الخميس , نوفمبر 21 2024
الرئيسية / اراء / أمناء الأمــة في زمان ضياع الأمانة!

أمناء الأمــة في زمان ضياع الأمانة!

خـالد شــحام*
لا يسعني القول إلا بأنني لا زلت تحت تأثير الصدمة من تفاصيل (هجمة البيجرز) على شعبنا في لبنان ومجتمع المقاومة ، صدمة مركبة من الهجوم المبتكر وصور الإصابات وفشل المستويات في تحليل الحدث في بداية نقل الأخبار ، لكن الصدمة الأهم جاءت من مستوى الوحشية الصهيونية التي كشفت نفسها كليا طيلة ما يقارب العام في غزة ولا زالت تذهلنا كل يوم ، لقد أكد هذا الكيان المجرم بقيادته ومجتمعه بأنه لا خطوط محظورة لديه في القتل والأذى وأنه وصل القاع الأسفل من انعدام الإنسانية ، الشق الآخر من الصدمة يأتينا من الأداء الهوليوودي للإدارة الأمريكية التي لا تزال ( تجمع الحقائق ) ، ولا زالت تذهلنا كل يوم بمفاجأة أكثر حول استخفافها بشعوب الأرض وتعاملها معنا وكأننا مجرد حشرات أو كائنات لا قيمة لها أمام الآلهة الصناعية والتقنية التي وصلت حدودا غير معقولة في الجريمة الكونية ، ألم تُقِم أمريكيا الأرض ولم تقعدها بعدما شنت حملتها على ( الإرهاب والإرهابيين ) وأخذت تطاردهم من العراق حتى أفغانستان طيلة عشرين عاما ؟ ألم تجلب العالم إلى مقاعدها لتعلمه عنـوةً كيف يبحث ويكتشف الإرهابيين ؟ بماذا يمكن وصف الذي حدث في لبنان ؟ ماذا نسمي غارة الأمس على الضاحية الجنوبية وقتل الأبرياء على الهواء بالاعتداء الهمجي وقتل المدنيين ؟ لماذا لم يعلن حلف حقوق الإنسان والهيئات الأممية ومجلس الأمن عن فتح تحقيقات دولية بشأن هذه الجريمة الإرهابية ؟ أليست هذه قطعة من حرب الإبادة التي يعايشها العالم على الهواء ؟ لقد تبين كل شيء وتعرت حقيقتكم بأنكم أنتم منبع ومصنع الإرهاب عبر كل العالم ، وهــا نحن هنا أمام السـؤال الذي يطارد الجميع بلا هوادة ويؤرق معاشنا ومصيرنا وأيامنا القادمة إن بقيت : إلى متى يستمر نزيف الدم العربي بلا ثمن ؟ من هو الذي سيمنح هذا الدم ثأره ويعيد له عرشه وقدسيته ؟ من هو الذي سيدخل التاريخ ويوجه للكيان الضربة القاضية الأولى ؟
تعيدنا هجمة البيجرز وأجهزة اللاسلكي إلى تفجير ميناء بيروت الذي لا يزال دويه يَطِنُّ في وعينا ، وتعيدنا إلى التفكير في فرادة هذه الهجمة والعقلية المريضة جدا التي تقبع خلفها والتي تعتبر الأولى من نوعها في سجل الصراع البشري بهذا المستوى ، تصنف هذه العملية في علم الحروب بإسم العمليات القذرة والتي تأتي في سياق خارج عن أدبيات المعارك والحروب ، لقد حدث في السجل العسكري للبشرية أن دولا قامت بتذخير الطيور بشحنات حارقة وإرسالها إلى مدن العدو ، وأخرى قامت بتحميل السموم مع المطر، ودول أخرى استخدمت تقنيات قاتلة لا تخطر على بالٍ من رصاصات الجليد إلى السموم المشعة ، لقد عايشنا قسطا من حرب العدو الصهيوني وهو يرسل الطرود والرسائل المسممة او المتفجرة إلى القيادات الفلسطينية والعربية ، لكن هذه العملية جاءت بمستوى متقدم من الجرأة التقنية والاستخبارية واعتداء جديد سافرعلى القواعد والقوانين الدولية التي داسها الكيان بكل عزيمة وإصرار طيلة الشهور الماضية من خلال محاولته ارتكاب مذبحة جماعية لا تقل عن مستوى الإبادة في غزة ، إنها نسخة مكررة من تفجير ميناء بيروت بالقسم الجنوبي هذه المرة .
