوم كل ما أراد، كان نظام دمشق حالة ثورية دائمة لا تهدأ، كان مددا للمقاومة في لبنان وفلسطين، كان الطريق الوحيدة المفتوحة أمام المتطوعين العرب سنة 2003 لقتال الغزاة الأمريكان في العراق في الوقت الذي فتحت فيه بقية العواصم العربية أبوابها للمارينز، سنكون دون الشام كالأيتام على مآدب اللئام، أما الفصائل أو أخوة السلاح فسيأكل بعضهم بعضا حتى العشاء الأخير.
*كاتب تونسي