بقلم/ عبدالباري عطوان
هل انهار “التّحالف الاستراتيجي” بين الإمارات والسعوديّة؟ ما هي الأسباب الحقيقيّة الخمسة وراءه؟ وكيف خرجت قطر الرّابح الأكبر حتّى الآن؟ وهل ستُغلَق مقرّات “العربيّة” وأخَواتها في دبي قريبًا كرَدٍّ على مُقابلة مشعل و”مُخالفاتٍ” أُخرى؟
يَحرِص الاشقاء في منطقة الخليج طوال الثلاثين سنة الماضية تقريبا على تمييز انفسهم عن العرب الآخرين، او “عرب الشمال” تحديدا، ليس بامتلاكهم المال، والكثير منه فقط، وانما من حيث قدرتهم على ضبط النفس، وعدم الاندفاع في الثورات والقرارات، واستقرار بلدانهم، والحفاظ على هويتهم الخليجية الجامعة، ولكن القاء نظرة سريعة على منظومة مجلس التعاون الخليجي الإقليمية، والعلاقات بين بلدانها هذه الأيام تعكس صورة مغايرة كليا من حيث تفاقم الخلافات والصراعات بين أعضائها الستة، وتآكل وتبدد حلم الوحدة الخليجية التي كادت ان تتجسد في اتحاد كونفدرالي كخطوة أولى على طريق الوحدة الاندماجية.
نسوق هذه المقدمة، التي حرصنا ان تكون قصيرة، بمناسبة الخلاف السعودي الاماراتي المتصاعد، وظهوره الى العلن هذه الأيام، وانتقاله بصورة غير مسبوقة الى منظمة “أوبك” واجتماعها الأخير في فيينا لاعتماد اتفاق سعودي روسي لرفع متدرج للإنتاج بمعدل 400 الف برميل يوميا حتى نهاية العام لتخفيض الأسعار حفاظا على استقرار الاقتصاد العالمي الذي يعاني من أزمات طاحنة لعوامل كثيرة ابرزها انتشار فيروس الكورونا وحالات الاغلاق التي صاحبته في معظم الدول.
تلاسن حاد، وغير مسبوق، انفجر في اليومين الماضيين على شاشات البلدين، بين الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير النفط السعودي، ونظيره الاماراتي سهيل المزروعي، بدأءه الأول، وعلى غير العادة، بانتقاد الامارات لمعارضتها هذا الاتفاق منفردة، فرد نظيره الثاني، أي المزروعي مصحوبا باتهام مبطن للسعودية بمحاولة فرض رأيها وتقديم مصالحها على مصالح الآخرين، وقال ان بلاده ايدت دائما المواقف السعودية وقدمت تضحيات كبيرة، وانها تريد الآن الحصول على حصة عادلة تتناسب مع تضحياتها واستثماراتها الضخمة في الصناعة النفطية تدر عليها عوائد افضل.
***
الاحتقان بين البلدين ظل يتضخم طوال الأعوام الثلاثة الماضية على الأقل، وجاء الخلاف النفطي الأخير بمثابة المفجر له، ويمكن تلخيص ابرز نقاط الخلاف في النقاط التالية:
اولا: التنافس الاقتصادي بين البلدين الذي بلغ ذروته في سياسات الأمير محمد بن سلمان الانفتاحية، واصراره على ترسيخ أسس اقتصاد سياحي منافس للامارات، باتباع سياسة انفتاحية داخلية عنوانها الترفيه، وتحرير المرأة، وإقامة مدينة “نيوم” على البحر الأحمر شمال المملكة لتكون منافسة لدبي في كل شيء، واذا علمنا ان 50 بالمئة من زوار دبي هم من السعوديين وانه يمكن فهم جذور القلق الاماراتي.
ثانيا: المصالحة السعودية مع قطر التي هبطت على الامارات هبوط الصاعقة، حيث جاءت اتفاقية “العلا” للمصالحة مطلع هذا العام، اتفاقية ثنائية بحته بين الرياض والدوحة، وجرى طبخها من وراء ظهر حلفاء السعودية مثل البحرين وأبو ظبي وربما مصر أيضا، وكشفت الشهور الستة الأخيرة عن صحة مخاوف الامارات بالنظر الى تسارع خطوات المصالحة بين العاصمتين، أي الرياض والدوحة، وجمودها بالكامل، بل تدهورها بصورة اكبر من قبل بين الدوحة وأبو ظبي، ومن يتابع قناة “الجزيرة” وبعض اذرع الاعلام القطري الاخرى يدرك ما نقول.
