اليمن الحر الاخباري/..
أبرزت دراسة لمركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث الوجود العسكري لنظام آل سعود في المهرة اليمنية في ظل تنامي الغضب الشعبي من “الاحتلال السعودي” للمحافظة.
وتعتبر محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن ويستهدها نظام آل سعود بدلا من الذهاب للقتال شمالا حيث تتمركز جماعة الحوثي.
وتكشف هذه التصريحات عن هشاشة العلاقة بين حكومة اليمن والتحالف السعودي الإماراتي وضبابية الأهداف الحقيقية للحملة العسكرية، التي بدأت منذ مارس 2015 ولم تحقق أهدافها حتى اللحظة، بل يبدو أنها تبتعد عن أهدافها حسب تصريحات الميسري وسلوكها المرتبك على الأرض، وهو السلوك الممتد منذ إعلان الوحدة اليمنية وما قبلها.
فقد لعبت الرياض أدوارا متناقضة تدلل على عدم وجود استراتيجية واضحة بخطط مدروسة للتعامل مع اليمن فتارة تدعم الانفصاليين كما فعلت عام 1994 حين دعمت دولة علي سالم البيض في الجنوب، في مقابل تأمين مصالحها وهي الدولة التي سرعان ما فشلت بعد نجاح علي صالح في حسم المعركة لصالحه وإعادة تلك المناطق إلى نفوذ الحكومة المركزية.
ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم لم تتضح تماما الاستراتيجية السعودية في التعامل مع اليمن، إلا في جانب واحد وهو جعل اليمن ممزقا ضعيفا تابعا للرياض، وحاليا هي في دوامة من الحسابات المتداخلة.
وتمثل محافظة المهرة النموذج الأمثل لمحاولة قراءة العقلية السعودية في التعامل مع اليمن، تلك المحافظة التي تعد ثاني أكبر محافظة في اليمن وتعادل مساحة الإمارات، وتملك أطول ساحل في البلاد، ولديها حدود برية مع سلطنة عمان.
والموقع الجغرافي الاستراتيجي للمهرة جعلها محط أطماع ومقصد نفوذ للعديد من الدول وكانت عمان من أوائل الدول التي استثمرت في تلك المنطقة خصوصا وأن نسبة المصاهرات بين العمانيين وأهالي المهرة عالية، وكانت المنطقة تعتمد على الواردات العمانية بشكل أساسي، عبر معبري “صرفيت” و “شحن” وهما المعبران اللذان تسعى السعودية للسيطرة عليهما بمساعدة قوات يمنية موالية، وهو ما حدث في 18 فبراير من العام الحالي حين سيطرت على معبر شحن، وهو ما لا يروق لمسقط التي تعتبر المهرة امتدادا لأمنها القومي.
في المقابل يسعى نظام آل سعود عبر أساليب متعددة لفرض نفوذه وهيمنته على المهرة تارة بشراء الولاءات القبلية وتارة بالترهيب والقمع وتارة بإنشاء مراكز دينية فكرية تروج لأفكارها وتمهد لوجودها، إلا أن ذلك يواجه بمقاومة واضحة من أهالي المهرة الذين خرجوا في عديد المرات بمظاهرات رفضت التواجد السعودي وأسمته بالاحتلال.
ويطمع آل سعود في المهرة من قديم وقد عندت إلى دعم على سالم البيض ضد الوحدة اليمينة مقابل أن يعطيهم أرضٍ تصبح تحت ملكهم ليطلوا منها على البحر العربي وليفصلوا ما بين اليمن وعمان، واليوم تتجدد هذه الرغبة ابتدأ بمد أنبوب عبر المهرة نحو بحر العرب لتأمين نقل إمداداتها من النفط بأقل تكلفة وتجنب المرور عبر مضيق هرمز وهو ما يرفضه أهالي المحافظة، ويرفضون التواجد السعودي على سواحل محافظتهم تحت مبررات لا يقبلونها، ويجدون أن التحالف السعودي الإماراتي انحرف عن العناوين التي رفعها وذهب لاحتلال مدينة لم يتواجد فيها الحوثي ولا أي من فلوله، لأهداف سعودية خاصة، تنتهك سيادة اليمن وسلامة أراضيه.
ومن الواضح ارتباك السياسة الخارجية السعودية تجاه اليمن، مع وجود فقر خبرات وضعف أداء واستراتيجيات غير ناضجة، في حين أن الحوثي يستقر في الشمال، ويزداد التشرذم في الجنوب، بين عدة جهات تحاول مد نفوذها وفرض وقائع جديدة على الأرض في محصلتها ترسخ للانقلاب والانقسام والتشرذم في اليمن، بعيدا عن عناوين الشرعية التي رفعها التحالف.
في حين تدعم الإمارات الانفصاليين الجنوبيين علانية، تخشى السعودية من دعمهم أو رفض انقلابهم علانية، لأنها بذلك قد تصطدم بالإمارات شريكها الرئيس في حرب اليمن، وذلك ليس خشية على اليمن أو رفضا للانقلاب بقدر ما هو خوف على تحالفاتها الهشة مع المكونات اليمنية الأخرى التي ترفض انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي.
وهي أقرب إلى كونها لا تعرف كيف تدير المعركة أو تدير علاقاتها، وتواجدها في مستنقع الحرب بدون رؤى واضحة، ومن ذلك أنها قد تعلن اتفاق إطلاق نار من جانب واحد ومن ثم في اليوم التالي تقوم بسلسلة غارات كما حدث منذ نحو أسبوعين.
