معن بشور*
في كل عدوان كبير شنّه العدو الصهيوني عل لبنان، كانت أبواقه وأدواته والمراهنون عليه، يمهّدون لفكرة التطبيع الصهيوني مع هذا البلد العربي الذي ارتبط هذا العدوان عليه بقيام الكيان الغاصب عام 1948، حيث استشهد في معركة المالكية النقيب في الجيش اللبناني محمد زغيب، المتطوع في جيش الإنقاذ جنباً إلى جنب مع الزعيم القومي العربي الناصري، نائب صيدا فيما بعد، الشهيد معروف سعد والذي خرجت صيدا ومخيماتها قبل أيام في مسيرة تحية لاستشهاده بتاريخ 9 آذار 1975، كما ارتبط بمجزرة حولا الشهيرة التي أدّت إلى استشهاد أعداد كبيرة من أبناء البلدة الجنوبية المناضلة.
بعد غزو 1978، وأثر عملية كمال عدوان البطولية بقيادة الشهيدة الفتحاوية دلال المغربي، قام العدو في 16/3/1978، باحتلال جنوب الليطاني، ومع إعلان دويلة لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد، ظن كثيرون أن لبنان قد بدأ مسيرة الالتحاق بمسيرة التطبيع بعد أشهر من زيارة السادات إلى الكنيست الصهيوني في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977.
ثم بعد الغزو الصهيوني لبنان صيف 1982، الذي استمر ثلاثة أشهر بما فيه حصار بيروت، وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا، وإخراج قوات الثورة الفلسطينية والجيش العربي السوري من لبنان، وفي أجواء الحرب العراقية – الإيرانية المشؤومة، ظن العدو والمراهنون عليه أن الوقت قد حان لفرض اتفاقية تطبيع مع لبنان، ليكون الدولة الثانية بعد مصر في هذا المجال، وجاء اتفاق 17 أيار 1983، ليترجم هذا “الحلم” الصهيوني وبإشراف مباشر من وزير الخارجية الأمريكي يومها جوزف شولتز، وكانت نتيجنه أن حصلت انتفاضة 6 شباط 1984، ليسقط بعدها الاتفاق المشؤوم على يد مجلس النواب نفسه الذي أقرّه قبل أشهر.
في أجواء الاستعداد للحرب على العراق عام 2003، أقرّت القمّة العربية في بيروت “المبادرة العربية للسلام”، وظن الحكام العرب أن هذه المبادرة ستجلب لفلسطين دولة مستقلة، وللعراق سلاماً، فإذا بتلك المبادرة تستكمل حصارها على “المقاطعة”، مقر إقامة الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات، وتشن حليفتها في واشنطن حرباً على العراق في آذار 2003، والتي أدت إلى احتلال البلد العربي العظيم وإشاعة الفوضى في المنطقة بأسرها.
جاءت حرب 2006 على لبنان، بعد سنوات ثلاث على احتلال العراق، في محاولة صهيونية – أمريكية للقضاء على المقاومة في لبنان، ولفرض شروط الاستسلام والتطبيع عليه، فكان الفشل الذريع لمخطط الصهاينة والمراهنين عليهم، وصمد لبنان في وجه المخطط الصهيوني وجاء القرار 1701، الذي أجمع اللبنانيون على احترامه وتنفيذه، لاسيّما البند المتعلق بانسحاب المحتل من كافة الأراضي اللبنانية، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، حسب الحدود المرسومة في وثائق الأمم المتحدة.
بعد حرب 2006، استمرت محاولات العدو مع المراهنين عليه لإضعاف المقاومة، وأخذت تلك المحاولات أشكالاً متعددة، ولكن بعد فشلها مجدداً، عمد الصهاينة والمراهنون عليهم إلى استغلال الخسائر الكبيرة التي مني بها لبنان ومقاومته في حرب الإسناد المشرّفة لغزّة، ومن التغيير الصاعق في سورية الداعم الرئيس للمقاومة في لبنان، من أجل فرض شروط على لبنان والمقاومة، رغم الفشل الذريع في الانتصار على المقاومة والجيش في حرب ال 70 يوماً التي أعلن عن وقفها في 27/11/2024، ولكن العدو واصل خروقاته والتي يسعى من خلالها إلى إشاعة مناخات “تطبيع” في لبنان وكأنه قد ربح الحرب وحقق أهدافه.
ولكن العدو والمراهنين عليه والرافضين للإقرار بهزيمتهم التي أجبرتهم على طلب وقف الحرب على لبنان، ما زالوا مصرين على استخدام الخروقات والاعتداءات لفرض شروطهم على لبنان والترويج للتطبيع، رغم أنهم يدركون تماماً أن الشعب اللبناني ومقاومته وأحراره يرفضون التطبيع مع عدو يحتل أرضاً لبنانية جنباً إلى جنب مع اغتصابه لفلسطين والقدس والمقدسات.
فليقرأ الصهاينة تاريخ صراعهم مع لبنان جيداً، وليدركوا أنهم أمام شعب لا يركع، وأمام مقاومة لا تهزم، وأمام قضية لا تضيع.
*كاتب لبناني
قصة لبنان مع التطبيع!
