اليمن الحر الأخباري

وتتواصل اوهام بن سلمان

عبدالرحمن الأهنومي*

دخل الوضع التمويني مرحلة حرجة للغاية ، جراء احتجاز سفن الوقود وقرصنتها ، لكن حتى وإن انهار النظام الصحي وتوقفت المستشفيات عن العمل ، وإن توقفت مضخات المياه ومحطات المعالجة عن الضخ وعن معالجة مياه الصرف الصحي، وإن توقفت قاطرات عن نقل الإمدادات الغذائية بين المدن ، حتى وإن توقفت مصانع الغذاء ومعامل الخبز والطحن وغيرها ، وإن توقفت سيارات ومركبات المواطنين عن الحركة حتى وإن صارت شوارع صنعاء خالية ، وإن بقيت فقط 11 محطة توزع الوقود من إجمالي 2000 محطة في اليمن أغلقت لم تعد تستطيع توفير الوقود، فإن الأمم المتحدة – ورغم معرفتها وعلى رغم التحذيرات من وكالات ومنظمات الإغاثة والعمل الإنساني ، ورغم التهديد الوشيك لحياة الملايين من البشر باتوا معرضين للموت بسبب انعدام الوقود وتوقف الخدمات الطبية وغيرها – لن تفعل شيئا ، حتى وإن حصل ما حصل فإن المجتمع الدولي سيلزم الصمت المطبق والمميت ولن يتحدث ، حتى وإن مات الجميع في اليمن سيخرس المبعوث الأممي والأمين العام للأمم المتحدة عن الكلام ويعجزون عن مجرد الإشارات ، حتى وأن فتكت الأمراض والجوع بالمدنيين في اليمن فستستمر الحكومات الأوروبية في تسويق وترويج الشعارات والعناوين الإنسانية بشكل وقح دون موقف حقيقي تجاه هذه الجريمة الفظيعة ، ستتجرد الدول الكبرى من الأخلاق ، وسينافق العالم أمريكا والسعودية ، لكن اليمنيون لن يعدموا الوسيلة ولا السلاح الذي يفرض على جميع المجرمين -أكان جرمهم بالفعل أم بالتواطؤ والتمالؤ- رفع الحصار ، ولن يعدموا كذلك تجاوزه والانتصار عليه.

محاصرة اليمن وعزله كليا عن العالم الخارجي يعد جريمة حرب موصوفة بالإرهاب الدولي لا تنتهك القوانين الدولية والإنسانية فحسب ، بل تعتبر سابقة سوداء في تاريخ حروب البشرية كلها ، لم يسبق أن مورس على بلد هذا الشكل من الحصار المروع برا وبحرا وجوا ، أكثر من 29 مليوناً من السكان في اليمن بينهم الطفل والشيخ والمريض والجريح يرزحون تحت حصار مطبق وخانق ، الموانئ اليمنية لا تصل إليها سفن الوقود والغاز المنزلي حيث تقوم البحرية الأمريكية والسعودية باحتجازها وخطفها مع طواقمها في نقاط تفتيش نصبتها منذ بداية العدوان العسكري على اليمن ، الأمر نفسه على سفن الشحن المحملة بالأغذية والأدوية وكل ضروريات الحياة والمعيشة لا يسمح لها بالتفريغ في ميناء الحديدة تقوم سفن الحصار والقرصنة التحالفية بتحويل مسارها إلى موانئ إماراتية ومن هناك يتم شحنها برا بأسعار نقل مضاعفة ، على المدنيين في اليمن أن يواجهوا قدرهم ليستفيد النظام الإماراتي المارق من قيمة شحن وجمركة السلع التي تفرغ في موانئه ثم تشحن برا إلى اليمن على متن القاطرات.

المطارات مغلقة في وجوه المرضى والمسافرين من ذوي الاحتياج للسفر ، السفر عبر المنافذ البرية مخاطرة قد تسبب الموت لمن يغامر فقطاع الطرق وعساكر التحالف السعودي ومرتزقته ينهبون المسافرين ويقتلون بعضهم ، لا يتمتع اليمنيون بحق السفر وحرية التنقل المكفولة بموجب مواثيق أممية وقوانين دولية ، فقد قررت أمريكا على رأس دول العدوان التحالفي سلبهم هذا الحق الإنساني ، ومارست التضييق والخناق على اليمنيين حتى بات السفر من اليمن أو العودة إليه مهمة محفوفة بالمخاطر ، لقد ضرب تحالف العدوان العسكري حصارا مميتا وخانقا على اليمن وضرب بكل القوانين والأعراف والمواثيق والقيم عرض الحائط.

لا اعتبارات عسكرية أو سياسية ولا غيرها للقرصنة والخطف والاحتجاز لسفن الوقود والغذاء والدواء في نقاط التفتيش التي ينصبها تحالف العدوان السعودي الأمريكي وسط البحر ، ما تفعله دول العدوان والحصار برئاسة وقيادة أمريكا هو إمعان في القتل الجماعي لعشرات الملايين من البشر العزل بينهم ملايين الأطفال والنساء والكبار ، لا مبرر لهذا الإجرام والتعدي الصارخ الذي ينتهك القانون الدولي الإنساني ويصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية الشاملة ، تدعي أمريكا ودول العدوان بأنها تقوم بتفتيش السفن بحجّة أنها تفرض حظراً على الأسلحة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216. ونتيجة لذلك، لكنها في حقيقة الأمر تفرض حظرا شاملا ومروعا على الوقود والغذاء والدواء والسلع الأساسية المنقذة للحياة دون أي مبرر أو مسوغ يبيح لها تجويع الملايين ومحاصرتهم من الوقود والغذاء والدواء والسفر ، وحتى المساعدات الإنسانية التي تتنادى بها أمريكا والحكومات الأوروبية والأمم المتحدة تقع في شباك سفن الحصار الأمريكية والسعودية وتحتجز عرض البحر ، وتختطف بعد تفتيشها وتفريغها وحتى بعد التحقق من حمولاتها وفقا لآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش التي أنشئت بموجاب للقرار الدولي 2216 .