لا أخفي جزءا من خيبتي بتلك التحليلات والتفسيرات التي قدمها خبراء الاتصالات في الظروف الأولى من الهجمة والذين استعانت بهم الفضائيات ووسائط الإعلام لتقديم رؤيتها للمتابعين المتلهفين لسماع الاخبار ، من المؤسف وجود هذه الحالة من الضعف العلمي والتقني الذي لم يلتقط الفكرة منذ أول ثانية ، كانت تصريحات الجاسوس السابق ( إدوارد سنودن )هي أولى التفسيرات الصحيحة ، ولم يكن الأمر يحتاج إلى موقع إكسيوس او وغيره لكي نفهم ماذا جرى .
إن ما قام به الكيان الصهيوني لا يعد عملا خارقا ولا شيئا متفوقا ، كل ما كان يلزم هو العقلية الإجرامية المجردة من أية قيم او إنسانية لفعل ما ارتكبوه والباقي هي مجرد تقنيات وأفكار علمية تركيبية معروفة منذ سنوات طويلة ويسهل على خبير من الدرجة الثالثة أن يقوم بها لكن القسم الأشد خبثا والذي يتطلب التحقيقات الموسعة هو الطرق الملتوية في الاحتيال على حذر حزب الله لدسِّ السُمِّ في الدسم عبر سنواتٍ وصبر فريد من نوعه ، لقد غاب عن أذهان المحللين الذي قدموا نظرية انفجار البطاريات والهجوم السيبراني أن البطاريات لا يمكنها بالمطلق أن تحدث الأضرار التي شاهدناها ، يجهل غير المطلعين بأن الحشوات شديدة الانفجار يمكنها التعرض للشمس والتسخين وحتى الحرق دون أية خطورة ، ويمكن عجنها بملدنات بوليمرية وصناعة أية قطعة داخل الجهاز منها كغلاف أو قطعة من تركيب البورد ، الترجيح أن البطاريات لم تكن هي الملغمة لأسباب لا يتسع المجال لشرحها ، وإن تبين لاحقا أنها هي الجزء الملغم فهذا يعني أن وسيطا ما غير المصنع قام بعملية التبديل ، لكن السيناريو الأكثر ترجيحا من وجهة النظر التقنية أن المصنع بنفسه تم إعداده لإنتاج هذه الأجهزة ، لقد كانت هذه الأجهزة ملقمة بالصاعق اللازم المربوط بدائرة الكترونية مبيتة تنتظر بكل هدوء وامان ودون ملل الإشارة المناسبة للتزنيد والانفجار والتي تم حقنها في الشبكة المحلية ولا يوجد في الأمر أي هجوم سيبراني ، مثل هذه التقنيات وتحضيرها على نطاق واسع لا يمكن أن يمر دون اليد الأمريكية المؤهلة أخلاقيا وتقنيا لهذه الأفعال ، ومثل هذه التقنيات لا يمكن لوسيط أن يقوم بها بل يجب أن تتم دا خل المصنع المصمم للجهاز وليس غير.
ad
لماذا اختار العدو هذا التوقيت لعملية الضرب تحت الخاصرة ؟ ان السببين الأساسيين همــا عملية حزب الله في ضرب الوحدة 8200 بشكل مؤلم ، و صاروخ فلسطين اليمني الذي يعد أكثر خطورة ، لقد أراد المجرم نتانياهو الرد على الإختراق المزدوج اللبناني – اليمني لمنظومته الأمنية الإلكترونية برد يثبت قوة اليد الطولى الأمريكية ، ويحقق فكرة التفوق التكنولوجي الردعي الاسرائيلي التي لا يمكن التسامح بتجاوزها تحت أي شرط ، لقد كانت الفكرة ان الاختراق التقني للمنظومة الامنية الالكترونية الصهيونية يتوجب الرد عليه بضربة أقوى من نفس الفئة .
