اليمن الحر الأخباري

سوريا أمام انفتاح محسوب.. ام تفاوض متعدد الساحات؟

 

إنصاف سليطين*
عاد اسم “قانون قيصر” إلى الواجهة من جديد بعد أن أدرج الكونغرس الأميركي بند إلغائه ضمن مشروع قانون الدفاع لعام 2026. ورغم أن المسار التشريعي لم يكتمل بعد، فإن مجرد وضع الإلغاء داخل قانون دفاعي ضخم ونادر التعديل يعكس تحوّلاً في طريقة تعامل واشنطن مع الملف السوري، ولا سيما في جانبه الاقتصادي.
لكن هل يعني ذلك بداية انفتاح اقتصادي؟
أم أنه يمهّد لمرحلة تفاوضية أكبر تتداخل فيها ملفات الطاقة والسياسة والأمن الإقليمي؟هذه قراءة أولية للمرحلة الانتقالية التي تتشكّل ملامحها اليوم.
من العقوبات الشاملة إلى مقاربة أكثر مرونة
صوّت مجلس النواب الأميركي لصالح مشروع الدفاع الجديد الذي يتضمن إلغاء “قيصر”، بانتظار موقف مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس.
ورغم عدم دخول القرار حيّز التنفيذ، فإن الإشارة السياسية تبدو لافتة:
يبدو أن الولايات المتحدة تعيد صياغة أدوات الضغط، متجهة نحو إدارة أكثر انتقائية للانخراط الاقتصادي–الأمني، بدل العقوبات الواسعة التي طبعت العقد الماضي.
هذا التحول لا يعني بالضرورة تخفيف العقوبات كلياً، لكنه يشير إلى رغبة أميركية في وضع إطار مختلف لإدارة العلاقة مع سوريا، يتسق مع التحولات الإقليمية والدولية، وخصوصاً ما يتعلق بروسيا وأمن شرق المتوسط.
هل يعني هذا انفتاحاً فورياً للاستثمار؟
حتى اللحظة، لا تظهر مؤشرات على دخول رأس المال الأجنبي بشكل مباشر، لكن منذ نوفمبر–ديسمبر 2025 برزت إشارات أولية على اهتمام استكشافي متزايد:
اتصالات اقتصادية بين الحكومة الانتقالية وجهات دولية،
نقاشات حول مشاريع الطاقة البحرية،
لقاءات استطلاعية مع شركات كبرى،
حديث متجدد حول إمكانات الغاز في الساحل.
هذه المؤشرات لا تعني انطلاق استثمارات فعلية، لكنها توحي ببداية مرحلة تقييم وجسّ نبض تسعى فيها الشركات الدولية إلى فهم البيئة القانونية والسياسية قبل اتخاذ أي قرار مالي..
لماذا يتركز الاهتمام على الساحل السوري؟
لا يرتبط الأمر بالموارد المحتملة وحدها، بل بموقع الساحل في معادلات إقليمية تتقاطع فيها:
المصالح الروسية،
الاهتمام الأميركي–الأوروبي بالطاقة،
التوترات في شرق المتوسط،
خطوط الإمداد البحرية.
ومن منظور منهجي، ورغم أن التحولات الاقتصادية المحتملة ستتفاوت بطبيعتها بين الشمال والجنوب والوسط، فإن التركيز في هذه القراءة ينصبّ على الساحل بوصفه المنطقة الأكثر ارتباطاً بملف الطاقة البحرية والانفتاح الدولي—وهو المجال الذي تتحرك داخله الشركات الكبرى وصنّاع القرار حالياً.
وبذلك يصبح الساحل “حالة دراسية” تمثّل مساحة تفاعل دولي مباشر، أكثر مما تمثّل نموذجاً عاماً لبقية الجغرافيا السورية.
الموقف الروسي: بين البراغماتية والحذر
تتعامل موسكو مع أي انفتاح اقتصادي محتمل في الساحل بحسابات دقيقة، بحكم وجودها العسكري والسياسي في المنطقة.
ولا يمكن الجزم بمآلات الموقف الروسي، لكن المتابعة تشير إلى احتمال تفاعل على مستويين:
على مستوى الشكل — ميل محتمل إلى البراغماتية
قد تميل موسكو إلى عدم إبداء اعتراض علني، خاصة إذا رأت أن الانفتاح محدود ويمكن احتواؤه ضمن علاقتها المستمرة مع الحكومة الانتقالية، أو إدراجه ضمن ترتيبات أمنية أوسع.
على مستوى الجوهر — رغبة في تثبيت النفوذ