ينبغي على النظام السعودي الأرعن ومن ورائه الإدارة الأمريكية وكل الحكومات والأنظمة التي تشارك في العدوان العسكري على اليمن وفرض الحصار عليه ، أن يدركوا الحصار لن يدفع شعبا متوثبا كالشعب اليمني للاستسلام والخضوع ، هذا الأمر تؤكده وقائع الحرب والحصار المستمرة منذ 6 أعوام ، بل تؤكد الوقائع أنه ساهم في تقوية وتعزيز وضعه في مواجهة الحرب العسكرية وسيتجاوز الحرب الاقتصادية وآثارها ، الحصار لا يصنع انتصارا لمن يفرضه ، ولا هزيمة لمن يفرض عليه ، الشعوب المحاصرة تتعلم تصمد تتعلم كثيرا وتخرج من الحصار أقوى والتجارب على ذلك كثيرة.

لن يتحقق للأرعن بن سلمان وأسياده في البيت الأبيض ما يريدونه من أجندات ، وإن منعوا حتى الهواء عن اليمنيين وحولوا اليمن إلى جزيرة معزولة كليا عن العالم فلن يصلوا إلى ما يصبون إليه من مرامٍ وأهداف ، لن تحقق الحرب العسكرية الأهداف العدوانية والحصار لن يخضع اليمنيين كذلك.

الحصار أسلوب قديم قروأوسطي مارسه «الجبابرة» ضد الفقراء الذين رفضوا الاستسلام ، لكنه اليوم يتجدد بأسلوب أشد فظاعة وبداوة وهمجية ، لقد عانت الشعوب والأمم الأخرى في أزمان من التاريخ أشكالاً متعددة من الحصار ، انتصرت كوبا بعدما فرضت أمريكا عليها حصارا مطبقا بهدف إخضاعها ، خمسون عاما بدأت منذ الثورة الكوبية بزعامة فيدل كاسترو الذي قاد الثورة في العام 1959/م ، حوصرت كوبا بلا رحمة ، لكنها خرجت منه قوية ، مصنعة ومنتجة ومكتفية ، الحصار يدفع الشعوب العريقة للبحث عن الممكنات في الأرض والوطن والحياة من خلالها ، تتكون لديهم الخبرات والمعارف والعلوم والابتكارات والصنائع ، كوبا تعتمد اليوم على نفسها وتتحدى أمريكا وتتصدى لمؤامراتها ، لقد أثبتت كوبا أن الحصار لا يهزم الشعوب والأمم ولا يسقط الثورات ، بل يساهم في إحداث التحولات الوطنية التاريخية ، والشعب اليمني يثبت اليوم هذه الحقيقة التي لم تتبدل ولن تتبدل ، في ثمانينيات القرن الماضي فرضت أمريكا حصارا جائرا على نيكاراغوا على خلفية التوجهات الثورية للرئيس دانيال اورتيغا، أغلق ميناء ماناغاوا لسنوات عدة لكن نيكاراغوا صمدت ولم تستسلم للأجندات الأمريكية.

الحصار سلاح جائر، لكنه فاشل في حسم الحروب والصراعات ، لم تستسلم القوات الروسية بعد عامين من حصار تلينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية من قبل قوات دول المحور ، فشلت محاولة دول المحور الاستيلاء على مدينة لينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليا) وإخضاعها بالحصار ، وبعد 872 يومًا انتهى الحصار على المدينة وتحول مسار الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء وبداية النهاية لجيوش المحور.

الحصار الذي فرضه النظام السعودي وأقرانه في الخليج على قطر لم يرضخ قطر لما تريده مملكة السعودية ولم يدفعها للاستسلام ، وفي نهاية المطاف لم تغير قطر من سياساتها ولا من مواقفها ، وخرجت قطر بموقف سياسي واقتصادي وإعلامي من الحصار الجوي والبري والبحري أقوى مما كانت عليه بعد أن اكتسبت تجربة العيش خارج الهيمنة السعودية واستوعبت كافة الآثار المدمرة للحصار.

هذه الأمثلة تؤكد بأن الحصار لا يصنع نصرا لم يمارس هذه الجريرة الموبقة ، ولن يهزم الشعوب والأمم بل يقويها ويجعلها تخرج بتجارب ونجاحات عملية تكون بها أقوى مما كانت عليه ، ولكن لا يعني هذا التقليل من فداحة جرم الحصار والذي يعد من أفظع الجرائم وأشدها ترويعا وضررا بالمدنيين ، فهي من أحقر الجرائم إذ لا تفرق بين كبير ولا صغير ولا مدني ولا مقاتل ، وعادة يدفع الأطفال أثمانها وما يحدث اليوم في اليمن خير دليل ، فقد أدى الحصار إلى وفاة عشرات الآلاف من الأطفال بسبب نقص الأدوية والحاضنات وأجهزة التنفس والأغذية ، وتسبب في انتشار سوء التغذية في أوساطهم.
*رئيس تحرير صحيفة الثورة

 

Exit mobile version