لقد كان المطلوب من هذه العملية الضاربة في العمق لحزب الله توليد موجة رعب تولد الصدمة لمكانة وحصانة حزب الله في الجيب الداخلي وتكوين سحابة فوضى تهز ثقة الحزب ورجاله بقدرات ومناعة الحزب ، من ناحية اخرى هي انذار دموي لسكان بيروت واستعراض للقوة والبطش وسط ظروف مزرية تدفع الى اليأس ، كل ذلك كما ذكر السيد حسن نصر بهدف قطع الرباط مع غزة وتهديد لبنان بين استمرار جبهة الإسناد أو الفتك بلبنان المقاوم .
ان لبنان مثله مثل غزة واليمن لا يواجه عصابة الكيان فقط انه يواجه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان تابعا بكل ثقلهم التكنولوجي ، وهذا الفريق ضحى بورقة مفاجأة كبيرة كان بمقدوره أن يستثمرها في لحظات أشد حرجا ، وضحى بتكتيك سري وأفرغه من فاعليته وفتح عيون الحذر على أوسعها من كل الأبواب المشابهة الغربية وضرب بعرض الحائط سمعة كل الهيئات الرقابية ومعايير ضبط الجودة والسلامة الانتاجية ووضع العالم في حالة تخوف وحذر من كل هذه التقنيات .
من الملاحظ أن ضربات جيش المخربين الصهيوني تتم بصمت وثقة ودون أن يعلن الكثير من الكلام أو يشهر ضلوعه بالجريمة ، على الرغم من كل ذلك الإتقان الظاهري والضربات المميتة ، إلا أن النتيجة الدائمة التي يحصل عليها هي عكس ما يريده تماما ، لقد تم اغتيال اسماعيل هنية المفاوض لتحطيم الروح المعنوية لحماس ولكن حماس صعدت إلى المقاتل يحيى السنوار ، وعندما تم اغتيال فؤاد شكر توجهت ضربات حزب الله وتوسعت إلى مناطق لم تكن تقترب منها سابقا ، ومع هجمة البيجر التي جرت لتحييد حزب الله من المشهد الفلسطيني وإرهاب شعب لبنان ، تكلم السيد نصر الله وقدم لهم كلمة موتوا بغيظكم ، نحن مع فلسطين ، وقال الجرحى والمصابون كلمتهم من أسرة المشافي بأنهم مع المقاومة حتى النهاية ، وفي الماضي أنفقت أمريكيا مع الكيان ودولة خليجية مئات المليارات لصناعة الطوائف والاقتتال داخل لبنان ، ولكن كل لبنان وقف مع حزب الله بالأمس .
البيجرأو اللاسلكي الذي انفجر في لبنان رفع أسهم المقاومة داخليا وخارجيا ووضع العالم كله أمام مسؤولياته حيال هؤلاء المجرمين ، وسيدفع بحزب الله وقوى المقاومة إلى نقلة نوعية في التجهيز والإعداد وهذا هو الجزء من الثمن الذي يدفعه لبنان وشعبه المقاوم لكي يتخذ مكانته من المجــد والتاريخ مع شعب اليمن العظيم ، اما بقية أنظمة وشعوب العرب الذين يقفون متفرجين فقد انفجرت بيجراتهم منذ اول غارة صهيونية على غـزة وانتهت حياتهم ورحلوا في حفرة من قبور التاريخ .
