بشرى خلفان
يذهب إيرك فروم، الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي الألماني، إلى أن الأحلام هي اللغة المنسية، التي يعرفها كل البشر، بل هي اللغة الوحيدة التي تجمعهم، وبقيت معهم على مر السنين، ورغم غموضها فإنهم يسعون إليها كل ليلة، إلا من تعود الكوابيس إلى الحد الذي يجعله يتجنب النوم.
واللغة الأم، هي اللغة التي نحلم بها، وهي اللغة التي نستخدمها في التفكير سواء كان واعيا أم غير ذلك، ونظر بعض الباحثين لفكرة اللغة الأم على أساس اجتماعي وسياسي، فلقد كانت اللغة الأم في أوروبا، اللغة التي يتكلمها العوام، بينما تتكلم طبقة النبلاء، والمتعلمون وأهل الحاشية اللاتينية، لذا ففي العصور التي سادت فيها النظرة الدونية للمرأة، سميت اللغات المحلية والدارجة باللغة الأم، ولكن عندما تغيرت النظرة إلى المرأة، صار مسمى “ اللغة الأم” ، يدل على اللغة الأولى، اللغة التي يتعلمها الطفل في بيئته الطبيعية، وبها يكتمل انتمائه إلى مجتمعه وثقافته.
ولقد أجرى الباحثون في مركز جامعة كانسس الطبي تجربة على الأجنة، إذ أخضعت أربعة وعشرون سيدة حامل في الشهر الثامن إلى اختبارات وقياسات اعتمدت على مجسات مغناطيسية، تستطيع قياس دقات قلب الجنين، وسرعة التنفس، بعد تعريض أجنتهن إلى تسجيلات صوتية باللغتين الإنجليزية واليابانية، وذلك كي يفهموا كيف تتفاعل الأجنة مع اللغتين المختلفتين، وهل هناك اختلاف في نوع التفاعل، وخلصت الدراسة إلى أن الأجنة في الشهر الأخيرة للحمل، قادرة على تمييز اللغات المختلفة، وذلك لاختلاف إيقاع اللغات وموسيقاها.
واللغة الأم هي اللغة التي نرث بها ثقافتنا المادية وغير المادية، فتتناقل بها الأمثال والحكم، والقصص والحكايات والأساطير والأغاني والأناشيد، أي أنها اللغة التي تحمل جوهر الثقافة الخاصة بكل مجتمع، وبها يفهم الطفل كيفية التفكير وكيفية استخدام المجاز والإحالات، وهي بذلك طريقته في فهم جذور البنى المعرفية لمجتمعه، وربما سبرها وتفكيكها، ومن خلال اللغة يستطيع المرء أن يعيد بناء ثقافته على أساس معرفي متين، وعن طريقها يمتلك الأدوات اللازمة للتفكير النقدي.
وربما لهذا السبب رفض البنغال، تهميش لغتهم لصالح اللغة الأوردية التي اعتمدتها الهند منذ منتصف القرن الثامن عشر كلغة رسمية جنبا إلى جنب مع الإنجليزية، وأدى ذلك إلى قيام حركة اللغة الأم في جامعة دكا، التي طالبت بأن تكون اللغة البنجالية هي لغة التعليم في الجامعة.
أدت المظاهرات في يوم الحادي والعشرين من فبراير عام ١٩٥٦ إلى صدام مع الشرطة، الذين أطلقوا النار وقتلوا أربعة من الطلبة، مما جعل من ذلك اليوم يوم تذكاري يعرف بيوم الشهداء، وقد عينت الأمم المتحدة هذا اليوم كيوم للغة الأم.
وأنا شخصيا أعرف أن صوت أمي لا يأتيني في الحلم إلا بالعربية، وتحديدا باللهجة التي تربيت عليها في بيتنا، اللهجة التي غنت بها أمي، وحكت لي بها القصص، اللهجة التي فهمت بها تفاصيل المكان وخطوات جداتي وهن يقطعن السيوح، اللهجة التي عرفت بها أسماء الأشياء، وبها استدللت على مواضع الفرح والألم والحزن في تعويبات جدتي.
نقلا عن عمان العمانية