ونظرا لفشلها الفادح في إدارة المعارك والمناطق بنفسها في اليمن تتجه المملكة أكثر نحو صنع وكلاء لها وجيوب لها في اليمن عبر تجنيد مقاتلين يمنيين وشيوخ قبائل، برواتب ومخصصات مالية كبيرة، لتحارب عنها بالوكالة، وفي المهرة، كانت “قوات الرد السريع” المدعومة سعوديا مثالا على تلك الجيوب والتشكيلات.
قام المسؤولون العسكريون السعوديون بتجنيد اليمنيين بشكل أساسي من محافظات لحج وأبين والضالع. هذه التشكيلات المسلحة غير قانونية لأنها موجودة خارج سجلات وسيطرة السلطة المحلية في المهرة. ولا يوجد تقدير موثوق به للعدد الإجمالي لمقاتلي هذه الميليشيات، لكن يُقدر أنها تشكل عدة كتائب وأنها تضم الآلاف من المقاتلين.
والكثير من هؤلاء يتقاضون رواتب بالريال السعودي، ويقودهم ضباط يمنيون بإشراف مسؤولين عسكريين سعوديين وتنتشر القوات اليمنية الموالية للسعودية حول الثكنات العسكرية السعودية، وفي المواقع الصغيرة المحيطة بالمحافظة، بما في ذلك على طول الخط الساحلي الطويل للمهرة، مما أدى إلى تسمية بعض الوحدات محليا بـ “خفر السواحل”.
ومن ثكنتها الرئيسية في مطار الغيضة، بدأت القوات السعودية بالاضطلاع بدور مواز لدور الجهاز الأمني الحكومي في المهرة، حيث يتم إطلاق عمليات الاستطلاع الجوي وغيرها من العمليات من مركز القيادة في الثكنة، بشكل متجاوز للسلطة المحلية“.
ويبدو أن سلطات آل سعود ماضية في تنفيذ مخططها المتعلق بمد أنابيب النفط عبر المهرة، ربما تمهيدا للحصول على الحلم القديم وهو مساحة من الأرض تتبع المملكة وإن كان الثمن أن يمر على جثث آلاف الأبرياء وترحيل آخرين، ولم يكن ترحيلها للآلاف من سكان “الخرخير” إلا أبسط مثال على ذلك، وهي منطقة على الحدود، سكانها متأثرون بالثقافة المهرية واليمنية ويتمتعون بعلاقات اجتماعية تاريخية فهم من قبائل تمتد إلى المهرة في اليمن.
قامت الرياض بترحيلهم وإلغاء المحافظة في وقت سابق من أجل جعل المنطقة محطة أساسية في عملية مد الأنابيب إلى بحر العرب، وهو الأمر الذي لازال أهالي المهرة يرفضونه ويقاومونه، ولاتزال التطورات المرتبطة به متفاعلة حتى اللحظة.
وفي أكتوبر ٢٠١٧ كشفت تقارير متواترة عن قيام المملكة بضم أراض يمنية والاستيلاء عليها منذ مارس ٢٠١٥ واقتلاع العلامات الحدودية المتفق عليها وابتلاع نحو ٤٢ ألف كيلومتراً مربع ضمن حدود محافظتي حضرموت والمهرة، وهي ذات المساحة التي زعم الرئيس صالح ومسؤولو الدولة حينها أنهم استعادوها كأرض يمنية في حدود الجنوب.
ووصلت التعديات إلى معسكر الخراخير ومنطقة البديعة الفاصلة بين البلدين بحسب اتفاقية جدة ٢٠٠٠.
وأكد شهود عيان على انتزاع الأعمدة الخرسانية التي نفذتها شركة ألمانية ونقلها مسافة 700 كيلومتر إلى مثلث الشيبة في الحدود المشتركة مع سلطنة عمان، والتوغل الرأسي شرقا في عمق 60 كيلومتراً داخل حضرموت“.
ويتضح أنه منذ اللحظة الأولى لإعلان التحالف السعودي الإماراتي تدخله في اليمن كانت الأطماع حاضرة، ولم تكن شعارات إعادة الشرعية إلا غطاء لتنفيذ مآرب ومخططات ذاتية هدفها الأساس اقتصادي، يستفيد منه أمراء الحروب على حساب سكان الأرض.
وحاليا تتجه المملكة إلى الاستسلام لوقائع جديدة على الأرض يزداد فيها الحوثي استقرارا وتسعى هي لتأمين مصالحها وإغلاق حساباتها مع أطراف النزاع في مقابل تأمين مرور أنبوبها النفطي، أما اليمن الذي عبثت به ووعدت أهله بالحزم والأمل، لم يجد إلا الفوضى والألم، واستراتيجيات تتسم بالافتقار الأخلاقي والمعرفي، تنطلق من منطلقات أنانية عدوانية، إلا أنها في النهاية لا يمكن أن تستمر فلن يكون نتيجة الفوضى في الرؤى والتصورات إلا فوضى أخرى على أرض الواقع ومساع السعودية لإنشاء خط النفط لن يكتب لها النجاح إن لم يكن هناك استقرار حقيقي على الأرض ولعل هذا ما يسبب لها ارتباكا ويجعل من مهمتها مهمة شبه مستحيلة ويبقيها في دوامة طموحاتها التي تتعارض مع عدوانيتها ومسار تحركاتها وخارطة تحالفاتها المتناقضة وغير المنظمة، وما ذلك إلى مثال آخر على فشلها في إدارة ملفاتها السياسية إقليميا ودوليا.