أحمد يحيى الديلمي*
بالصدفة التقيت رجلاً مُسناً أمام وزارة العدل كادت الدموع تفُر من عينيه وهو يُحدثني عن مأساته مع القضاء، ويُمجد القضاء في الماضي وكيف كانت المعاملة تتم عن طريق قضاة مشهود لهم بالأمانة والزهد والوقار، قال لي يا أبني كان القضاء في الماضي مجرد دعوى وإجابة، أما اليوم فقد طالت المسألة فقد أصبحنا أمام إجراءات مُعقدة وتفاصيل الهدف منها التطويل والمماطلة وابتزاز الشخص الضعيف غير القادر على مجاراة الخصوم الموسرين وهذا هو حالي، أنا ثابت وحائز ولدي أحكام باتة مؤيدة من المحكمة العليا برئاسة القاضي العلامة عبدالقادر بن عبدالله رحمه الله، وجاء اليوم شخص آخر يُنازعني وهو غير ذي صفة كما يقول القضاة اليوم، ولكن في نهاية الأمر انقلب الأمر ضدي فأنا إنسان عاجز وغير قادر على القدوم من ريمة إلى صنعاء خاصة في هذه الأيام والطرقات مُتقطعة ومُتباعدة فأرسلت ابني لينوب عني، رغم أني وكلته بوكالة شرعية مُعمدة من محكمة الجهة إلا أن القضاة في الهيئة كانوا يبحثون عن مخرج فحولوا ما كان في صالحي إلى ضدي وأسقطوا الدعوى بحجة أن ابني غير ذي صفة، والمشكلة أن خصمي موسر جداً وشيخ ولديه من الأعوان في الدولة وغير الدولة ما لا يُمكن مواجهته، مما اضطرني للقدوم إلى صنعاء لأكتشف أن العملية مجرد لعبة وتحايُل على المساكين ومساعدة الأغنياء على نهب أموال المستضعفين غير القادرين أمثالي، حاولت أن أستفسر من المحكمة عن قضية الرجل قالوا قد صدر فيها قرار، وتابعت الموضوع لأجد أن القرار بالرفض المباشر لقبول الدعوى دون إبداء الأسباب أو الحديث عن أسباب واهية، فتأكد لي حينها فعلاً أن الرجل مُحق وأنه يشكو من ظُلم فادح وقع عليه، ومن هذه الحكاية يُمكننا أن نتحدث عن حال القضاء.
مما لا شك فيه أن قيادة الثورة وقائد الثورة بالذات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي لديه نوايا طيبة ويُريد أن يُنصف المظلومين، لكن الآليات التي تتواصل معه إما أنها عاجزة عن معرفة مواضع الخلل في القضاء أو أن الأشخاص المُكلفين عن ذلك لا يبحثون إلا عن أشخاص أدنى منهم في المعرفة والفهم والإدراك أو الخاضعين لإرادتهم وكيفما كان الحال دون البحث عن مؤهلات القاضي البديل للقاضي الذي تم تغييره وعدم الاجتهاد حتى في قراءة ملفه وسيرته الذاتية خاصة مُنذ أن التحق بسلك القضاء، المُهم أن هيئة التفتيش تتحدث عن مفردات وقواعد قانونية التزم بها الرجل ولا يُسأل أبداً عن عدد الأحكام التي أصدرها والطعون التي وجهت إليه وما تجاوز منها كل درجات التقاضي، كل هذه الأشياء تظل مُبهمة وكما قال أحد القضاة « أدهن ظهري أدهن ظهرك» هذه القاعدة يتبعها أعضاء هيئة التفتيش عندما يكونون في الهيئة يقول الواحد منهم “اليوم أنا مفتش وغداً القاضي المستهدف سيكون في موقعي، لابد أن أجامله وأضعه في موضع يمكنه من تجاوز المزالق والشكاوى المقدمة ضده” وكم من الشكاوى أُهملت بدعوى الجهالة أو بدعوى عدم إتباع القواعد الموجودة في القانون، أشياء كثيرة من هذا النوع تشيب لها الرؤوس وتكون سبباً في إهدار الحقوق وإعطاء من لا يستحق حق المستحق المالك للأدلة والبراهين الكفيلة بإثبات حقه، وهنا نتساءل بمرارة إلى متى سيظل الحال كذلك؟! والناس يشكون أيضاً ويتألمون والحقوق تُهدر والبعض يصل إلى آخر درجة في التقاضي وتتأكد أحقيته لما تقاضى من أجله، إلا أنه لا يجد من يساعده على تنفيذ الأحكام التي صدرت له، وهذه المشاهد كثيرة ومتعددة وفي كل الجوانب المتعلقة بالحقوق وكم هي المأساة كبيرة جداً عندما يتعلق الأمر بالدماء والحقوق وإزهاق النفوس البريئة بدعوى القتل العمد والاعتداء، أليست فعلاً مظالم تستحق الاهتمام والتحري والدقة؟! وعلى من يُريد أن يطلع على مثل هذه القضايا فعليه أن يذهب إلى المحكمة العليا اليوم ويتابع الحركة غير السوية التي تتم من خلال ما يُسمى بالكمبيوتر وعمال هذه الأجهزة الذين يخفضون العالي ويرفعون الواطي لمجرد حصولهم على مبالغ نقدية .
هذه الأشياء التي تناهت إلى سمعي وأنا أتنقل في أروقة المحكمة العليا، وهنا لا نقول إلا كما قال المثل ( إذا بيت الله بيوطل إين عاد الكنان) والحليم تكفيه الإشارة، والله من وراء القصد …
*نقلا عن الثورة