د.جلال جراغي*
تحاول “إسرائيل” إلى إنشاء ما يُعرف بـ”ممر داوود” في الأراضي السورية، وهو مشروع يمتد من شمال شرقي الكيان عبر هضبة الجولان المحتلة، مرورًا بجنوب سوريا ومحافظاتها مثل القنيطرة ودرعا والسويداء، وصولًا إلى شمال شرق البلاد، أي المنطقة الواقعة بين نهري الفرات في سوريا ودجلة في العراق، وصولاً إلى المناطق الكردية السورية المتصلة بإقليم كردستان العراق.
اللافت أن 70 إلى 80% من الثروة النفطية السورية تقع في هذه المناطق. وكانت هذه الثروات تُنقل سابقًا من شمال شرق سوريا عبر الأراضي التركية إلى البحر المتوسط ومن ثم إلى الدول الأوربية، ما وفّر لتركيا مكاسب اقتصادية ضخمة، غير أن المشروع الإسرائيلي الجديد يهدف إلى تحويل مسار النفط مباشرةً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم إلى البحر المتوسط عبر ممر داوود، الأمر الذي سيُقصي تركيا عن معادلة تصدير النفط، ويمثّل أول اصطدام اقتصادي بين الجانبين.
الخلاف الثاني يتجلى في المساعي الإسرائيلية لتقسيم سوريا إلى دويلات طائفية ومذهبية صغيرة تُسهل السيطرة السياسية والاقتصادية عليها، وهو جزء من الاستراتيجية الصهيونية التاريخية الرامية إلى تفكيك الدول العربية والإسلامية لضمان التفوق الإسرائيلي في المنطقة.
أما تركيا، فتنطلق في سياستها السورية من طموحات عثمانية لإعادة بسط النفوذ على دول الجوار، وعلى رأسها سوريا، وهي تسعى إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية تحت سلطة حكومة موالية لها – كجماعة الجولاني – بهدف تأمين نفوذ طويل الأمد في هذا البلد.
وفي السياق ذاته، فإن مشروع إقامة دولة كردية مستقلة في شمال وشرق سوريا يُعد تهديدًا وجوديًا لأنقرة، لما قد يتركه من أثر مباشر في تحفيز الأكراد داخل تركيا للمطالبة بالانفصال، وهو خط أحمر بالنسبة لصانعي القرار الأتراك.
لهذا السبب، ترى أنقرة أن المخطط الإسرائيلي لا يمسّ المصالح السورية فحسب، بل يُهدد الأمن القومي التركي، فعليه فانها لن تتردد في اتخاذ خطوات حازمة لإفشاله.
وفي سبيل تمرير مشروع “ممر داوود”، تعمد إسرائيل إلى تغذية النزاعات الطائفية في سوريا، كما يحدث حاليًا في محافظة السويداء.
أما الولايات المتحدة، فقد حاولت امتصاص الغضب التركي من خلال حل “قوات سوريا الديمقراطية” وبعض الفصائل الكردية المرتبطة بـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK)، وقدّمت لأنقرة وعودًا بتزويدها بطائرات F-35، لإشراكها في المشروع الأميركي-الإسرائيلي داخل سوريا. لكن الواقع يُشير إلى أن واشنطن تنوي تمرير خطة اسرائيل في الاراضي السورية واستخدام بعض العناصر الكردية المدربة في المستقبل ضد إيران، من خلال دعم جماعات مثل PJAK و”كومله”.
في المحصلة، يتضح أن الولايات المتحدة تسعى إلى خداع أنقرة، فمشروع الدولة الكردية في سوريا سيفتح الباب واسعًا أمام مطالب الأكراد في تركيا بالانضمام إلى تلك الدولة، مما يشكّل خطرًا داهمًا على وحدة الأراضي التركية.
وعليه، فإن المواجهة بين تركيا والكيان الصهيوني تبدو حتمية، ما لم تتخلَّ أنقرة عن طموحاتها التوسعية وتقبل بتقسيم أراضيها – وهو أمر لن يحدث، لانه قد تتراجع تركيا عن طموحاتها العثمانية، لكن من المستبعد أن ترضى يومًا بانفصال أكرادهاوتقسيم وحدة أراضيها، الأمر الذي يجعل الصدام مع الكيان الصهيوني شبه محتوم.
في الختام، يمكن القول إن تركيا أوقعت نفسها في مستنقع معقّد نتيجة حسابات أردوغان الخاطئة، ويبدو أن الخروج منه بات عسيرًا، إن لم يكن مستحيلًا.
*مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية- العربية