على المدى الأبعد، قد تسعى روسيا إلى تعزيز مواقعها في قطاعات أخرى مثل الفوسفات والغاز البري والمرافئ، أو السعي لضمان دور في أي ترتيبات تخص أمن الساحل، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية.
خلاصة منهجية:
يتحدد الموقف الروسي وفق منظومة واسعة من المتغيرات، أهمها:
شكل العلاقة مع واشنطن،
مستقبل الحرب في أوكرانيا،
قدرة السلطات الانتقالية على توزيع الأدوار الاقتصادية،
ومدى حساسية الشركات الدولية تجاه المخاطر السياسية.
البعد الدولي: سوريا ضمن مشهد تفاوضي أوسع
شهد ديسمبر 2025 تسارعاً في النقاشات حول “خطة سلام من 20 نقطة” تخص الحرب في أوكرانيا، وهو تزامن لا يصنع رابطاً مباشراً مع إدراج إلغاء قيصر داخل مشروع قانون الدفاع، لكنه يوفّر سياقاً ضرورياً لفهم اللحظة.
وبالتوازي مع المسار الأميركي–الروسي، يبرز العاملان التركي والعربي، إلى جانب العامل الإسرائيلي، بوصفهم محددات لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات تخص مرحلة ما بعد قيصر. فتركيا تنظر إلى الساحل والحدود الشمالية من زاوية أمنية مرتبطة بالوجود الكردي وبموقعها داخل الناتو، بينما تتابع الدول العربية بإيقاع حذر فرص إعادة إدماج سوريا اقتصادياً ضمن أطر إقليمية جديدة. أما إسرائيل، فتتعامل مع أي تغيّر في توازنات الساحل أو الجنوب من منظور “إدارة المخاطر”، ما يجعلها طرفاً حاضراً في حسابات واشنطن وموسكو، حتى دون إعلان مباشر.
فالولايات المتحدة وروسيا تميلان، في المواجهات الجيوسياسية الممتدة، إلى إدارة ساحاتهما المختلفة وفق مبدأ “الضغط المتبادل بين الملفات”؛ أي توظيف الإيقاع السياسي في منطقة ما لتحسين شروط التفاوض في منطقة أخرى.
ومن هذا المنظور، يمكن قراءة التحول الأميركي في سوريا—بما في ذلك إعادة تنظيم منظومة العقوبات—بوصفه جزءاً من إعادة ترتيب أدوات النفوذ ضمن مشهد تفاوضي أوسع مع موسكو، أكثر مما هو خطوة محلية تخص سوريا وحدها.
ويبقى مدى تأثير هذا العامل مرهوناً بتطورات المسار الأوكراني وتوازنات القوى في شرق المتوسط خلال المرحلة المقبلة.
المجتمعات المحلية: بين فرص محتملة ومخاوف مبررة
قد تحمل المرحلة المقبلة فرصاً أولية، مثل:
نشاط محدود في قطاعات النقل والخدمات البحرية،
تحسينات جزئية في البنى التحتية،
فرص تشغيل مرتبطة بأعمال المسح والخدمات اللوجستية.
وفي المقابل، تبقى المخاطر قائمة:
احتمالات الفساد والمحسوبيات،
مخاطر بيئية على قطاع الصيد،
احتمال تحويل الموارد إلى أداة تفاوض دون أثر تنموي فعلي.
ولذلك تقف المجتمعات المحلية بين أمل حذر وحذر مبرّر.
سيناريوهان رئيسيان للمشهد المقبل
السيناريو الأول: تقدم التفاهمات الدولية
قد يؤدي إلى انفتاح اقتصادي مضبوط، وتحسن نسبي في الاستقرار، وتوسّع تدريجي في الفرص المحلية.
السيناريو الثاني: تعثر التفاهمات
قد يفضي إلى تشدد روسي، وعرقلة غير مباشرة لأي استثمارات غربية، واستمرار الوضع الرمادي بين الانفراج والجمود.
ولا يمكن ترجيح أي من السيناريوهين حالياً.

ختامًا: هل بدأت مرحلة الانفتاح؟
ما حدث في الكونغرس لا يعني نهاية العقوبات، ولا بداية الاستثمار المباشر.
إنه إشارة لمرحلة اختبار جديدة يجري فيها إعادة ترتيب أدوات الضغط، وتقييم إمكانات الانفتاح، وتحديد حدود التفاعل الدولي في سوريا.
سوريا اليوم ليست في مرحلة إعمار، وليست في مرحلة عقوبات مطلقة.
بل هي في مرحلة إعادة رسم القواعد—مرحلة انتقالية تتجاور فيها الفرص والمخاطر، ويظل اتجاهها مرهوناً بالتطورات الدولية أكثر من العوامل المحلية.. .
*كاتبة واعلامية سورية

Exit mobile version