إن ما حصل في هجمة البيجرز واغتيال القيادي عقيل له دروس كبيرة على كل الصعد والاتجاهات القريبة والبعيدة ، الصورة الحالية التي يعيشها العالم العربي بمطلق مسمياته أصبحت كالآتي : لدينا عدو كبير متغلغل في النطاق العالمي إلى الحد الذي صار فيه كل هذا العالم تقريبا يستضعفنا بشكل مباشر أو غير مباشر لنا ، عندما نريد أن نأكل فقد بات من الواضح أن اعتمادنا على هذا العدو في استيراد البذور وحتى زراعتها واستيراد الاسمدة الخاصة بها ، لذلك لا تستغربوا لو اصابنا الجوع في اية لحظة او اصبنا بعقم أو تسمم طويل المدى ، عندما نريد أن نقاتل فنحن نستورد طائراتنا ودباباتنا واسلحتنا من هذا العدو كي نحاربه بها ! ولذلك لا تستغربوا لو فشلت اسلحتنا او توقفت طائراتنا عن الاقلاع لأنها تحتاج الإذن والكود من هذا العدو وربما تمكن من إطفائها أو تعطيلها عن بعد ، عندما نريد إعمار بلادنا وبناء محطات التحلية والكهرباء والغاز نتوسل الى عدونا لكي يبني لنا ويساعدنا في شق الطرق وبناء السدود ولذلك لا تستغربوا أننا مستضعفون في نظر الأمم ، كل برامج الحواسيب وصناعتها وتقنياتها نشتريها ونستوردها من هذا العدو ، وفي اللحظة التي يكشر فيها عن أنيابه يمكنه إطفاء الزر عنا جميعا ونعود الى العصر الحجري ، ليس هذا بسبب ضعف أو قصور في قوة الامة أو قدراتها ولكن بسبب حراس السجون وبرامج التعطيل والإفقار والتقوقع خلف التاريخ وكلما صعد مشروع أو محاولة للإرتقاء تتكالب قوى الاستعمار لوأده وقتله واعتقال روداه .
لقد وصلنا إلى خلاصة الرسالة الأهم والتي كشفت ضرورتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمينة ، الرسالة التي تقول بأنك لن تشبع إذا لم تزرع بيدك ولن تلبس ما لم تنسج بيدك ولن تأمن إذا لم تدافع عن نفسك بيدك ، لقد وصلت الرسالة الأهم إلى شعوب العرب وإلى وكلاء الطوائف وإلى أعمق ما يمكن بأن النهضة العلمية هي جزء لا يتجزأ من قانون البقاء في عالم اليوم المتقلب .
ما حدث في لبنان أكبر بكثير من مجرد هجمة عل حزب الله ، هو جرس إنذار كبير الحجم انطلق مع انفجار مرفأ بيروت ولا يزال دويه يطن في الآذان والعقول لمن يفهم ويعقل ، ما حدث في لبنان لا يدين حزب الله ولا ينقص من قدراته ولا من ذكاءه الذي قطع شوطا طويلا في التفوق التكنولوجي لكنه يعيب الانظمة العربية المحترقة حتى الصميم والتي عرت وكشفت شعوبها للغرب والولايات المتحدة ولم تول البحوث والتصنيع والنهضة العلمية القدر الكافي من البرامج .
يمكن للمجرم نتانياهو أن يفرح قليلا ويقدم لشعبه المجرم هدايا الحصاد الأخير ، اغتيال ابراهيم عقيل وغزوة البيجر ولكننا سنقول له الآتي :
في كلمته الهادئة الواثقة قدم السيد حسن نصر الله نقطتين محوريتين ، الأولى هي أن الصلة الروحية والميدانية مع غزة لم ولن تتأثر بمثل هذه الهجمة الكرتونية وبذلك تحول أمين الحزب إلى أمين الكرامة العربية التي لم تتخلى عن غزة وسط حالة شاذة من النكران والخذلان العربي على مـد البصر ، والثانية هو أنه تحدى قادة الاحتلال وجيشه المخرب بأن يعيد حثالة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال وبذلك انتقل سماحة السيد ومثله السيد عبد الملك إلى منزلة أمناء الأمة الذين وقفوا أمام أعتى جبروت يشهده العصر في تحد تاريخي لقوى الاستكبار للدفاع عن شرف ومصير ومستقبل كل شعوب العرب والمسلمين ، ونختتم تكامل هذا الوعد بالإعلان الذي أطلقته المقاومة في الأسبوع الماضي بأخطر ورقة على الإطلاق ستدفع بها المقاومة الفلسطينية في الساحة وهو طوفان الاستشهاديين ، الورقة التي ستزلزل كامل عرش الجبروت من قاعدته حتى قيادته ، موسم الصيد في الشمال قد اقترب ، وقطاف النصر صبر ساعة ، والنصر للمقاومة حتى النهاية .
*كاتب فلسطيني

عن اليمن الحر الاخباري

شاهد أيضاً

كشف المستور في كتاب الحرب المنشور!

محمد عزت الشريف* لم يكن طوفان الأقصى محضَ صَولةٍ جهادية على طريق تحرير الأقصى وكامل …