ثالثا: اصدار السعودية قرارا مفاجئا بضرورة نقل الشركات التي تعمل على أراضيها جميع مقراتها من الامارات الى المملكة، واي شركة تخالف هذا الامر سيتم الحظر على جميع اعمالها، وهذا يعني توجيه ضربة قاتلة للاقتصاد الاماراتي، وامارة دبي على وجه الخصوص، لان مقرات معظم هذه الشركات تتواجد فيها، ونسبة كبيرة منها سعودية.
رابعا: الغضب السعودي من قرار الامارات الانسحاب من طرف واحد من الحرب المشتركة في اليمن عام 2019، ودون التنسيق والتشاور المسبق، وذلك بسبب تفاقم حجم الخسائر البشرية في صفوف القوات الإماراتية، وتجنبا لتهديدات الحوثيين بقصف دبي وأبو ظبي بالصواريخ اسوة بالرياض وجدة، وتركيز أبو ظبي على السيطرة على الجنوب اليمني الخال من قوات “انصار الله” الحوثية، ومنع حكومة المنفى اليمنية من العودة بشكل كامل والاستقرار في عدن العاصمة الثانية، وتشكيلها المجلس الانتقالي الجنوبي وجيشه ليكون واجهتها هناك.
خامسا: تتهم الامارات السعودية بدفعها الى التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتعجيل بتوقيع اتفاقات “ابراهام”، في اطار تفاهم سري ملزم مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، على ان تلحق الرياض بها، ولكن الأمير بن سلمان نقض الاتفاق وتراجع عنه خوفا من ردود فعل سعودية داخلية، وخروج الرئيس دونالد ترامب، عراب التطبيع، من البيت الأبيض، رغم ان الأمير بن سلمان التقى ببنيامين نتنياهو، ومايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، في “نيوم” لوضع الخطوط لاتفاق التطبيع، ولكنه انسحب وانكر هذا اللقاء الثلاثي المذكور، وربما بضغط من والده الملك سلمان الذي علم بالأمر متأخرا.
***
من المفارقة ان الامارات قد تسير على نهج خصمها القطري، أي الانسحاب من منظمة أوبك، وللسبب نفسه، أي الاحتجاج على الهيمنة السعودية على المنظمة، وعلى قرار الدول العربية الأعضاء فيها بالتالي، وقد لوحت أبو ظبي بهذا التهديد في اليومين الماضيين.
ومن غير المستبعد ان يصدر قرار في هذا الصدد في الأيام المقبلة، بالنظر الى فشل لقاء الاثنين (اليوم) وتمسك أبو ظبي بموقفها الرافض للاتفاق بزيادة الإنتاج قبل الاتفاق على زيادة حصتها.
اتفاق مصالحة “العلا” لم يفكك التحالف الرباعي الذي تأسس عام 2017 لحصار دولة قطر، وانما مجلس التعاون الخليجي نفسه أيضا، وخرجت قطر الرابح الأكبر، بعد ان اعادت علاقاتها كاملة، وبشكل متسارع مع مصر والسعودية، وخرجت الامارات مهندسة هذا الاتفاق الخاسر الأكبر، وهذا ما يفسر حالة الغضب “المشروع” التي تسودها حاليا بعد ان تركها حليفها السعودي وحدها في ميداني التطبيع وحرب اليمن، ودون ان يتغير أي بند واحد من بنود اتفاق المقاطعة الرباعي، والأكثر من ذلك ان قناة “العربية” السعودية، ومقرها دبي، كسرت كل “المحرمات” وأجرت مقابلة مطولة مع السيد خالد مشعل رئيس حركة “حماس” في الخارج يوم امس من مقره في الدوحة.
هل سترد الامارات بإغلاق القنوات السعودية على أراضيها مثل “العربية” و”ام بي سي” في الأيام القليلة المقبلة في خطوة انتقامية ثأرية.. لا نستبعد ذلك.. وسبحان مغير الأحوال.. والله اعلم.
نقلاً عن رأي اليوم